المشاريع التنموية بالأقاليم الجنوبية: رصاصة الرحمة لأضغاث أحلام جمهورية الوهم
بقلم: د. عبد النبي عيدودي
– باحث في الشوؤون السياسية
– مدير المركز المغربي للقيم والحداثة
سبق أن أفردتُ مقالا تحليلياً خاصا للتراجع والانكماش الذي يعرفه طرح جمهورية الوهم في إقامة “دولة على أرض الصحراء المغربية”.
كما خصصتُ مقالا ثانيا متصلاً عن قوة المشاريع التنموية التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره بجنوب المملكة،وأظهرتُ، من وجهة نظرٍ اقتراحية، الحاجةَ الى إغناء هذه المشاريع بعشرخطوات من شأنها أن تُــنهي، بشكلٍ مُبرم، أحلام جمهوريةالوهم، وأن تدحض للأبد مخططات جنرالات الجزائرفي محاولة إيجاد موطئ قدم يُشكل منفذا لهم على المحيط الأطلسي، وذلك عبر الاستغلال البشع للانفصاليين الذي أفــل نجمهم منذ سقوط جدار برلين، وعَبْرَ تحريك بيادق المرتزقة العاطلة، وكذا من خلال المُتاجرة ببؤس مواطنينا المحتجَزين والمستعبَــدينفي مخيمات العار في تندوفوالحمادة، حيث لا حقوق ولا حريات،ولا ماء ولا كهرباء، ولا سكن لائق، ولا شُغل، ولا دواء ولا كرامة، ولا حتى الحق في الهوية والإحصاء….ولا هم يحزنون.
في مقابل هذه الصورة القاتمة،نلحظ زحفًا ثابتا واثقا وَثَّابًاونافعاً للمشاريع التنموية بالأقاليم الجنوبية لمملكتنا الشريفة، حيثُ لم تعد هذه المشاريع تقتصر على المدن والحواضر الكبرى بالأقاليم الجنوبية كالعيون، الداخلة، السمارة،طرفاية وغيرها، . بل امتدت هذه المشاريع المهيكلة لتشمل جماعات ترابية أخرى بأقاليمنا الجنوبية،وذلك بغاية إحداث وتنمية مراكز عمرانية وتنموية وسكانية صاعدة، من شأنها خلال السنوات القليلة المقبلة أن تعمل على توسيع الدينامية الاجتماعية والاقتصادية، وأن تُساهم في إنتاج الثروة الوطنية، وأن تنسج خيوطاً تجارية واقتصادية واستثمارية جديدة مع محيطها الإقليمي.
ذلك أنه في اعتقادنا يتعين تثمين وتكثيف مشاريع التأهيل الحضري لهذه المراكز، مثلما هو الشأن بالنسبة لجماعة طاطا وجماعة المرسى وجماعة فم الواد، بالإضافة إلى ترميم وتثمين القصبات، بالنظر إلى ما يجسده ذلك من أهمية بالغة إنْ على صعيد الثروة اللامادية، أو على مستوى تحفيز الاستقرار الأسري والاجتماعي بهذه المناطق وخلق عناصر جذبٍ جديدة فيها .
ومن الأهمية هنا أن نفصل القول في بعض المشاريع التي تم أو يتم إنجازها، بجماعة المرسى بجهة العيون الساقية الحمراء، على سبيل المثال لا الحصر، وهي مشاريع كبيرة ومهيكلة لهذه الجماعة الفتية الصاعدة، حيث تمت تقوية الإنارة العمومية بها، وتم إحداث أربعة ملاعب رياضية للقرب، كما تم إنشاء محطة طرقية، مع إطلاق مشروع تثنية الطريق الرابطة بين جماعة المرسى وجماعة فم الواد…. فهل أحد منا سمع بمِثلها أو بجزءٍ يَسِــيرٍ من نظيرها في “جمهورية السراب”، أو بالأحرى في مخيمات البؤس المفروض على المحتجزين هناك !؟….بل هل فكر يوماً جنيرالات الجزائر في قضية تنموية بالمنطقة!؟ ….الجميع يشهد بالعكس: ليس هناك لديهم سوى احتجاز الإنسان والمتاجرة والارتزاق به وبِــفَـــاقَـــتِــهِ وفقره وتشرده لدى المنظمات غير الحكومية التي أدركت جلها حقيقة الأمر…فزاد الخناق ضيقا على رقبة البوليساريو ومن يقف وراءها.
جماعة فم الواد، كنموذج فقط، عرفت أيضا تدشين محطة طرقية جديدة، و تم إنجاز مشروع ترصيف الأزقة والشوارع، وخاصة شارع فلسطين، بالإضافة الى بلورة ثلاثة مشاريع مهيلكة، منها إنجاز مستودع جماعي، وإنشاء ساحة عمومية وملاعب رياضية للقرب…. في حين لايزال مواطنونا المحتجزون لدى المرتزقةيفتقدون إلى أبسط شروط العيش،مثل الماء والصرف الصحي والكهرباء والدواء والنقل، فبالأحرى الاستشفاء والتعليم والترفيه والرياضة والثقافة….إنها مفارقة عظيمة ينبغي على بلادنا أن تفضحها بشكل أقوى، ليعرف العالم، وتحديداً آخر فلول التعاطف الإيديولوجي مع الانفصال، الفرق بين التنمية الجدية والدولة الراعية من جهة، وبين استغلال الإنسان وتشريده وفصله عن جذوره ووأد مستقبله…. فهل يوجد في الكون امرؤ عاقل وحكيم يمكنه أن يُصَدِّقَ طروحات الوهم في مقابل الحقيقة الساطعة التي تمشي على الأرض!؟
لماذا نسرد هذه المشاريع المهيلكة للجماعات الصاعدة بأقاليمنا الجنوبية؟ ولماذا نقارنها بالجحيم المحقق في مخيمات العار؟نفعل ذلك من باب التأكيد الملموس، بالمعطيات الواقعية، للرأي العام الوطني والدولي، على أن المغرب لا يُسَوِّقُ الوهم حين يتحدث عن المشروع التنموي بالأقاليم الجنوبية…وأكثر من ذلك فالمغرب فوق أرضه لا يكتفي بالمشاريع التنموية الكبرى ذات المردود الاقتصادي والمالي الكبير، على أهمية ذلك وضرورته، بل إن بلادنا تفتح آفاقا لمشاريع القرب التي غايتها تحسين ظروف وإطار عيش الإنسان المغربي الصحراوي….وفي ذلك تكريم له وإعادة اعتبار لمكانته في النسيج المجتمعي المغربي……بالفعل وليس بالقول، بالتخطيط والإنجاز والتنظير والتطبيق، من قِـــبَلِ ملكية دستوريةمعقودةٍ لها بيعةٌ شرعية متينة، عرشا وشعباً ومؤسسات، من أقصى شمال المغرب الى أقصى جنوبه، ومن أقصى شرقة إلى أقصى غربه، في مسيرة تنموية لا تكل ولا تمل، وهذا هو نهج ملكنا الهمام، سادس المحمدين، سليل الدوحة الشريفة وارفة الظلال.
لا مجال للمقارنة، إذن، بين ما تحقق ويتحقق من مشاريع وبنية تحتية فوق أرضنا وأرض أجدادنا، وبين ما تقوم به “جمهورية الوهم” التي لا نجد،حين نقتفي أثرها،سوى سراباً ووهماً واستغلالاً وافتراءً على ساكنةٍ لا تزال مسلوبة الإرادة،محرومة من حرية التفكير والتعبير والحركة، ساكنة مغلوبة على أمرها لا حول ولا قوة لها، كان الله في عونها نعم، إنما على المجتمع الدولي أن يصحوَ من غفلته وأن يتحلى بالموضوعية والحزم في إنهاء هذه المأساة الإنسانية التي تظل وصمة عارٍ على جبين العالَم المعاصر….أما النظام الجزائري الداعم لأطروحة الانفصال المتآكلة فلا يزال يردد أسطوانة مشروخة ورثها عن الحرب الباردة، وكأن الزمن توقف لديه في سبعينيات القرن الماضي. ونعتقد أن ضميره لن يستيقظ في الأفق المنظور، ولو أننا نتمنى بصدقٍ أن يحدث ذلك.
نعود، مرة أخرى، لنؤكد على أنَّ من أعمق المشاريع الكبرى وأعظمها وأجملها وأَجَلِّــهَا على الإطلاق، هي تلك المشاريع التي ستفتح أمامنا فضاءًأطلسياً جديداً يربط غرب إفريقيا بشمالها، ويتعلق الأمربالمشروع الجريء والمتبصر، والقاضي بترسيم الحدود البحرية مع الجارة الإسبانية، فتحية إجلال ومهابة لملكنا الهمام على هذا العمل الجبار والصعبوالحكيم الذي يَــنِــمُّ عن بُعد نظر ورؤية ثاقبة لا جدال فيهما ..
ذلك أن هذا الترسيم سيفتح الباب نحو إقلاع اقتصادي كبير وعظيم بأقاليمنا الجنوبية، إذ سيخلق استثمارات هائلة، نظرا لثروتنا البحرية الكبيرة التي يزخر بها شريطنا الساحلي بالمحيط الأطلسي الناعم…كما سيقوي هذا المشروع الخطوط التجارية البحرية، وينعش نقل البضائع والسلع بين إفريقيا وأوروبا بشكل سلس وانسيابي.. كما سيجلب أيادي عاملة كثيرة لأقاليمنا الجنوبية ، لا سيما من دول الساحل والصحراء… وسيوفر فرص شغل هائلة في المجال البحري الواعد والغني…
فهل تفهمون الآن لماذا جبهة البوليساريو وحكام الجزائر أصابهم سُعار جديد خلال الآونة الأخيرة؟! لأن الأوضاع والأحداث تجاوزتهم بشكلٍ أرعبهم، بفعل هذه الضربات القاضية، تنمويا وسياسيا وديبلوماسيا….هذا بالضبط ما يُسمى بنجاعة السياسات التي تنهجها بلادنا بشكل شامل ومتكامل، وعلى المدى القريب والمتوسط والبعيد.
ينبغي علينا، إذن، الحفاظ على يقظتنا الوطنية وعلى أعيننا مفتوحة على الدوام، ومواصلة استشراف المستقبل بناءً على المتغيرات الراهنة في ديناميتها، فهذا المشروع التنموي الكبير له القدرة على خلق تجمعات سكنية جديدة ومتعددة من شأنها أن تحد من الهجرةوتفتح فضاء جديداًللاستقرار الاجتماعيوالنهضة العمرانية بالأقاليم الجنوبية، في وجه ولصالح شباب المنطقة تحديداً والشبابالمغربي عموماً، وحتى الشباب القادم من بلدان الساحل والقارة الإفريقية عموما .
المعركة محسومة ميدانيا وواقعيا على الأرض، ونَعَمْ يمكننا حسم المعركة نهائيا أيضا من خلال التسوية السياسية تحت المظلة الحصرية للأمم المتحدة، بل نجزم بذلك جزما قاطعا، ونؤكد بمالا يَــدَعُ مجالاً للشك أن السرعة التي تسير بها المشاريع المهيكلة بأقاليمنا الجنوبية هي في مثابة رصاصة الرحمة علىأضغاث أحلامٍ موءودة فيإقامة “جمهورية للوهم”…
فقوة هذه المشاريع باتت تياراً جارفا لا تستطيع معه، لا أموال الغاز، ولا فلول الإيديولوجيا البائدة، ولا افتراءات حقوق الإنسان، ولا شراء ذمم حكام بعض الدول، ولا رشوة منظمات دولية، ولا بلاغة المقالات المدفوعة الأجر على صفحات بضع جرائد دولية، ولا فصاحةُ مذيعي حكام الجزائر، ولا دموع التماسيح ولعب دور الضحية، ولا خطابات البؤس لأشباه عسكريين يُقيمون في فنادق خمسة نجوم ولا يزورون المخيمات إلا لماماً، ولا أي فريق دبلوماسي لا يؤمن بما يقول،……..لا يستطيع شيء من كل هذا إيقاف عزم المغرب وتصميمه وصرامته وحزمه في الذهاب بعيدا نحو تنمية منطقته الجنوبية، بشكل سيادي وشرعي ومشروع…………… إنها نهاية وَهْمٍ ساذج….ونهاية حكاية رديئة….ونهاية أكذوبة منكشفة.
والحمد لله الذي بحمد يبلغ ذو القصد تمام قصده.