روح 20 فبراير
علي في مثل هذا اليوم قبل أربع سنوات، عاش المغرب ربيعه السياسي، بعد أن هبت نسائمه قادمة من دول الجوار. مفعمين بسقوط ديكتاتوريات عمرت طويلا، خرجت عشرات آلاف المغاربة إلى الشوارع والميادين، يتلمسون سبل الإصلاح عبر مطالب كثيرة ومتنوعة.
أخذ الشباب المبادرة، وساهمت وسائل الاتصال الحديثة في التعبئة لهذا الحدث وتنسيق باقي محطاته، فكانت 20 فبراير، عنوان بارزا لحراك مغربي، اختلفت مآلاته عما شهدته بلدان الربيع العربي.
خر ج الشباب المغربي، مسنودا ببعض القوى السياسية والفئات المجتمعية، والطبقات الاجتماعية، للمطالبة بالإصلاح، دون الاتفاق على مداخله. هكذا بدأت الانطلاقة عفوية حماسة، حالمة، لكنها غير واضحة الأفق. موجة 20 فبراير، مرت بردا وسلاما على النظام في خروجها الأول، فكانت شهادة الميلاد، مؤشرا التقطه النظام لاحتضان الحركة وتحديد مسارها، وكذلك كان. توالت خرجات 20 فبراير الأسبوعية، وبدأ ميزان المطالب يتأرجح صعودا ونزولا بين ملامسة السقف الأعلى، وبين إضفاء الواقعية على المطالب. الأهواء والرغبات تنوعت بين مطالب بإسقاط النظام، وبين داع إلى الإصلاح من الداخل، وبين هذين المطلبين تعددت الصيغ، وتبارى أعضاء الحركة وزعماؤها في اقتراح ما يناسب المغرب من إصلاح لمحاصرة نزيف الفساد.
إسقاط الفساد ومحاربة الاستبداد، وتعديل الدستور، إبعاد بعض الوجوه، ورموز الفساد، وتسليط الضوء على بعض المظالم، وأوجه الفساد، عناوين بارزة لحركة 20 فبراير نجحت في تحريك مشهد سياسي راكد، اختار من خلال المؤسسات الحزبية التي تعمل في إطار الشرعية، التزام الصمت إلى حين مرور العاصفة. 20 فبراير، حركة خرجت من رحم الخصوصية المغربية لمن يؤمن بهذه الخصوصية، فحملت على مدى شهور آمالا عريضة لفئات كبيرة، تنشد الإصلاح دون أن تستطيع إحداثه. استمر وهج الحركة لمدة شهور، وكانت درجة حرارة الشعب تتأرجح صعودا ونزولا بين اتساع قاعدة الملتحقين بالحركة، وبين تراجع زخمها الشعبي، إلى أن دبت الخلافات بين مكونات هذا المعسكر الذي وحده الإصلاح رغم الانتماءات المختلفة، فبدأت الحركة تتراجع أمام قوة النظام، ولصالح مهندسي احتواء الحركة، وإنجاز الإصلاح على الطريقة المغربية، من خلال فكرة الإصلاح من الداخل، وبأقل تكلفة. مرت أربعة سنوات، ومازالت المطالب التي خرجت من أجلها الحركة معلقة، ومازالت الكثير من القضايا تحتاج إلى التعبئة.
لا أحد يستطيع التكهن بالموت الفعلي للحركة، لكن ثمة جذوة مازالت مشتعلة، تراهن على النضال السياسي من أجل التغيير الذي لم يتحقق على النحو الذي سعى إليه المغاربة، لكن معادلة السلم الاجتماعي والاستقرار تغلبت على منطق المقامرة والمصير المجهول. ما تبقى من الحركة في ذكراها الرابعة، ليس أكثر من أسماء ورموز، انسحبت من الشارع، وعادت إلى قواعدها تكتب المذكرات، وتحلل الحدث، وأخرى منشغلة بتشخيص الأخطاء وإعادة إطلاق مطالب الإصلاح. أما إرث الحركة، فهو روح 20 فبراير التي مازالت تعيش بيننا، لأن دفن الميت لا يعني نسيان ذكراه، وكل 20 فبراير ونحن بخير .