فضائح الوزير “الأعجوبة” التي لا تنتهي !
اسماعيل الحلوتي
غريبة ومستفزة هي الممارسات والخرجات الإعلامية غير المحسوبة العواقب، التي غالبا ما يكون أبطالها وزراء من قياديي حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، الذي يقود الائتلاف الحكومي لولايتين متتاليتين منذ عام 2012، لم يشهد خلالهما المغاربة غير الويلات والفضائح، إذ ما إن يوشكوا على التخلص من أوجاع قرار جائر أو فاجعة أو فضيحة لأحدهم حتى يعاودهم زميل له بأخرى أكبر وأفظع من سابقتها، في ظل غياب الكفاءة والتصدي لمختلف أشكال الفساد والاستهتار بالمسؤولية…
ونخص بالذكر هنا والآن في ورقتنا هذه الكاتب الوطني للشبيبة ووزير الشغل والإدماج المهني محمد أمكراز، الذي سبق أن وصفه الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني ذات ملتقى وطني ب”أعجوبة الزمان”، معتمدا في ذلك على أن لا أحد من زملائه كان يتوقع من قبل أن يأتي يوم يحظى فيه الشاب الأكاديري بالثقة الملكية ويصبح وزيرا دفعة واحدة بلا تدرج، مشيرا في ذات الوقت إلى أن حزبه كثيرا ما يصنع المفاجآت.
ولم نكن حينها نعلم أن كلمة “المفاجآت” الواردة على لسان كبير البيجيديين لا تعني في قاموسهم عدا أنها مرادفة ل”الفضائح”، التي ما انفك قياديو الحزب يصنعونها من حين لآخر ويباغتون بها الناس. فالمحامي الشاب والوزير الأعجوبة لم يتأخر كثيرا في الكشف عن “عجائبيته”، دون أن يشفع له منصبه الوزاري بإحدى أكبر الوزارات وأكثرها حساسية، ولا رئاسته للمجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في حماية كافة حقوق مستخدميه في مكتب المحاماة بمدينة أكادير…
حيث أنه ومباشرة بعد انفضاح أمر زميله القيادي بذات الحزب ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان المصطفى الرميد، في قضية عدم التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بكاتبة كانت قيد حياتها تشتغل عنده بمكتب المحاماة في مدينة الدار البيضاء لمدة تزيد عن عقدين من الزمن.
انفجرت فضيحته هو الآخر على مواقع التواصل الاجتماعي تندد بعدم تصريحه لدى نفس الصندوق بكاتبين ظلا يشتغلان بمكتبه منذ سنوات، ليسارع إلى طي الملف بتسوية وضعيتهما بأثر رجعي. وهو الذي يتعين عليه إعطاء القدوة لأرباب العمل بالسهر على حسن تنفيذ مدونة الشغل، التي تفرض ضمن مقتضياتها على المشغل التصريح الفوري ودون تلكؤ أو مماطلة بالأجراء التابعين لمقاولته، ولاسيما أنه لم يكن يتوقف عن تهديد غير المصرحين بمستخدميهم بالويل والثبور وعظائم الأمور…
ولأن أمكراز و”شريكه” الرميد في خرق القوانين وانتهاك حقوق الإنسان، سلما بأعجوبة من أي “زلزال سياسي” كان من الممكن أن يعصف بهما خارج وزارتيهما ويبعدهما عن ممارسة السلطة نظير فعلتهيما الشنيعة، فإنه استمرأ لعبة القفز على الحواجز بعينين معصوبتين وأبى إلا أن يسير على نهج كبار “العشيرة”، ويواصل تماديه في الاستخفاف بواجباته المهنية، حيث أنه فضلا عن عدم التصريح بمستخدميه لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، قام وهو رجل القانون بخرق المادة السابعة من القانون المنظم لنفس الصندوق، التي تمنع عضوية أي شخص في مجلسه الإداري ما لم يكن في وضعية قانونية سليمة فيما يتعلق بالانخراط وتسجيل الأجراء بالقوائم الخاصة، مما يضرب في العمق مصداقية اجتماعات المجلس التي ترأسها منذ تعيينه على رأس وزارة التشغيل والإدماج المهني في عام 2019. ثم إنه لم يلبث أن اقتنى سكنا فاخرا خارج الضوابط القانونية، معتمدا على ما يعرف بعملية “دارت” التي يلجأ إليها الوزراء البيجيديون كلما أرادوا اقتناء “فيلات” فخمة، للتملص من أداء مستحقات الدولة…
بيد أن الوزير الأعجوبة لم يقف عند هذا الحد من التجاوزات والخروقات الظاهر منها والخفي، إذ في الوقت الذي يصر فيه الحزب على التعامل مع بعض الأحداث الوطنية بنوع من المكر والدهاء، دون أن يكون قادرا على الكشف الصريح عن مواقفه الحقيقية تجاهها، معتمدا في ذلك تارة على تبادل الأدوار بين قيادييه، والاكتفاء في أخرى بتوظيف أذرعه الدعوية والشبابية والطلابية والنقابية والحقوقية والنسائية في تمرير ما لا يجرؤ على تصريفه مؤسساتيا. كيف لا وهو الذي برع في ممارسة التقية السياسوية منذ أن وجد نفسه في قلب الدولة عبر مؤسساتها؟
وبعيدا عما ذهبت إليه “حركة التوحيد والإصلاح” الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية من مهاترات بلغت حد التطاول على ملك البلاد، ومطالبته بمراجعة قراراته في الشق المتعلق باستئناف العلاقات مع إسرائيل، وهي التي لم يكن لها من هم عدا إيجاد موطئ قدم لنفسها في دائرة الضوء لممارسة أنشطتها، فإن بطلنا أمكراز لم يجد أدنى حرج في أن يطل علينا من داخل شاشة قناة “الميادين” الإيرانية المعاكسة لمصالح بلادنا، ليس للتعريف بالقضية الوطنية الأولى دفاعا عن مغربية الصحراء، وتثمين الاعتراف الأمريكي بالسيادة الكاملة للمغرب على منطقة الصحراء، وإنما لانتقاد التقارب المغربي الإسرائيلي في انتهاك صارخ لواجب التحفظ واحترام مؤسسات الدولة. والأدهى من ذلك أنه أجاز لنفسه الحديث باسم المغاربة، حين قال متبجحا: “لما نعبر نحن في الشبيبة عن موقفنا المبدئي والواضح في موضوع التطبيع والمواضيع المتعلقة بالقضية الفلسطينية، فنحن نعبر عن موقف الشبيبة التاريخي وموقف جميع المغاربة”
من هنا كان طبيعيا أن تتأجج نيران الغضب في صدور المغاربة، الذين يرفضون بشدة ازدواجية المواقف لدى الوزير الأعجوبة وبقية أعضاء قبيلته في حزب “المصباح” الذي لا ينشر أصحابه عدا الظلام البهيم، ويطالبون بإقالته الفورية حفاظا على المال العام والمصلحة العليا للوطن…
اسماعيل الحلوتي