المنافسة في ظل الزمن الكوفيدي…
شذرات اقتصادية…. المنافسة في ظل الزمن الكوفيدي…
عائشة العلوي، أستاذة جامعية ورئيسة مركز ديهيا لحقوق الإنسان والديموقراطية والتنمية
حسب منظمة الصحة العالمية، خمسة دول سجلت أزيد من مليون وفاة بسبب كوفيد19 وهي بالترتيب الولايات المتحدة الأمريكية، البرازيل، الهند، المكسيك والمملكة المتحدة. عموما، تشير التقارير إلى محدودية انتشار الوباء بالقارة الإفريقية.
بماذا يمكن تفسير ذلك؟ هل هي الظروف المناخية وموقعها الجغرافي اللذان كانا هذه المرة لصالح القارة الإفريقية، فنجى سكانها من الوباء القاتل؟ هل عدم توفرها على الامكانات والبنيات التحتية حال دون معرفة الأعداد الحقيقية للإصابات ومن تم عدد الوفيات؟
هل لأنها كانت منشغلة بإحصاء عدد قتلاها في النزاعات والحروب وعدد ضحاياها من مهاجرين ومشردين، منعها بالتالي من الاهتمام بهذا الوباء، واعتبرته أنه لا يستحق كل هذا الزخم الإعلامي والسياسي الذي حضي به ؟
أثناء هذه الفترة الغامضة من التاريخ البشري، مجموع من السلوكيات العنيفة والمعادية برزت بين الدول. فكان التنافس والصراع والسباق والربح عناصر متحكمة في العلاقات.
بالمقابل، تنظيم محكم بين الشركات العالمية يستطيع أن يفرض شروطه على الدول.
هل ستستمر الدولة في دعم الاحتكارات الكبرى وتوفير الأرضية الخصبة لها للتطور على حسابها، أم أنها ستنتقل لمنطق آخر يعيد لها الاعتبار في الاقتصاد والسياسات الداخلية والخارجية؟ ما تخربه كبريات الشركات، لن تصلحه سوى الدولة. فالأولى يحكمها منطق البحث عن الربح والمصلحة الخاصة، والثاني يحكمها منطق الديمومة والمصلحة العامة. منطقان لا يلتقيان.
لقد وجدت الدول المتقدمة نفسها أنها لا تملك من سبيل لإنقاذ الوضع سوى ضخ الأموال الطائلة لتحميس كبريات الشركات لإنتاج اللقاح. فكانت المفاجئة، سرعة كبيرة في اكتشاف اللقاح وتنافس حاد في الإنتاج من أجل تلبية الطلب العالمي والحصول على الأرباح. فكوفيد19 لم يكن بتلك القسوة على الجميع.
عشرات اللقاحات تم إنتاجها، وكل بلد يبرز عن قدراته لإنقاذ مواطنيه.
كان من المفروض أمام هذا الوضع أن يتحد الجميع تحت لافتة منظمة الصحة العالمية، ليتساوى الجميع.
كان من المفروض أن يكون للمنظمة حضور عالمي قوي وفعال. لكن يتضح مرة أخرى ضعف أو فشل المؤسسات والمنظمات الدولية لحل مشاكل مصيرية مشتركة بين الشعوب أو الدول. باتت عاجزة عن فرض تنظيم عالمي ورؤية استراتيجية موحدة تخرج الجميع من أزمة مست لأول مرة -بالإضافة للجانب الصحي- مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.
هل لأن المنظمة يطغى عليها السياسي وتفتقد لسيادة القرار؟ هل لأن من يسيرها يفتقد للكفاءات والمؤهلات؟ هل شاخ تنظيمها وأصبح من المفروض إعادة النظر فيه؟ هل مبادرة كوفاكيس تنتظر تطعيم مواطني البلدان المتقدمة قبل التوجه إلى فقراء ومنكوبي العالم؟
أكيد أن عملية التلقيح بدأت في بعض من الدول المحظوظة، لكن عدة دول أخرى لن تستطيع تحقيق ذلك.
بيد أن عدد كبير من المواطنين/ات لا يأبهون بكوفيد19 لأن همهم توفير القوت اليومي بعدما تعبهم وأرهقهم التسلط أو التطرف أو الديكتاتورية أو الصراع… هل كوفيد19 سيختفي من الوجود؟ لا أظن ذلك، ربما سيتم الحد من تأثيره وقوته على صحة الإنسان والاقتصاد، لكن أوبئة أخرى ستستمر وتحصد هي الأخرى أعداد كبيرة من الناس وتسبب عاهات دائمة؛ وتظل الدول والمنظمات والهيئات الدولية عاجزة عن فعل أي شيء. عالم يسألنا بضرورة إعادة التنظيم وترتيب الأولويات…
لقد أبرز كوفيد19 عن عالم كان مخفي وراء الاتفاقيات الغير المتوازنة بين الدول.
لم يعد منطق التحالفات المبنية على الجوار أو التاريخ أو الدين أو اللغة وغيرها قابلة للتطبيق في المستقبل.
لم يعد ضروريا أن يقوم التحالف على أي من هذه الأساسات. فالعالم فضاء حر للجميع، والوطن فضاء سيادي للدولة الواحدة.
تقوضت أعمدة التحالفات، وبدى ملحا لأي دولة نامية البحث عن علاقات أخرى خارجة عن إطارها القديم.
فمن عجز عن إنقاذ وضعه أو مساعدتك أيام الأزمة فما الذي يجعلك تصبر على استنزافه لخيراتك في المستقبل. لقد بات واضحا أن الطرف الذي كان يتوهم بأنه ضعيف هو من كان ينقض الطرف القوي. إن الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للدول المتقدمة مصدره هو الطرف الضعيف. لقد حان الأوان لفك النزيف والاستغلال.
لقد أبان كوفيد19 أن كل بلد هو المسؤول عن تأمين سلامة مواطنيه، ويبقى في المستقبل أن يقتنع بأنه سيد لنفسه.
القطيعة مع سياسات الماضي ضرورة مرحلية لانتقال إلى نموذج تنموي ديموقراطي وسيادي. ما بعد كوفيد19 هي مرحلة التحرر للدول النامية بمعنى آخر وبأبعاد أخرى، خارج منطق التوصيات. ما بعد كوفيد19 هي مرحلة لبناء استراتيجيات وتحالفات قوية جديدة تؤسس لعالم متعدد الأقطاب بتنظيم عالمي جديد يلغى فيه حق فيتو، ولكل دولة الحق في التعبير. ما بعد كوفيد19هي مرحلة لتأسيس لعدالة عالمية.
رغم كل الصعوبات والإخفاقات، فالمغرب أبان عن قوة في تسيير أزمته الوبائية. لذا عليه أن ينتقل إلى مرحلة يبحث فيها عن مصالحه الاستراتيجية بتحالفات إقليمية جديدة، ينقذ بها وضعه الاقتصادي والاجتماعي، ويعزز بها سياسته الخارجية.
هناك إمكانيات داخلية لجعل القطاعات الاقتصادية المهمة خاصة تلك التي لها علاقة بالأمن الاجتماعي والصحي أن تكون بيد الدولة.