حركة 20 فبراير أو “لي حَرْثو الجمل دكّه” .
سعيد الكحل
حلت الذكرى العاشرة لحركة 20 فبراير التي ارتبطت بالحراك السياسي الذي شهدته عدد من الدول العربية في إطار ما سمي بـ “الربيع العربي” الذي جرّ الدمار والقتل في كثير منها ( خاصة ليبيا ، سوريا ، العراق ، اليمن ) .
الحركة جاءت تعبيرا عن تطلع الشعب إلى التغيير والإصلاح في إطار الاستمرارية. لهذا حافظ نشطاء حركة 20 فبراير على سقف مطالبهم “ملكية برلمانية” دون الانجراف نحو ما كانت جماعة العدل والإحسان تدفع إليه وهو تحويل الحركة إلى نواة “قوْمة” أو ثورة ضد النظام .
هكذا عبّر نشطاء الحركة عن نضجهم السياسي من خلال :
أ ــ الالتزام بسلمية الحراك : بحيث حافظت الحركة على سلميتها وانضباط المشاركين فيها للأطر التنظيمية .
ب ــ التصدي لكل محاولات اختراق الحركة والاستغلال السياسوي لها ، خاصة من طرف جماعة العدل والإحسان التي سعت بكل الوسائل والحيل إلى تحويل مسار الحركة والتحكم فيها لتغير طبيعتها من حركة احتجاجية سلمية تطالب بالحرية والديمقراطية والكرامة في ظل الدولة المدنية ومن داخل المؤسسات الدستورية إلى ثورة انقلابية تقضي على كل المكتسبات السياسية والحقوقية والحريات العامة والفردية وعلى أسس الدولة المدنية لتقيم دولة دينية أي “دولة الخلافة” التي تعطّل الدستور والقوانين المدنية وتكرس حكم “الولي الفقيه/الخليفة” الذي يستمد سلطته ومشروعيته من الدين وليس من الشعب.
ج ــ حصْر المطالب في تغيير الدستور وحل البرلمان وتصفية الأجواء السياسية بإصدار عفو عن المعتقلين السياسيين .
وهي المطالب التي وقع حولها الإجماع واستجاب لها الملك في خطاب 9 مارس ، وهي أقصر مدة يتم التفاعل الإيجابي خلالها من طرف نظام عربي مع مطالب الحراك. كان خطاب 9 مارس مفصليا في التاريخ السياسي الحديث للمغرب اعتبارا للآفاق الرحبة التي فتحها .
الأمر الذي قوّى آمال الشعب في التغيير الإيجابي السلمي في ظل الاستمرارية ، بحيث أذهَبَ عنه المخاوف من المجهول والقلق من أي انحراف نحو العنف خصوصا وأن مشاهد القتل والدمار والتخريب صارت عنوان هذا الذي تمت تسميته زورا “بالربيع العربي” .
فرحة لم تتم وتغيير لم يكتمل.
استبشر أغلب المغاربة قرار تعديل الدستور وحل البرلمان وتعيين أعضاء لجنة إعداد مسودة الدستور كلهم من جنسية مغربية .
إذ لأول مرة في تاريخ مغرب الاستقلال سيتعرف المغاربة رسميا على واضعي مسودة الدستور بعد أن كانت العملية تتم في غرف مغلقة . غير أن هذه الفرحة لم تكتمل ، ليس لتقصير من اللجنة أو عيب في كفاءتها ، ولكن للضعف البيّن في إسنادها ودعمها حزبيا ، مدنيا ، شعبيا وشبابيا. تُركت اللجنة عارية الظهر في مواجهة ضغوط وتهديدات حزب العدالة والتنمية بالالتحاق بحركة 20 فبراير إن لم تتم الاستجابة لمطالبه الكابحة للتغيير المنشود وعلى رأسها: إسلامية الدولة المغربية ، جعل الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا للتشريع ، وكذا عدم دسترة حرية الاعتقاد . كان الأمل كبيرا في دستور يسد كل المنافذ التي يتسلل منها الإسلاميون لعرقلة وضع تشريعات عصرية تضاهي تشريعات الأمم المتقدمة ، لكن ضُعف الإسناد الشعبي والشبابي للجنة لحمايتها من ضغوط البيجيدي ، أفسد جزءا مهما من تلك الآمال .
فالبيجيدي الذي هاجم حركة 20 فبراير ومنع أعضاءه من الالتحاق بها ، نجح في استغلالها من جهتين :
الأولى: الاستقواء عبر التهديد بالالتحاق بها كلما شعر أن مطالبه قد لا تلقى الاستجابة المطلوبة من لجنة إعداد مسودة الدستور أو يخسر تصدّر الانتخابات التشريعية .
الثانية : استغلال تراجع جذوة الحركة وتناقص أعداد المشاركين فيها ليزيد من الضغط على الدولة وابتزازها حتى يتضمن الدستور “مسامير جحا” ليستغلها في مواجهة الإصلاحات الدستورية والسياسية والتشريعية التي لا تخدم مصالحه.
هكذا التف البيجيدي على مطالب حركة 20 فبراير واستغلها في فرض توجهاته على الدولة وعلى الأحزاب معا بما يكبح عملية الإصلاح السياسي والتغيير الدستوري . فالتغيير بدأ مع حركة 20 فبراير وانتهى معها .
بل لم يتوقف التغيير فقط ، ولكن حدثت انتكاسة حقيقية وخطيرة في المسار الديمقراطي الذي دشنه المغرب مع اعتلاء الملك محمد السادس العرش باتخاذ سلسلة من القرارات التاريخية والجريئة ، في مقدمتها المصالحة وطي صفحة سنوات الجمر والرصاص بجبر ضرر الأفراد والجهات التي جسدها الشعار/العنوان “فاصفح الصفح الجميل”. كما أرّخت مدونة الأسرة لبداية عهد الارتقاء بحقوق النساء وتأسيس وضعيتهن السياسية والأسرية على قاعدة المساواة والمناصفة .
فجأة تعطل مسار الإصلاح والتغيير وتبخرت الآمال التي غذّتها حركة 20 فبراير مع تصدّر حزب العدالة والتنمية لنتائج الانتخابات ورئاسته للحكومة وهو الحزب الذي يناهض حقوق الإنسان ويعادي حقوق النساء ويرفض القيم الديمقراطية ويتشبث بتطبيق أحكام الشريعة ويحرّم الفنون والإبداع ويحارب التعددية الثقافية والدينية . فالبيجيدي عطّل الدستور وأفرغ بنوده من جدواها وجاء بتشريعات لا تختلف عن تشريعات داعش وطالبان في التحريض وشرعنة قتل النساء ، فضلا عن انقلابه على الحقوق الأممية للطفل التي صادق عليها المغرب ليعوضها بحقوق الطفل في الإسلام التي تجرد الأطفال من كل حقوقهم وتستبيح أجسادهم ، دون الحديث عن حماية ناهبي المال العام والعفو عنهم بقرار “عفا الله عما سلف”، وكذا إقبار ملفات الفساد والنهب التي أنجزها المجلس الأعلى للحسابات.
كل ما حرثته حركة 20 فبراير دكّته حين استهانت بتهديدات البيجيدي للمسار الديمقراطي ومخاطر مشروعه السياسي والمجتمعي على الحقوق والحريات وعلى الديمقراطية والمكتسبات السياسية والاجتماعية التي حققتها نضالات الشعب المغربي بمكوناته الحزبية والمدنية والنقابية والنسائية ؛ دكّته أساسا حين قاطع أغلب نشطائها العمليات الانتخابية بدءا بالتسجيل في اللوائح الانتخابية وانتهاء بالمشاركة المكثفة في التصويت لحماية مسلسل الإصلاح والتغيير من أية انتكاسة .
فالتغيير والإصلاح لا يتحققان بالشعارات والمسيرات والمظاهرات فقط ، بل لا بد من تكريسهما وحمايتهما عبر المشاركة الفعلية والواعية في المسلسل الانتخابي.
واضح إذن ، أن حركة 20 فبراير رفعت الشعارات التي لم تستطع الدفاع عنها ، فكانت النتيجة الكوارث التي جناها حزب العدالة والتنمية على الشعب والوطن . ومن ثم يصدق عليها المثل الشعبي “لي حرثو الجمل دكّو”.