بَلْطَجَة عبد الإله بنكيران
سياسي/ سعيد الكحل
يعرف المجتمع المغربي نقاشا عموميا حول مسألة تقنين استعمال نبتة القنب الهندي “الكيف” للاستعمالات الطبية والتجميلية .
وارتبط النقاش العلني الذي أخرج الموضوع من السرية وكسّر الطابوهات حوله بالندوة البرلمانية التي نظمها حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2013 في موضوع تقنين زراعة الكيف .
كانت الأمور ستسير بشكل عادي وتسمح للفرق البرلمانية بتقديم مقترحاتها بما يمكّن الدولة من مراقبة زراعة هذه النبتة وتسويقها بعد أن فشلت المقاربة الأمنية في القضاء على هذا النشاط الزراعي الذي يغطي مساحة 47 ألف هكتار على الأقل حسب التقرير السنوي للمكتب الأمريكي الخاص بتتبع ومكافحة المخدرات ، لو لم يكن حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة .
فهذا الحزب اعتاد ، منذ نشأته ، على معاكسة القضايا الجوهرية للشعب المغربي والإصرار على مقاومة التغيير والإصلاح ، سواء في الدستور أو المنظومة القانونية والتربوية .
فالرأي العام الوطني تابَع ويتابع مواقف هذا الحزب وتصريحات قادته منذ مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية الذي عارضه بكل شراسة حتى يُبقي على المرأة في وضع “الجارية” أو القاصر مجردة من كل الحقوق حتى في الولاية على نفسها .
وكذلك فعل حين تشكيل لجنة تعديل الدستور ، بحيث كان هدفه نزع الصفة المدنية عن الدولة المغربية وإقامة دولة دينية تطبق حدود قطع الأيدي ورجم الزناة وجلد شاربي الخمر وقتل تاركي الصلاة .
ولا غرابة أن يواصل حزب العدالة والتنمية مناهضته للمطالب النسائية والهيآت الحقوقية والأحزاب الوطنية والديمقراطية بضرورة تعديل مدونة الأسرة حتى تكون منسجمة مع الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ؛ إذ لازال الحزب متشبثا بالإبقاء على تزويج القاصرات ورفض تجريمه كما تطالب الهيآت النسائية ، وكذا الرفض المستميت لمطالب إلحاق الطفل بأبيه البيولوجي ، أو رفع التجريم عن الإجهاض الإرادي بالرغم من المآسي الاجتماعية والنفسية المترتبة عن التجريم .
لقد تخصص حزب العدالة والتنمية في التصدي لكل المبادرات التي تروم التخفيف عن الناس وتيسير أمورهم الحياتية .
فحتى المبادرة الملكية المتمثلة في برنامج “انطلاقة” لدعم المقاولين الشباب ، سخّر البيجيدي أعضاءه من خارج الحكومة لتحريم القروض بأدنى الفوائد التي خصصها البرنامج لفائدة الشباب .
مناهضة مصالح المواطنين التي درج عليها البيجيدي لم تقتصر على مدونة الأسرة أو القانون الجنائي أو الدستور أو القروض لفائدة الشباب ، بل شملت مجالات كثيرة ومناحي عديدة من حياة المواطنين ومستقبل أبنائهم مثل مناهضته الشرسة لفرنسة المواد العلمية بالتعليم العمومي وإصراره على الاستمرار في تعريبها رغم الفشل الذريع الذي أقرت به الدولة نفسها ، أو حين يتعلق الأمر بمعيشهم اليومي كما يجري حاليا من رفض قاطع لمشروع قانون يروم تقنين زراعة نبتة القنب الهندي الذي تقدم به كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال . وهي المناسبة التي يتركها حزب العادلة والتنمية لأمينه العام السابق بنكيران ليمارس “بلطجته” على الدولة وابتزازه لها .
فالبيجيدي ، وعلى مدى تسع سنوات من رئاسته للحكومة وهو يصم آذانه إزاء مطالب فئات واسعة من سكان شمال المغرب وكثير من الهيآت المدنية والحزبية بسن قانون يسمح بزراعة وتصنيع وتسويق هذه النبتة ومستخلصاتها لفائدة الصناعات الطبية والتجميلية .
طبعا لن يسمح رئيس الحكومة السيد العثماني لنفسه أن يعلن عن رفضه لهذا التقنين ، ولكن يستطيع عرقلة صدور التشريعات ، بينما ترك مهمة “البلطجة” لزميله بنكيران الذي لا يتقيّد بأية مسؤولية رسمية في الدولة .
فخرجة بنكيران الأخيرة التي يهدد فيها رئيسَ الحكومة وبرلمانيي حزبه بتجميد العضوية أو الانسحاب من الحزب في حالة تبنت الحكومة مشروع قانون تقنين “الكيف” أو صوت لفائدته برلمانيو البيجيدي ، ليست الغاية منها فقط عرقلة تمرير المشروع ، ولكن أيضا الدفع بالحزب إلى لعب أدوار أكثر منه ، أي أن يجعل منه هيأة لا تخضع للقوانين ولا تنضبط للدستور . فبنكيران يعلم جيدا أن حزبه لا يتوفر على الأغلبية المطلقة في البرلمان تسمح له بالوقوف ضد مشروع القانون ، إلا أنه يفضل ممارسة “البلطجة” ضد الدولة والأحزاب بغرض تحقيق هدفين رئيسيين هما :
1 ــ تهديد الدولة وابتزازها : إذ دأب الحزب على هذا النهج عقودا فأفقد المغاربةَ مكاسب عديدة وعطل عمليتي الإصلاح والتغيير .
فالبيجيدي استغل حركة 20 فبراير أبشع استغلال لفرض عدد من توجهاته النكوصية على الدولة ، وظل ولا يزال يلوّح بفزاعة الحركة عند كل فرصة يخشى ضياعها ، وكانت آخر تلويحاته بها خلال مشاركته في لقاء دولي نظمه المجلس العربي حول “مآلات الربيع العربي” حيث قال مهددا ومحذرا بأن “الربيع ما يزال مستمرا هذا هو المهم”.
2 ــ الاستغلال السياسوي لموقف الرفض بغرض الترويج له في الحملة الانتخابية المقبلة وكسب التعاطف والأصوات الانتخابية للفئات التي تنخدع لخطاب البيجيدي ومزاعمه بالدفاع عن القيم والأخلاق والهوية للشعب المغربي . فبنكيران، الذي قاد الحكومة لمدة خمس سنوات دون أن يحقق مكسبا واحدا للشعب المغربي ، بل أجهز على عدد مهم من المكتسبات ، لم يجد ما يقدمه للمغاربة سوى التظاهر بالدفاع عن الدين وعن الهوية، متجاهلا كلية حقيقتين جوهريتين:
الأولى: أن زراعة الكيف كانت مقننة في المغرب وأطرها الظهير الشريف الصادر في 6 فبراير 1917 والمنشور بالجريدة الرسمية بالمنطقة الخليفية رقم 5 بتاريخ 10 مارس 1917 (ص 205) وتم تعديله في 22 غشت 1935 تحت رقم 31-24 الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 22 غشت 1935. ومن ثم فإن تقنين زراعة الكيف ليست جديدة على المغاربة ولم تشكل أي تهديد لهويتهم .
الثانية :أن الأوضاع الاجتماعية والأسرية والاقتصادية الهشة لساكنة الريف ، حيث يوجد عشرات الآلاف من الآباء في حالة فرار بسبب المتابعات القضائية في حقهم على خلفية زراعة الكيف ، تقتضي من الحكومة والأحزاب إيجاد حلول دائمة تعيد الاطمئنان لساكنة الريف وتحميها من أي استغلال أو اضطهاد أو ابتزاز.
إنها بَلْطجة سافرة من بنكيران يريد بها التحكم في الدولة وإخضاعها لرغبات حزبه ، بحيث لا تهمه الأوضاع المعيشية ولا الاجتماعية الهشة لساكنة الريف ، كما لا يكترث لنتائج الدراسات والأبحاث العلمية التي أجريت على نبتة الكيف ومنافعها الطبية في علاج كثير من الأمراض العقلية والعصبية والنفسية (استخدامه كمضاد للالتهاب، ومنع نمو خلايا السرطان والأوعية الدموية التي تغذي الأورام، ومكافحة الفيروسات، وتخفيف تشنجات العضلات الناجمة عن مرض التصلب المتعدد)، بالإضافة إلى الاستعمالات الصناعية والتجميلية .
أكيد لن تهتم الدولة المغربية ببلطجة بنكيران ولا بتهديدات البيجيدي ، ولم تكن بحاجة إلى استشارتهما قبل التصويت لصالح إدراج نبتة الكيف كمكوّن علاجي طبي خلال اجتماع لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة.
فالمغرب ليس هو تونس التي يستعرض فيها راشد الغنوشي عضلات حركة النهضة ضد الرئيس قيس سعيد .