ابن كيران نموذج للغرور والعجرفة !
سيظل اسم عبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وأول رئيس للحكومة بعد إقرار دستور 2011 في سياق ما سمي ب”الربيع العربي”، يتردد بين الألسنة لسنوات في مجالسهم، ليس باعتباره رجل دين وسياسة استطاع قيادة حزبه إلى تصدر نتائج الانتخابات التشريعية واحتلال المراتب الأولى في الانتخابات الجماعية والجهوية خلال نونبر 2011 وأكتوبر 2016، وإنما لكونه يشكل ظاهرة صوتية بامتياز، مغرور ومتعجرف، وأقرب ما يكون إلى التهور والتهريج منه إلى التعقل والهدوء…
ولأنه استطاب دفء “الكرسي” وتبعاته، ولشعوره بالخذلان من قبل إخوانه الذين رفضوا التمديد له لولاية ثالثة في الأمانة العامة، وتنكر الدولة لما أسداه لها من خدمات ضد الشعب ولم يسبقه إليها، كإلغاء صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات، إصلاح صندوق التقاعد على حساب الموظفين والأجراء، تقييد الإضراب بالاقتطاع من أجور المضربين، فرض التعاقد على الشباب بدل التشغيل في الوظيفة العمومية.
ولأنه لا يقبل بغير الزعامة، فإنه فكر ودبر وتبين له أن الحل السحري في استرجاع مجده الضائع، يكمن في تأسيس حزب جديد معارض، تكون له فيه الكلمة وحده دون سواه.
بيد أنه سرعان ما تراجع عن الفكرة على إثر تدخل ملك البلاد محمد السادس الذي بعث إليه مستشاره فؤاد عالي الهمة، يخبره من خلاله بعطفه والتكفل بحل وضعيته المادية، عندما تناهى إلى علمه خبر “إفلاسه” المادي، ونيته في الاشتغال سائقا بسيارة أجرة أو أي شيء آخر رفضا للعيش عالة على زوجته.
ومن ثم جاء المعاش الاستثنائي البالغ قدره الشهري سبعون ألف درهم، فضلا عن استفادته من سيارة مصفحة وحراسة أمنية خاصة…
إذ في الوقت الذي ظن فيه البعض أن ما حظي به الرجل من معاش سمين لم يكن يحلم به حتى أكبر المتفائلين ممن سبقوه، سيكون بلا شك نهاية لاندفاعه وسجالاته، ويخمد نيران الحنق ورغبة الانتقام الملتهبة في صدره. وأن انشغاله بالجنائز وإلقاء خطب المواعظ فيها، سيفسح المجال أمام غريمه السياسي وخلفه للاشتغال بأريحية ودون تشويش، فإذا بالحنين يشده ثانية إلى الزعامة “المغتصبة”، ويعود إلى إثارة زوابعه الهوجاء وإشعال فتائل المعارك السياسوية لمحاولة نسف الحكومة.
ولم تأت انطلاقة البحث عن المجد المفقود وفك العزلة عنه، برفض مشروع قانون تقنين زراعة نبتة القنب الهندي للاستعملات الطبية والصناعية، الذي اعتبره “دمارا للأمة بكاملها وخطرا لفكر انفصالي”، وهدد بالاستقالة من الحزب في حالة تصويت فريق المصباح لفائدته بالبرلمان، قبل أن يعود للإعلان عن تجميد عضويته في الحزب بعد تمرير القانون في أشغال المجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 11 مارس 2021 واتخاذ قرار بقطع علاقاته مع الأمين العام للحزب وأربعة قياديين آخرين، أحدهم وزير سابق فيما الثلاثة الأخرين وزراء حاليين..
فقد جرب قبل ذلك جلب الأنظار إليه عبر لعب دور الوساطة بين خلفه وقواعد الحزب الغاضبة من توقيعه على اتفاقية “التطبيع” مع إسرائيل، لبعث رسائل مشفرة إلى من يهمهم الأمر وتذكيرهم بأنه مازال قادرا على التحكم في دواليب الحزب وأن كلمته مسموعة وأوامره مطاعة. وهو ما أثار عدة ردور فعل ساخرة على صفحات التواصل الاجتماعي، واعتبره الكثيرون مجرد تصفية حسابات شخصية مع تيار الاستوزار، الذي أدار له ظهره إبان إقالته من تشكيل حكومته الثانية…
واعتبارا لخرجاته الإعلامية واستفزازاته المتوالية، ولما يتصف به من تكبر واحتقار للآخرين، يرى بعض الملاحظين أنه مصاب بالعجرفة والغرور، حيث أن الفشل الأخلاقي والفكري في مجال السياسة تحديدا، يعد من أبرز مظاهر العجرفة التي لا تختلف كثيرا في مفهومها عن الغرور، فطالما يبدي المغرور شعورا بالأهمية والتفوق بمزيج من الدهاء، يتصرف باستعلاء، يتعصب لأفكاره ويتجاهل أفكار غيره. وتلتقي العجرفة بالغرور في الشعور بالرضا عن النفس والانتصار على الآخرين.
وقد سبق لخلفه العثماني أن وجه له في هذا الصدد انتقادات حادة في مؤتمر لمنظمة “التجديد الطلابي”، حيث قال: “لا يظن أي طرف أنه لوحده مضوي البلاد… وأن سياسة الغرور تؤذي بالإنسان، فنحن نحتاج إلى الحكمة وبعد النظر”
فمن مظاهر التشبث المفرط بالزعامة، يمكن استحضار بعض الصور ذات الصلة بما يعانيه الرجل من اضطرابات نفسية، مثل هجومه على برلمانيي الحزب وأمانته العامة بعد التصويت الإيجابي على القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بفرنسة المواد العلمية، متهما رئيس الحكومة باقتراف “خطأ جسيم” و”خطيئة كبرى” يفقدانه مشروعية الاستمرار في الحكومة، ومدعيا أنه لا يشرفه التنازل عن استعمال اللغة العربية لفائدة لغة المستعمر….
كما لم يفته إبداء غضبه من تصريحات الرئيس الفرنسي “مانويل ماكرون” المهينة للإسلام والمسلمين في حفل تأبين المعلم الذي قطع رأسه بسبب عرضه رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول الكريم على تلامذته، مما أثار موجة عارمة من السخط وإطلاق دعوات عاجلة بمقاطعة المنتجات الفرنسية.
إذ سارع ابن كيران إلى استغلال الحدث ومؤاخذة الرئيس الفرنسي بالقول: “أنا دعوته للاعتدال وتقديم الاعتذار للمسلمين، وإلا فإننا سنسير في اتجاه آخر…” فمن يعتقد نفسه لمخاطبة رؤساء دول بهذا التعالي في حين أن هناك عدة أساليب وقنوات للإدلاء بالرأي ؟
إن الحديث عن ابن كيران ليس سوى مضيعة للوقت، لأننا كنا نتمنى صادقين أن يعود إلى جادة الصواب ويعتذر لأبناء الشعب عما ارتكبه في حقهم من أخطاء ومجازر، بسبب سوء التدبير وقراراته الجائرة وخياراته الفاشلة، وأن يكون ولو مرة واحدة مثالا للشهامة وحب الوطن ونكران الذات، لكن فاقد الشيء لا يعطيه.
اسماعيل الحلوتي