النزوح الكبير إلى سبتة المحتلة !
في سابقة تعد هي الأولى من نوعها في تاريخ الهجرة غير الشرعية بالمغرب، اهتز على حين غرة الرأي العام الوطني والدولي صباح يوم الاثنين 17 ماي 2021 على إثر ما تناقلته وسائل الإعلام من أخبار حول زحف ما لا يقل عن ثمانية آلاف شخص من بينهم 1500 قاصر مغربي نحو مدينة سبتة المحتلة، وذلك عبر البحر سباحة وعلى متن قوارب مطاطية ومن البر أيضا سيرا على الأقدام.
حيث استيقظت المدينة الخاضعة للإدارة الإسبانية صباح ذلك اليوم على وقع حركة غير طبيعية لمئات النازحين رجالا ونساء، صغارا وكبارا من المهاجرين غير الشرعيين، مغاربة وأفارقة من دول جنوب الصحراء، الذين اجتازوا بقوة السياج الحدودي الفاصل بين مدينتي سبتة والفنيدق، وفق ما هو موثق في مجموعة من الأشرطة المصورة، التي تم تداولها بين المغاربة على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي …
وهو الخبر الحارق الذي طفا على سطح الأحداث في خضم توتر العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ومدريد، والهجمة المسعورة التي تخوضها وسائل الإعلام والأوساط المعادية لمصالح بلادنا بإيعاز من الحكومة الإسبانية الحالية.
والذي غطى إلى حد ما على العدوان الصهيوني الغاشم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني الأعزل داخل أراضيه المحتلة من جهة، وأثار من جهة أخرى الكثير من ردود الفعل المتباينة حول التدفق البشري الهائل وغير المعهود، الذي جاء مباشرة بعد مرور زهاء ثلاثة أسابيع فقط عن تلك الواقعة التي سبق أن كشف عنها رواد الفضاء الأزرق في مقاطع فيديو، تظهر كيف أن مجموعة من الشبان المغاربة عبروا عوما إلى مدينة سبتة انطلاقا من شاطئ مدينة الفنيدق، والتي لقي خلالها شخصان منهم مصرعهم غرقا في مياه البحر.
إذ في الوقت الذي استنكرت فيه بشدة جمعيات حقوقية تلك الاعتداءات الوحشية، التي مورست على أطفال مغاربة من ضحايا الهجرة السرية داخل مراكز إيواء القاصرين على أيدي بعض أفراد الأمن الإسباني، كما يشهد بذلك شريط فيديو انتشر كالنار في الهشيم على صفحات التواصل الاجتماعي، وشجبت بقوة المعاملات اللا إنسانية المتعارضة مع جميع القوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق المهاجرين وحقوق الأطفال تحديدا، مطالبة بضرورة التعجيل بفتح تحقيق نزيه حول تلك التجاوزات، الكشف عن المتورطين ومحاسبتهم، والحرص على وضع حد نهائي لمثل هذه الانتهاكات الجسيمة والميز العنصري.
يرى بعض المهتمين بالشأن العام أن الحادث لا يعدو أن يكون رد فعل متسرع وغير محسوب العواقب من قبل السلطات العمومية في مواجهة ما أقدمت عليه الجارة الإيبيرية من تصرف أرعن، باستقبالها المجرم ابراهيم غالي زعيم عصابات البوليساريو الانفصالية بهوية مزورة تحت اسم مستعار “محمد بن بطوش”، دون أدنى تنسيق مسبق مع المغرب الذي يعتبر شريكا اقتصاديا واستراتيجيا، متذرعة بالقول: “إن الاستضافة تمت لاعتبارات إنسانية صرفة قصد علاج طبي عاجل”، رغم أنها تعلم بأنه متهم باقتراف عدة جرائم شنيعة وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ضاربة عرض الحائط بعلاقات حسن الجوار والتعاون والتاريخ الرابط بين البلدين الصديقين على مدى عقود من الزمن. فعن أي “اعتبارات إنسانية” تتحدث الحكومة الإسبانية وقد سجلت عديد المنظمات الحقوقية بامتعاض شديد حجم العنف الذي قابل به الحرس المدني وجيشها “الباسل” أعدادا من المهاجرين المغاربة والأفارقة، مستخدمين في ذلك الهراوات والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي تحت عدسات المصورين وكاميرات التلفيزيون؟
فيما سارعت جهات أخرى إلى اتهام حكومة العثماني بالتقصير وسوء التدبير، محملة إياها كامل المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع من ترد، بسبب عدم إيلائها المناطق الحدودية وغيرها العناية اللازمة، من حيث التنمية الضرورية وتحسين ظروف عيش الساكنة، معتبرة أن الحادث ليس فقط مأساة اجتماعية مرفوضة، تتمثل في إقدام آلاف الشبان والأطفال على الهروب من بلدهم والمجازفة بأرواحهم والتضحية بدراستهم، بل هو أيضا وصمة عار في جبين مغرب القرن الواحد والعشرين، إذ كشف عن التدبير السيء للشأن العام والمحلي وفشل السياسات العمومية، التي أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر والأمية والهشاشة والهدر المدرسي والبطالة، واتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية في غياب الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة…
إن النزوح الجماعي الكبير الذي عرفته مدينة سبتة السليبة مباشرة بعد عيد الفطر سواء كان مقصودا من قبل السلطات المغربية، من خلال تخفيف الرقابة الحدودية وإبداء عدم رغبتها في مواصلة لعب دور الدركي في المنطقة دون أن تحظى بالدعم الكافي والاحترام والتعاون المتبادلين، أو جاء في ظروف خارجة عن إرادتها، فإنه فتح عيونها عن مجموعة من الحقائق التي لا يمكن التغاضي عنها، ومنها ازدواجية المواقف لدى الجارة الإيبيرية وتآمرها مع أعداء وخصوم المغرب ضد مصالحه، وإماطة اللثام عن الكثير من الوجوه البشعة التي تكن للمغرب وعاهله المفدى حقدا دفينا.
كما أنه كشف عن تفشي البطالة وضعف التنمية ببلادنا، وخطورة تنامي ظاهرة الهجرة السرية. مما يستدعي التعجيل بالبحث عن حلول تنموية للمشاكل الاجتماعية المتراكمة، والتصدي لشبكات التهريب وتجارة البشر، وسن سياسات عمومية ترتكز على الاهتمام بالعنصر البشري، محاربة الفساد، الحد من نسب الفقر والهشاشة والهدر المدرسي… فهل يبادر أصحاب القرار إلى استخلاص العبر وإعادة النظر في علاقات المغرب مع الدول التي مازالت تنظر إليه نظرة احتقار واستصغار، وتكيل له اتهامات رخيصة ؟
اسماعيل الحلوتي