البرلمان الأوروبي بنظارات إسبانية !
سعيا منها إلى محاولة خلط الأوراق وطمس حقيقة تواطؤها مع خصوم المغرب لتقويض أراضيه، وتورطها في استضافة المجرم ابراهيم غالي زعيم ميليشيا البوليساريو الانفصالية المتهم بارتكابه عديد الجرائم ضد الإنسانية، لتلقي العلاج بهوية مزيفة في أحد مستشفياتها مما قيل عنه داء “كوفيد -19″، ضاربة عرض الحائط باتفاقية الشراكة والاحترام المتبادل.
لم تجد اسبانيا أمامها من وسيلة عدا إقحام البرلمان الأوروبي في لعبتها القذرة، مدعية ابتزاز المغرب لها عبر تساهله مع المهاجرين غير الشرعيين إثر تخفيف المراقبة على الحدود يومي 16/17 ماي 2021، مما سمح بتدفق آلاف المغاربة والأفارقة ومن ضمنهم حوالي 1500 مغربي من القاصرين على جيب سبتة الخاضع للإدارة الإسبانية.
ومما يؤسف له حقا أنه رغم علم البرلمان الأوروبي بإصدار العاهل المغربي محمد السادس أمرا بتسوية وضعية القصر غير المصحوبين بذويهم في فاتح يونيو 2021 الذي صادف مثول المجرم “غالي” أمام القضاء الإسباني عن بعد. ويعرف جيدا أن أصل الأزمة السياسية بين اسبانيا والمغرب يكمن في النزاع المفتعل حول الصحراء، إذ سبق لإسبانيا أن كشفت إلى جانب ألمانيا عن موقفها المعارض لاعتراف الولايات المتحدة الأمريكية في شخص رئيسها السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء في 10 دجنبر 2020.
وأن ما زاد الأمر وضوحا هو ما اشتهر إعلاميا بقضية “غالي غيت” أو فضيحة “محمد بن بطوش”، إذ كيف لبلد ما انفك يتبجح بالديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، أن يستقبل على أرضه مجرم حرب بأوراق مزيفة تحت يافطة “أسباب إنسانية”، وأن تقف محكمته العليا عاجزة عن احتجازه وإنصاف ضحاياه حتى من الحاملين للجنسية الإسبانية؟
فإنه أبى إلا أن ينظر للأزمة من زاوية ضيقة وبنظارات إسبانية الصنع، حيث صوت 397 نائبا على قرار ينتصر لإسبانيا في خلافها مع المغرب يوم 10 يونيو 2021، رافضا ما أسماه “استخدام الرباط ورقة المهاجرين السريين القاصرين غير المرافقين بعائلاتهم، كآلية للضغط على مدريد”، فيما عارضه 85 نائبا وامتنع عن التصويت 196 آخر.
وهو قرار لم يباغت المغرب بحيث أن المفوضية الأوروبية كانت أعلنت من قبل عن رفض الاتحاد الأوروبي الخنوع لأي إملاءات أو ضغوطات خارجية، ولن يسمح بترهيب الدول المنضوية تحت لوائه.
وجدير بالذكر أن مشروع القرار جاء باقتراح من الحزب الإسباني الكتالوني “اسيودادانوس” الذي يدافع عن الوحدة الإسبانية وتقوية الاتحاد الأوروبي، وأنه حتى وإن كان لا يرقى إلى مستوى الإدانة، وأن ما يتضمنه من إجراءات لا تلزم بقية مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فإنه مع ذلك يحمل المغرب مسؤولية “مخاطرة القصر غير المرافقين بأرواحهم أثناء لحظة العبور إلى سبتة، ويؤكد على موقف الاتحاد الأوروبي الداعم لجهود الأمم المتحدة في قيادتها للعملية السياسية بشأن الصحراء “الغربية”، كما أنه يشدد على ضرورة احترام وحدة الاتحاد وعدم التسامح مع نسف السياسة الإقليمية للدول الأعضاء.
وإذا كانت إسبانيا قد تمكنت بدهائها المعهود من جر البرلمان الأوروبي إلى صفها وانتزاع مثل هذا القرار غير المنصف، فإن المغرب لم يتأخر في الرد، بالإعلان عن رفضه الاستمرار تحت الوصاية، مشددا في بيان وزارة الخارجية الصادر يوم 11 يونيو 2021 على أن الأزمة ذات طابع ثنائي بين المغرب وإسبانيا، وتعود جذورها إلى عدة أحداث وتراكمات من الجانب الإسباني، ساهمت بشدة في تكريس أجواء عدم الثقة.
وأن توظيف البرلمان الأوروبي وما صدر عنه من قرار جائر لن يغير شيئا من الطابع السياسي للأزمة، بقدر ما سيؤدي إلى تعميق الخلاف وتفاقم التوتر، حيث أن ما قامت به اسبانيا لا يعدو أن يكون مناورة تهدف إلى تحويل النقاش عن عمق المشكل، دون أن تستطيع حجب حقيقة السجل النموذجي لتعاون المغرب المستمر مع الاتحاد الأوروبي في مكافحة الهجرة غير الشرعية وروح الشراكة بينهما.
فإن الأمر تجاوز رفض الخارجية المغربية قرار البرلمان الأوروبي واستنكاره من لدن مجلس النواب، الذي اعتبره مجرد خديعة أخرى أرادت بواسطتها إسبانيا إضفاء الطابع الأوروبي على أزمتها مع المغرب.
إذ دخل على الخط مجلس التعاون الخليجي الذي عبر عن دعمه الكامل للمغرب، وتلاهما البرلمانان العربي والإفريقي اللذان سارعا إلى الإفصاح عن تضامنهما معه، حيث دعا الأول إلى عقد جلسة طارئة بالقاهرة يوم 26 يونيو 2021 لمدارسة القرار، رافضا اتهام المغرب باستخدام ملف هجرة القاصرين، وإصرار البرلمان الأوروبي الدائم على التمادي في مواقفه الاستفزازية حيال القضايا العربية. فيما لجأ الثاني إلى تذكير نظيره الأوروبي بأهمية الاحترام اللازم والحازم لما تعهد به البرلمانان من التزامات في اجتماع قمة رؤساء دول وحكومات الاتحادين الإفريقي والأوروبي المنعقد بأبيدجان عام 2017، داعيا إلى التحلي بالحكمة واعتماد الوسائل الدبلوماسية في حل المشاكل بين البلدين، بعيدا عن التدخلات الي من شأنها إثارة الحساسيات والدفع نحو تعقيد الأمور.
إن ما يجهله الكثيرون من أعداء المغرب وخصوم وحدته الترابية، هو أن مغرب اليوم لم يعد كما كان بالأمس من حيث خضوعه للإملاءات والابتزازات، فهو اليوم بفضل السياسة الرشيدة لقائده الملهم الملك محمد السادس، يشق طريقه بثبات نحو المزيد من المبادرات الرائدة والإنجازات غير المسبوقة، وعازم على تنزيل النموذج التنموي الجديد، الذي سيشكل بكل تأكيد رافعة أساسية لدعم المؤهلات الطبيعية والبشرية بمختلف الأقاليم، خاصة أنه يستلهم توجهاته الكبرى من ورش الجهوية المتقدمة، الخيار الاستراتيجي المتناغم مع حل الحكم الذاتي في اتجاه الطي النهائي لملف الصحراء، للرد على أطروحة الانفصاليين وإبطال مؤامراتهم ومن يسخرونهم ويدعمونهم بالمال والعتاد.
اسماعيل الحلوتي