ادخال الدين في السياسة يضر بالسياسة وبالدين معا
عبد السلام ألمساوي
في ظروف تاريخية عسيرة شجعت الدولة ” الإسلام السياسي ” في لبوسه الدعوي والحزبي ، ووفرت له شروط الاشتغال والانتشار بهدف مواجهة اليسار الديموقراطي …واستغل الإسلاميون هذا التشجيع” للتسرطن ” في المجتمع …وستتنبه الدولة الى خطر هؤلاء مع أحداث الدار البيضاء المؤلمة في 16 ماي 2003 ; فتبين لها انها تحصد ما زرعت …ان اليسار كان يؤطر الجماهير لتفجر حناجرها في التظاهرات الاحتجاجية ، اما الإسلاميون فيدجنون هذه الجماهير لتفجر اجسادها …
لقد تبين ان الاسلاميين تيار يسكن في المغرب لكنه يقيم روحيا في جغرافيا مفترضة هي إقامة الدولة الدينية في المغرب ، أي الطريق إلى اخونة العالم .
واذا كانت حركة التوحيد والإصلاح تقدم نفسها باعتبارها ثمرة اجتهادات الحركة الاسلامية المغربية ، ونتيجة التجاوب بين اجتهادات الاسلاميين المغاربة واخوانهم في الشرق ، وبرغم ذلك فإنها تؤكد على ” مسافة تنظيمية من حركة الاخوان المسلمين ” ، وكذلك على مسافة من بعض اجتهادات هذه الحركة .
اذا ما دققنا النظر في هذا القول على ضوء تاريخ الكيانين وهيكلتهما التنظيمية ، وكذلك على ضوء تقييم فترة ممارستها للحكم من خلال حزب العدالة والتنمية في المغرب ( نونبر 2012 الى الان ) وحزب الحرية والعدالة في مصر ( يونيو 2012 الى الى يوليوز 2013 ) ، فسنجد أن هناك تماثلا بين الكيانين لا يخرج عن الإطار العام الذي رسمه حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في الثلث الأول من القرن العشرين .
اعتنق العدالة والتنمية ، منذ نيله الشرعية وانخراطه في العمل السياسي داخل المؤسسات بفضل الراحل عبد الكريم الخطيب ، وبفضل الراحل الآخر ادريس البصري ، شعار الجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا وشعار كل الشعبويين في العالم كله ” كلهم فاسدون ” او ” Tous pourris ” وظل يقول لقواعده والمتعاطفين معه ان كل الاحزاب المغربية الأخرى مليئة بالمنافقين واللصوص والفاسدين والذين يملؤون بطونهم بمال الفقراء ، والذين لا يراعون الله ولا يريدون دخول الجنة ابدا ولا يكترثون بالشعب المغربي اطلاقا .
دخل الحزب معمعة العمل الحكومي والبرلماني ، وشرع في اكتشاف ملذات الحياة ، وفجأة وجد المغاربة انفسهم امام زعيمه بنكيران وهو يمتشق المعاش تلو المعاش ، ويرفض التخلي عن المناصب الدنيوية الزائلة ، أو التي كان يصفها بأنها زائلة ، ويجلس في الدار يراقب الفيسبوك ولايفاته ، ويطلق من خلاله رصاص الرحمة على نفسه اولا ، وعلى حزبه ثانيا ، وعلى عديد الشعارات التي أمطر بها الناس هو ورفاقه ، أو لنقل اخوانه ، في الحزب سابقا على امتداد عديد السنوات .
امنة ماء العينين لم تزل السترة عن رأسها فقط في باريس ذات نزوة ليست عابرة .
آمنة ماء العينين عرت رأس العدالة والتنمية ، وقالت لنا جميعا بصريح العبارة ان السياسة سياسة وان الدين دين ، وأن الجمع بينهما لأجل نيل المناصب البرلمانية او الوزارية عيب كبير وخطير…الاسلاميون لن ينجحوا لسبب بسيط جدا ، وهو أن هناك تعارضا في المبدأ بين الدين والسياسة ، وهذا ما بينه المفكرون السياسيون ، قدماء ومحدثين ، منذ أقدم العهود ، فالسياسة تقوم على تدبير الممكن في العلاقات الإنسانية بين البشر بحسب ما هو متاح في هذا العالم ، في حين أن الدين هو مجال تدبير المطلق في العلاقات بين الانسان والهته في ما يتجاوز هذا العالم .
السياسةتهدف لتدبير شؤون الحياة ، في حين أن الدين يسعى للجواب عن أسئلة الموت .
مجال السياسة هو المصلحة التي تقاس كميا واستراتيجيا و ” فيزيقيا ” ، في حين أن مجال الدين هو الأخلاق والروحانيات التي تدرك ” ميتافيزيقا ” .
السياسة مجال تدبير الملموس والمجسد ، في حين أن الدين مجال تدبير الغيبي والمجرد …
لهذا فصل الفلاسفة بين الأمرين معتبرين أن الدين يدخل في إطار الاختيارات الشخصية للأفراد ، فلكل انسان الحق في أن يعتقد في ما يشاء بحسب ما يرتضيه تفكيره ووجدانه ، اما السياسة فتدخل في إطار العلاقات المشتركة في المجال العام والتي تنظم علاقاتنا في السوق والشارع والإدارة …وكل خلط بين المجالين يؤدي الى كوارث وحروب ومصائب ، بل ان ادخال الدين في السياسة يضر بالسياسة وبالدين معا …
الاسلاميون اذن ليس فقط لم ينجحوا بل لن ينجحوا , وأضرب لكم موعدا بعد ألف سنة لنتأكد.
طبعا هذه قناعتي انا ، وطبعا هناك أناس ( وهم الأغلبية ) لن يقتنعوا بهذا الكلام وسيرغبون في إعادة ( اختراع العجلة ) …سيبدو هذا لمن هو مثلي مضيعة للوقت واخلافا لموعد تاريخي حاسم ، بل سيبدو هنا تراجيديا ومحزنا ومؤسفا.
لكن التاريخ حزين ومؤسف بطبيعته ، وان كان هذا هو الثمن الواجب دفعه ( عقود كثيرة ضائعة وضحايا بمئات الآلاف ربما ) ..فلسنا نملك شيئا ، فالعالم والتاريخ لا يمشيان وفق ارادتنا نحن
ان الحزب المتاجر بديننا ، والذي يجد من بيننا للأسف الشديد من يصوت عليه ومن يلعب به لعبة المزايدة السياسية الرخيصة وجه لوباء اخر أخطر بكثير من كورونا يتهددنا منذ القديم …
لحسن الحظ _ إذا جاز استعمال عبارة حسن الحظ هنا _ ان هذا الوباء الخطير أرعب الناس فعلا .
لذلك انتبه الشعب هاته المرة الى خطورة ما يقوله هؤلاء المنافقون .
ولذلك فهم الناس هذه المرة ان هؤلاء يدافعون عن متاجرتهم بالدين ولا يدافعون عن الدين ، لأنهم يعلمون أن الناس إذا ما استيقظت وتعلمت واستوعبت حقيقة ما سيقع فلن تعطيهم اذنا واحدة ولا صوتا واحدا .
غدا أو بعد غد أو بعد أيام أو أسابيع أوأشهر سننسى أمر الوباء وستعود الينا هاته الأوبئة المتلفعة زورا وبهتانا في لباس الدين لكي تقصفنا بالمزيد من بذاءاتها و رداءاتها وخرافاتها…
علينا ان نستفيد من المرض الذي يعبر العالم اليوم ، ومثلما تعلمنا جميعا أن النظافة مهمة لقتل أي وباء ، يجب ان نستوعب ان تنظيف عقولنا ضروري للقضاء على فيروس الخرافة والتخدير….