تسفيه الفعل الديموقراطي في بعده الانتخابي
عبد السلام المساوي
1_حين يهرب منتخبون تحملوا المسؤولية في جماعة ما إلى جماعة أخرى ، أو من دائرة تشريعية في جهة ما إلى أخرى تبعد بعشرات الكيلومترات ، مثلما فعل حزب العدالة والتنمية ، هنا تتحول الانتخابات الى مهزلة أخلاقية .
ان قبول اختيار برلمانيين ورؤساء جماعات وعمداء مدن ، دوائر جديدة غير تلك التي نجحوا فيها في الانتخابات السابقة ، لا يحمل أي اسم آخر غير الضحك على الذقون ، وتسفيه الفعل الديموقراطي في بعده الانتخابي ، والمساهمة في الخلط .
فمن يقترف اليوم ، جريرة الهروب من المواجهة والمحاسبة لحظة الانتخابات ، لا يمكنه غدا أن يشكو هجر المواطنين للأحزاب .
فالأحزاب التي لا تحترم الناخبين غير جديرة بالاحترام بالمطلق .
2_ ان تدبير شؤون المواطنين وخدمة مصالحهم مسؤولية وطنية ، وأمانة جسيمة ، لا تقبل التهاون والتأخير ؛ ضمن نص خطاب وجهه جلالة الملك محمد السادس ، الى أعضاء البرلمان برسم افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية ، يوم الجمعة 14 اكتوبر 2016 , قال جلالته ” مع كامل الأسف ، يلاحظ ان البعض يستغلون التفويض الذي يمنحه لهم المواطن لتدبير الشأن العام في اعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية ، بدل خدمة المصلحة العامة ، وذلك لحسابات انتخابية ، وهم بذلك يتجاهلون أن المواطن هو الأهم في الانتخابات ، وليس المرشح او الحزب ، ويتنكرون لقيم العمل السياسي النبيل …
فاذا كانوا لا يريدون القيام بعملهم ولا يهتمون بقضاء مصالح المواطنين ، سواء على الصعيد المحلي او الجهوي ، وحتى الوطني ، فلماذا يتوجهون اذن الى العمل السياسي ؟ (….) ان الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي يجب ان يضع المواطن فوق أي اعتبار ، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له ، والتفاني في خدمته ، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية …”
من هنا فان الأحزاب مطالبة الان ، اليوم اكثر من أي وقت مضى ، بتحمل مسؤوليتها في انتاج البرامج الانتخابية القابلة للتحقق ، واختيار مرشحيها اعتمادا على مبدأ الكفاءة والفعالية ، مرشحين متشبعين بالروح الديموقراطية ومتخلصين من تأثيرات النزعة الشعبوية ، مترشحين يعتمدون اساليب ديموقراطية في التنافس لا الجوء الى المتاجرة بالدين واستعمال المال الحلال وغير الحلال ، مرشحين يصارحون الناخبين ويقيمون علاقات واضحة بين مختلف مكونات المؤسسة الجماعية ومحيطها الخارجي…
كما انه مطروح على الاحزاب تتبع أداء ممثليها داخل المؤسسات المنتخبة وتعميق التواصل مع الناخبين ، ولكن قبل هذا وذاك ، مطروح عليها ان تفكر وان تجتهد وتبدع الأساليب والخطط التي من شأنها ان تجعلها مؤهلة للتسيير والمسؤولية..
ان انجاز التنمية يقتضي انخراط الجميع ومساهمة كافة الأطراف ، من ادارات مركزية ولا مركزية ، وجهوية ومحلية ، وجماعات مختلفة ، وهيئات مهنية ، ومقاولات ومؤسسات جامعية ومجتمع مدني …يقول جلالة في خطاب ثورة الملك والشعب ، 20 غشت 2019 “واننا نتطلع ان يشكل النموذج التنموي ، في صيغته الجديدة ، قاعدة صلبة ، لانبثاق عقد اجتماعي جديد ، ينخرط فيه الجميع : الدولة ومؤسساتها ، والقوى الحية للأمة ، من قطاع خاص ، وهيئات سياسية ونقابية ، ومنظمات جمعوية ، وعموم المواطنين .
كما نريده ان يكون عماد المرحلة الجديدة ، التي حددنا معالمها في خطاب العرش الأخير ، مرحلة المسؤولية والاقلاع الشامل .”
زمن التسيب والنهب ولى ، زمن الخطب والشعارات الرنانة انتهى …انه زمن جديد وعهد جديد يعترف بالدراسة العلمية الموضوعية والعمل الميداني ، الكفاءة هي العنوان والنزاهة سيدة الميدان ….
ولكي ينطلق قطار التنمية ويتحرك بجميع عجلاته ، نحن في حاجة الى مفهوم جديد للمنتخب ، مفهوم يفرز شخصيات تستوعب المرحلة ، تقطع مع لغة الخشب وتعانق لغة الواقع ؛ مرة ومؤلمة بمشاكلها ، ولكنها جميلة بصراحتها وحقيقتها …
فلم يعد مسموحا ان يخلف المغاربة موعدهم مع التاريخ حيث يتطلع الجميع الى افراز مؤسسات منتخبة جديرة باحترام المواطنين ومتجاوبة مع تطلعات العهد الجديد .
وقد بلغنا ، كما يقول جلالة الملك في خطاب 20 غشت ” مرحلة لا تقبل التردد أو الأخطاء ، ويجب أن نصل فيها الى الحلول للمشاكل التي تعيق التنمية ببلادنا…
بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة الجمعة 12 أكتوبر 2018 ،كان خطاب جلالة الملك وهو يعلن باسمه الشخصي وباسم كل المغاربة في كل مكان من هاته الرقعة الجغرافية والتاريخية والحضارية التي تسمى المغرب الملل الجماعي والعياء التام والكامل من الانتهازيين ، ومن الذين يريدون من المغرب ان يعطيهم فقط ، ولا يريدون بالمقابل ان يعطوه شيئا .
المغرب ” يجب ان يكون بلدا للفرص ، لا بلدا للانتهازيين ، وأي مواطن ، كيفما كان ، ينبغي أن توفر له نفس الحظوظ ، لخدمة بلاده ، وأن يستفيد على قدم المساواة مع جميع المغاربة ، من خيراته ، ومن فرص النمو والارتقاء ” هكذا تحدث جلالة الملك ، وهكذا التقط المغاربة العبارة بكل الوضوح التام والكامل وفهموا المغزى منها والمراد من قولها وعرفوا ايضا المعنيين بها ….
المغرب ” يحتاج ، اليوم ، وأكثر من اي وقت مضى ، الى وطنيين حقيقيين ، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين ” هكذا شدد صاحب الجلالة على حاجة المغرب ايضا ” الى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات ” .
لذلك يبدو الرهان اليوم واضحا للغاية ، غير قادر على مداراة نفسه : هذا البلد محتاج للقادرين على الدفاع عنه ، المستعدين لبنائه وتنميته والصعود به ، المفتخرين بالانتساب إليه ، المصارحين بحقائقه كلها صعبها وسهلها ، حلوها ومرها ، لكن المنتمين له لا الى اي مكان اخر.
المغاربة الذين يقولونها بكل اللغات عن تبرمهم ومللهم من الانتهازيين والناهبين ، سمعوا ملك البلاد يقول بأن الحاجة ضرورية اليوم لكفاءات صادقة ومخلصة ….ان هذا الملك يريد العمل ، ويبحث عن الصادقين للعمل معه .
لا ننكر ان العثور على هؤلاء الصادقين هو عملة صعبة في زمننا هذا …ولكن نعرف ان المغرب هو بلد كفاءات ، وبلد شباب وبلد وطنيين مواطنين قادرين على ابداع كل الطرق والحلول للنهوض ببلادهم والسير معها جنبا الى جنب في كل مراحلها ، واساسا في مرحلتها الجديدة المقبلة .
ان قدر المغرب ليس ان يبقى رهينة الذين يقفلون على الكفاءات المخلصة والمحبة لوطنها منافذ الطموح والمسؤولية في بلادهم .
وهم من جعلوا اللانتخابات. وسيلة اغتناء عوض ان يجعلوها وسيلة خدمة للمواطنين والمواطنات .
وهم سبب حقيقي من اسباب بقاء المغاربة غير مستفيدين من كثير الاصلاحات التي وقعت في البلد ، رغم اهمية هاته الاصلاحات وثوريتها وعدم تحققها في بلدان أخرى ….
هناك اقتناع ، هناك توافق بين الملك وبين شعبه ؛ ان الحاجة ماسةالى الكفاءات الحقيقية الجديدة ، والطاقات المواطنة التي يمتلئ بها خزان هذا البلد حد الابهار .
وهذه المرة كانت واضحة اكثر من المرات السابقة ، وتقول باسم الشعب وباسم الملك معا ان الحاجة ماسة لضخ الدماء الجديدة في العروق ، التي لم تعد تستطيع الاشتغال بشكل سليم …ان المسالة تهم مستقبل بلد بأكمله .