اتصالات المغرب وأكل السحت !
بينما تسعى جل البلدان الديمقراطية العريقة في مختلف بقاع الأرض إلى محاولة إسعاد شعوبها، وتحرص على تعبئة كل طاقاتها ومضاعفة جهودها في خدمة المواطن وتوفير العيش الكريم له، والسهر على الارتقاء بجودة الخدمات سواء منها العمومية أو الخصوصية، تواصل بلدان العالم الثالث استفزازها لشعوبها والاستخفاف بمصالح أفراد مجتمعاتها، من خلال سوء الخدمات حتى المؤدى عنها واستنزاف الجيوب بشتى السبل والوسائل، في ظل تفشي الفساد ومختلف مظاهر الغش والتدليس، مما يتيح الفرصة لعديد المؤسسات والشركات بإقامة المشانق والمجازر لزبنائها دون حسيب ولا رقيب.
وتندرج في هذا الإطار شركة “اتصالات المغرب” التي تعد من بين أكبر الشركات التي لا تقيم وزنا للزبون أو تعيره اهتماما، بعد أن اطمأنت جيدا على وضعيتها المالية الجد مريحة، جراء ما باتت تحصده خلال هذه السنوات الأخيرة من أرباح خيالية، إثر التزايد اللافت لعدد المشتركين الجدد في الداخل والخارج، وإن لا ما كانت لتدير ظهرها للمتعاقدين معها من الزبناء في المغرب على جودة الخدمات، وتتملص من جميع المسؤوليات المنوطة بها، ضاربة عرض الحائط بمصالحهم بعد أن حصنت نفسها بسياج حديدي من عقود الإذعان، ولم تعد تكترث لتعدد الشكايات الكتابية والشفوية، وتصاعد موجة الاحتجاجات المنددة بغياب الجودة، وخاصة فيما يرتبط بخدمة الأنترنت، التي تشوبها مجموعة من الاختلالات: نقص في نسبة صبيب الأنترنت وتواصل فترات الانقطاع المتكررة والمسجلة حتى في المدن المركزية والاستراتيجية الكبرى من قبيل مدينة الدار البيضاء عاصمة المال والأعمال وغيرها من المدن الأخرى، بشكل يتعارض مع التزاماتها في كل مناطق المغرب…
فالمسؤولون في “اتصالات المغرب” يعرفون أكثر من غيرهم مدى الأهمية التي يكتسيها الأنترنت اليوم في حياة الإنسان عامة والمواطن المغربي خاصة، باعتبارها الشركة الأقدم في مجال الاتصالات بالمغرب، لاسيما أن المغرب شهد تطورا هاما في هذا المجال حيث أصبح يحتل المرتبة الثانية عربيا خلف مصر من حيث عدد المستخدمين للأنترنت. وهو واحد من أهم الاختراعات التي وصل إليها التقدم العلمي في أعقاب الثورة التكنولوجية، حتى أنه لم يعد هناك أحد يستطيع الاستغناء عن استعمال الانترنت أو يتصور العالم يسير بدونه ولو ليوم واحد فقط، وقد لاحظنا ذلك الزلزال القوي الذي أحدثه يوم الاثنين: 4 أكتوبر 2021 ذلك الانقطاع الواسع النطاق في مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”انستغرام” و”واتساب” لبضع ساعات قليلة فقط، والذي شمل عشرات الملايين من المستخدمين في بقاع الأرض، وما ترتب عنه من تعطيل الكثير من المصالح والأنشطة وأدى إلى خسارات مالية هائلة.
والانترنت وسيلة من بين أبرز الوسائل العلمية الحديثة التي يعتمدها الصغار كما الكبار في أنشطتهم وأشغالهم، سواء تعلق الأمر بالتسلية والترفيه أو الدراسة والعمل والتجارة وسواها، حيث تحول إلى حاجة أساسية في حياتنا اليومية كالطعام والشراب، ويساهم بقسط وافر في تعزيز عملية التعلم وتيسير الحصول على المعارف والمعلومات الغزيرة عن بعد، وسهولة في التواصل المباشر وغير المباشر مع الأهل والأصدقاء وغير ذلك كثير جدا…
بيد أنه ولتواصل مسلسل تدني مستوى الخدمات والمعاملات، طالما دعا نشطاء الفضاء الأزرق عبر صفحات التواصل الاجتماعي إلى الضغط على شركة “اتصالات المغرب”، التي لا تتأخر في تعليق الاشتراك على زبنائها عند التأخر في أداء فواتير الاستهلاك، من خلال العمل على مقاطعة جميع خدماتها أو رفض أداء “مستحقاتها”، من أجل إرغامها على إعادة النظر في أساليب تعاملها مع المستهلكين والتعجيل بتجويد منتوجها “البائر”، معبرين عن تذمرهم وحنقهم الشديدين من تملصها المستفز ومراوغاتها المكشوفة، والتمادي في استنزاف جيوب المواطنين وعدم التفاعل مع شكاياتهم والاستجابة لمطالبهم المشروعة والملحة، ناسية أنها بهكذا سلوك وسوء الخدمات، إنما تكون كمن يقوم بأكل السحت. وأكل السحت ليس سوى ذلك النوع من أكل الحرام وما خبث من المكاسب، ويطلق على كافة أشكال الكسب غير المشروع من ربا وسرقة وغش وتدليس ورشوة وفساد وغيره…
إن الاستمرار في الحديث عن الخدمات السيئة لشركة “اتصالات المغرب”، لن يؤدي في واقع الأمر سوى إلى مزيد من التقزز والاشمئزاز ويتسبب في عسر الهضم، لأنها لم تفلح عدا في الإكثار من إنتاج الوصلات الإشهارية الخادعة ومضاعفة أرباحها الفلكية، ناهيكم عن التفنن في إفراغ جيوب المشتركين والمتعاقدين، وإثارة أعصابهم في معظم الأحيان والرفع من نسبة السكر في دمهم، مما يستلزم التفكير في صيغة نضالية مشروعة، تتوحد عبرها صفوف المتضررين لإيقاف هذا العبث والتصدي لهذا الاستغلال البشع وغير المقبول أخلاقيا…
اسماعيل الحلوتي