أما كان لبنموسى تفادي زلته الشنيعة؟!
إسماعيل الحلوتي
ليس سرا القول إنني كنت واحدا من أولئك المنزعجين الذين سارعوا إلى التعبير عن رفضهم بشدة لقرار وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، الصادر في 19 نونبر 2021، والمتضمن لعدة شروط قاسية ما أتى بمثلها وزير من قبله، والتي يأتي في مقدمتها تسقيف سن الترشيح في 30 سنة لاجتياز المباراة النظامية لأطر الأكاديميات الجهوية.
وهو ما يعني إقصاء عشرات الآلاف من الشباب المعطلين، الذين كانوا يعلقون آمالا عريضة على هذه المباراة في انتشالهم من غياهب البطالة، أمام انسداد الآفاق وقلة فرص الشغل.
ولم يلبث أن تضاعف حجم انزعاجي وارتفع منسوب استيائي وتذمري بعد مرور أسبوع على ذلك، جراء ما ورد على لسان نفس الوزير الذي أثار قراره “الطائش”، سيلا من الانتقادات اللاذعة وموجة من التنديد والاستنكار في الفضاءات العامة بمختلف العمالات والأقاليم وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.
حيث أنه عاد يوم الجمعة 26 نونبر 2021 ليعلن أمام لجنة التعليم بمجلس المستشارين، أثناء مناقشة الميزانية الفرعية لوزارته عن أن الولوج مستقبلا إلى مهنة التدريس سيقتصر فقط على حاملي الإجازة في التربية، موضحا بأن ذلك سيجعل من المترشح أكثر تأهيلا واستعدادا، بعد أن يكون قضى خمس سنوات في التكوين منها ثلاث سنوات في الإجازة وسنتان من التكوين والتدريب داخل القسم، عوض ستة أشهر من التكوين المعمول بها حاليا. كما لم يفته التشديد على أن الهدف الأبرز من هذا الإجراء هو أن يتم الإصلاح بشكل تدريجي، حتى يصبح مسلك التربية ذا جاذبية، لاسيما أن النموذج التنموي والتصريح الحكومي شددا على ضرورة إعطاء الأسبقية لهذه الفئة في الالتحاق بأسلاك التعليم.
فلم يا ترى لم يعمل الوزير بنموسى على تلافي التسرع في اتخاذ ذلك القرار الجائر والتمسك به، خاصة أن التقرير العام للنموذج التنموي الجديد والبرنامج الحكومي يؤكدان على ضرورة التدرج في عملية الإصلاح؟
ثم كيف أجاز لنفسه اتخاذه بشكل انفرادي دون إشراك البرلمان والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والفاعلين التربويين، في الوقت الذي اعتمدت فيه اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي التي كان يرأسها على المقاربة التشاركية في مهامها؟ وهل بهكذا قرارات ارتجالية وعشوائية وخارج المساطر القانونية ومقتضيات الدستور يمكن تحرير الطاقات وبناء الثقة بين المواطنين والحكومة؟
من هنا على بنموسى وزير الداخلية الأسبق الذي بدا في عجلة من أمره، ويريد أن يحرق مراحل “الإصلاح” بشروطه الهوجاء، مثيرا بذلك زوبعة من السخط العارم والاحتجاجات الصاخبة التي من شأنها تعطيل مسيرة التنمية وجر البلاد إلى اضطرابات نحن في غنى عنها، أن يعلم أنه لم يعمل عدا على حرق قلوب آلاف الشباب المعطلين من خريجي الجامعات الوطنية وأمهاتهم وآبائهم.
بينما كانت الحكمة تقتضي من رجل اكتسب من الخبرة والتجربة خلال المناصب التي تولاها وخاصة عند رئاسته لجنة إعداد النموذج التنموي الجديد، ما يجعله يتجنب زلته الشنيعة خاصة أنه لم ترافقها أي إجراءات بديلة لصالح تلك الأعداد الغفيرة من المعطلين الذين تم إقصاؤهم بشكل ممنهج. فهل يعتقد نفسه بشروطه الشاردة أنه أكثر غيرة على المدرسة العمومية من سلفه سعيد أمزازي وغيره؟
فما لا يمكن أن يتغافله هو أن الوزارة الوصية كانت قبل أن تسند إليه مسؤولية الإشراف عليها، قد عملت على خلق سلك تربوي جديد ابتداء من الموسم الجامعي 2018/2019.
وذلك في إطار إحداث إصلاحات جذرية وتحديث منظومة التربية والتعليم، وهو السلك الذي تم فتحه في وجه الطلبة الحاصلين على شهادة البكالوريا، أطلق عليه اسم الإجازة في التربية Cycle de Licence en Education(CLE) ووضعت لذلك مجموعة من الشروط، التي يجب أن يتوفر عليها كل من يرغب في الالتحاق بسلك التعليم حسب التخصصات، ويمكن الاطلاع عليها مباشرة في عين المكان بالجامعات الوطنية أو عبر رابطها الإلكتروني، وهي شروط واضحة وباتت معلومة لدى جميع المهتمين بالحقل التربوي، خلافا لتلك التي أتى بها سيادته ونزلت كالصاعقة على الرؤوس دون سابق إشعار.
ويهدف هذا السلك أو التخصص الجديد إلى إدماج المواد المعرفية المتخصصة وكذلك المواد التربوية، قصد ضمان تكوينات في مستوى تلبية حاجيات ومتطلبات سوق الشغل، وإنتاج الكفاءات المهنية في صفوف الطلبة…
ألم يكن حريا بالرجل الذي اشتهر بكفاءته وحسه الوطني تقدير جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأن يسارع إلى تهييئ الظروف الملائمة والكفيلة بالتأسيس للدولة الاجتماعية وتنزيل النموذج التنموي الجديد على الوجه المطلوب، بدل تعقيد الأمور من خلال المقامرة بملفات يعقد عليه المواطنون الكثير من الآمال، وعلى رأسها ملف التعليم وملف التشغيل؟ إذ كيف يمكن تحقيق الإصلاح في أجواء مشحونة؟
إنه لمن المؤسف جدا أن يتم خرق القانون والاعتداء على الدستور من قبل أشخاص يفترض فيهم أن يكونوا أول الساهرين على حمايتهما واحترامهما. حيث أنه لا معنى في أن يأتي وزير التربية الوطنية بشروط يعرف مسبقا أنها تتعارض مع الدستور الذي يسمح بتوظيف بعض فئات الجيش إلى حدود سن الأربعين.
وأن يجيز لنفسه التطاول على القانون بشكل انفرادي دون التشاور حتى مع مجالس الأكاديميات، التي نجد أن النظام الأساسي لأطرها ينص بصيغة واضحة وصريحة على ألا تقل أعمار المترشحين عن 18 سنة ولا تتجاوز 40 سنة ويمكن تمديدها إلى 45 سنة؟
إسماعيل الحلوتي