ادريس لشكر : اسبانيا اختارت الجانب الصحيح من التاريخ .
عبد السلام المساوي
1- انتصار الحكمة والشجاعة السياسية
يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، الأستاذ إدريس لشكر في حوار أجرته معه اليومية الاسبانية الواسعة الانتشار ABC نشرته في عددها ليوم الأربعاء 7 أبريل ، يقول ” …نحن سعداء أن أصدقاءنا الاسبان ، وخاصة بالحزب الاشتراكي العمالي ، تمكنوا من تجاوز الارث الفرنكاوي وطي صفحته الامبريالية . فالقادة الاشتراكيون باسبانيا لهم معرفة دقيقة بتاريخ الصراع وحيثياته ، كما أنهم يعون أن التنمية والاستقرار لخدمة الانسان أولا ، والانسان هنا هم بنات وأبناء الصحراء وساكنتها التي تنعم بالاستقرار والأمن والنماء الذي تعرفه كافة مناطق المغرب الجنوبية .
وبالنسبة لنا فقد امتلكت اسبانيا الذكاء الاستراتيجي في قراءة التحولات التي تطرأ على غرب المتوسط ، الشيء الذي جعلها تختار الجانب الصحيح من التاريخ ، المفتوح على المستقبل والازدهار والسلام .”
استوعبت جارتنا الشمالية بمنطق الصداقة الدائم أن البقاء في المكان كله للأصلح ، وفهم أصدقاؤنا هناك ( والمغرب ظل دائما وأبدا يعتبرهم أصدقاء رغم كل شيء ) أن الرهان يكون لدى الدول العاقلة على الجدية ، وعلى الالتزام ، وعلى روح المسؤولية ، وعلى مراعاة المصالح المشتركة مراعاة حقيقية .
العالم تغير ، أو في طريق التغيير الجذري ، وما كان في السابق مناطق رمادية في تدبير المواقف والاتجاهات والتحالفات ، ينبغي ، اليوم ، أن يخرج الى شمس الوضوح .
فلم يعد ممكنا تخيل ” برجل هنا ورجل هناك ” ، في سباق دولي متوتر وسريع التحول ، ينذر بكثير من المفاجأت .
هذا بالضبط ما فعلته اسبانيا ، الجمعة الماضي ، وما تفعله دول أخرى ، اقتنعت أن الموقف الحاسم والخروج من منطقة الحياد السلبي ، هما الطريق المستقيم الى العالم الجديد والتموقع فيه .
ففي الموقف السياسي من الصحراء ، لا تعرض اسبانيا ، في الواقع ، جديدا حين اعتبرت مبادرة الحكم الذاتي ، مبادرة ذات مصداقية وجدية وواقعية لحل النزاع في الأقاليم الجنوبية ، وهو موقف عبر عنه المنتظم الدولي منذ 2007 ، وتأخرت مدريد في تبنيه .
لكن ما نعتبره لافتا للانتباه هو اعتراف اسبانيا ، لأول مرة ، بأهمية الصحراء بالنسبة إلى المغرب ، وهو اعتراف يمكن قراءته من وجهة نظر التحليل الجيوستراتيجي ، بمثابة اعتراف بسيادة كاملة للمغرب على جميع أراضيه من طنجة الى الكويرة ، وهو الموقف نفسه المعبر عنه من قبل أمريكا .
والواقع أن اسبانيا أدركت ، متأخرة ، أنه يستحيل بناء أي علاقة سوية مع الجارة الجنوبية ، دون المرور من الطريق السيار للصحراء المغربية ، وتفادي أساليب الالتفاف التي ظلت تستعملها مدريد في العقود الماضية ، وكانت تستغل من قبل الأعداء ، لادامة عمر نزاع مفتعل .
ويمكن فهم هذه الخلاصة من التجاوب السريع للمغرب مع الرسالة التي توصل بها جلالة الملك من رئيس الحكومة الاسبانية ، إذ دعت وزارة الخارجية الى التسريع بفتح جميع الأوراش ، وتدارك الوقت الضائع ، من أجل مصلحة دولتين وشعبين ، تربطهما بشكل وثيق أواصر المحبة والاحترام والتاريخ والجغرافيا والصداقة المشتركة .
2- اسبانيا والمغرب : صفحة جديدة
يقول الأستاذ إدريس لشكر ” …اسبانيا والمغرب جاران وشريكان استراتيجيان ، والتطور الايجابي في الموقف الاسباني سيسمح بفتح صفحة جديدة في هذه الشراكة وستكون مثمرة للشعبين الصديقين “الأكيد أن هناك خطوات جادة متبادلة ورغبة مشتركة لتعزيز التعاون بين البلدين تضمن أمن واستقرار وازدهار منطقة حوض المتوسط ، وهو مسار طبيعي ناجم عن الرغبة الصادقة في طي صفحة الماضي ، وتجاوز نقاط الخلاف والتطلع الى الأمام ، في اطار مرحلة جديدة ، قائمة على الاحترام ، والثقة المتبادلة ، والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق .
أن التكامل والعمل المشترك بين المغرب بثقله الافريقي وأهميته الاستراتيجية والأمنية ومحوريته في منطقة جنوب المتوسط ، مع الجارة الاسبانية بموقعها الأوروبي شمال المتوسط ، وحجمها داخل الاتحاد الأوروبي وموقفها الايجابي المحايد والنزيه من وحدتنا هو في صالح الدولتين والمنطقة والعالم بأسره .
كل شيء اذن يدل على أننا بصدد صفحة جديدة تماما في علاقات البلدين ، قوامها التفاهم المشترك ، والحوار لحل مختلف القضايا ، فضلا عن التنسيق والتشاور ، في ما يتصل بشتى القضايا الإقليمية والدولية ، وبما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين ، وهذا يعني أن علاقات الأمس ليست علاقات اليوم وغدا .
جاء فب بلاغ الديوان الملكي يومه الخميس 7 أبريل ؛ “استقبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم بالقصر الملكي بالرباط، فخامة السيد بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية، الذي يقوم، بدعوة من جلالة الملك، بزيارة للمغرب، في إطار مرحلة جديدة من الشراكة بين المملكتين المغربية والإسبانية.
ويأتي هذا الاستقبال امتدادا للمحادثات الهاتفية التي جرت في 31 مارس بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية، وتجسيدا للرسالة التي وجهها في 14 مارس السيد بيدرو سانشيز إلى جلالة الملك، والتي التزمت فيها الحكومة الإسبانية بتدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين المملكتين، قائمة على الشفافية والاحترام المتبادل.
كما أن هذه الدينامية الجديدة تتوخى أن تكون صدى لنداء جلالة الملك في خطاب 20 غشت 2021 لتدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقات بين البلدين.
وخلال هذا الاستقبال، حرص فخامة السيد بيدرو سانشيز على تجديد التأكيد على موقف اسبانيا بخصوص ملف الصحراء، معتبرا المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف.
وبهذه المناسبة، جدد جلالة الملك ورئيس الحكومة الاسبانية تأكيد الإرادة في فتح مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، قائمة على الاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة، والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق.
وتم الاتفاق، في هذا الإطار، على تفعيل أنشطة ملموسة في إطار خارطة طريق تغطي جميع قطاعات الشراكة ، تشمل كل القضايا ذات الاهتمام المشترك.
من جهة أخرى، شكل الاستقبال الذي خصص لرئيس الحكومة الاسبانية مناسبة لاستعراض مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك في جوانبها السياسية، الاقتصادية، الأمنية والثقافية. كما تطرقت هذه المباحثات أيضا للقضايا الإقليمية والدولية ….”
3- كان الأولى أن تحذو الجزائر حذو اسبانيا
يقول الأستاذ إدريس لشكر ” …انها فرصة للنظام الجزائري لتجاوز أخطاء الماضي والتوجه نحو المستقبل.
أنا أتساءل : لماذا هذه الرعونة في التعامل مع اسبانيا في حين أن دولا أخرى سبقت الاسبان لنفس الموقف كفرنسا وألمانيا ، بل ان الولايات المتحدة الأمريكية ودول الجامعة العربية وعديد الدول بأفريقيا وأمريكا اللاتينية تعترف بمغربية الصحراء ولم يقم النظام الجزائري بأي رد فعل تجاه هذه الدول ؟ اذن لماذا المزايدة على الاسبان ؟
كان الأولى أن تحذو الجزائر حذو اسبانيا في موقفها الشجاع والحكيم والواقعي ، وتساهم في جعل حوض البحر الأبيض المتوسط بحيرة للسلام والمستقبل المشترك . ” طبعا الزلزال الدبلوماسي الذي أحدثه الموقف الاسباني الذي طبخ على نار هادئة ، أخرج حكام الجزائر عن طوعهم ، ودخلوا في هستيريا دبلوماسية دفعت نظام ” الكابرانات ” الى استدعاء سفيرهم في مدريد للتشاور دون مراعاة القرارات السيادية للدول ، ودون احترام حتى سمفونية الحياد الدبلوماسي التي ظلت ترددها أكثر من أربعة عقود ، فلطالما اعتبر النظام الجزائري أنه طرف غير معني بتاتا بملف الصحراء المغربية ، بل إنه يرفض في كل مرة المشاركة في جلسات التفاوض السياسي بحضور المغرب وجبهة الانفصال والجارة موريتانيا ، لكن الموقف الاسباني أثبت لمن كان يتعلق بذرة من الشك أن الجزائر هي الطرف الوحيد في نزاع اختلقته ورعت أداته الانفصالية والارهابية ماليا وعسكريا للمس بوحدة أراضينا أما الباقي فتفاصيل غير مهمة .
لكن ما لم يستوعبه النظام الجزائري البائد ، أن الخريطة الجيواستراتيجية تغيرت جذريا على المستوى العالمي ، وأن العالم أصبح في حاجة الى لدول مدنية موثوقة ومستقرة وذات مصداقية ، وليس الى دول هشة تبني شرعيتها على اختلاق توترات اقليمية ودفع رشاو دولية للمس بسيادة جيرانها ، والخلاصة أن الجزائر فاتها القطار ومن صرف ماله على تقسيم الدول مات غما وحسرة بقرارات صادمة وهذا حال الجارة الشرقية، وطبعا لن تستطيع فعل أي شيء لتغيير ما يجري بكل بساطة لأنها دولة هامشية وهشة ، وحتى استدعاء سفيرها بمدريد أو ربما اختلاق أزمة مع اسبانيا، لا يعدو أن يكون فصلا أخر من فصول مسرحية كوميدية ، ويكفي أن نتذكر اهانة فرنسا للدولة والتاريخ الجزائري ، حيث استدعى الكابرانات سفيرهم بباريس ، وبعدها بأسابيع أعادوه بدون ماء وجه وأنى لهم أن يملكوا ماء الوجه .
أما الحركات البهلوانية المبتذلة لجماعة بوليساريو ، فنحن أكبر من الرد عليها في هذا المقام ، لأن الحديث يكون، في العادة ، مع الشيوخ ، وليس مع المريدين التابعين .