حين تضيق الحياة بالأوطان يصبح الأدب لحنا يعزفه الحكماء والعشاق
حين تضيق الحياة بالأوطان يصبح الأدب لحنا يعزفه الحكماء والعشاق:
سمير أبو القاسم
ما عساه يكون الأدب إن لم يكن شائعا ومستخدما في الأوساط والتجمعات، وواصلا صيته إلى الجماهير، ومتنفسا للهموم والمشاكل، وفيصلا في الدفاع عن القضايا، وصادقا في التعبير عن المشاعر ودفئها؟
بقدر ما ينبغي أن يكون مشبعا بالتراث والوجدان والهجرات المتعاقبة، بقدر ما هو ضرورة تفرضها الحياة والواقع، وكذا الميتولوجيا. فالأدب لحن يعزفه الحكماء والعشاق على مر العصور، وتتداوله الألسن والأجيال، وتتناقله المجالس والمنتديات، لرد الاعتبار عبر الإثارة والجمال.
كم عبر الوطن، على مر الأزمنة والعصور، عن الحاجة إلى حب مواطنيه والرغبة في الدفاع عنه؟ وكم هي تلك الجهود التي بذلها لدفعهم للتضحية من أجله؟ ولم يتوانى المغلوب على أمرهم يوما، ولم يتأخروا في التفاعل مع نداءاته رغم صعوبات الانسجام، ولم يقصروا في تجسيد معاني الولاء دون مقابل ودون توفير حماية ودون سعي للمساومة، بغرض التمكن من وسائل الراحة والشعور بإحساس المواطنة.
إنه الصدق في التعبير عن حب إيماني خالص، يتسامى على كل أشكال المزايدة والابتزاز، وهو واجب الانتماء قبل أن يكون إخلاصا لمفهوم الوطن.
لكن، ومع قليل من الوضوح الشفاف، في مثل هذا الحب من طرف واحد، هل يتسع قلب الوطن لتلك الجوانب التي تغمر بالحب الصادق؟ وهل يرسو هذا الوطن على مدلول دقيق للواجب تجاه المواطنين بما يفيد نوعا من التمسك والتعلق بأبنائه؟
يبدو أن الوطن تضيق به الحياة، ولا يرضى العيش في قلب مواطنيه، ولا يتوق إلا إلى الهجران والابتعاد، بما لا يترك مجالا للاشتياق والحنين. وكأنه مجبول على عدم الاعتراف بقيمة الوفاء والاستئناس بالأبناء في ذكره وقلبه.
لا بأس، فقد يكون هذا الوطن متأقلما ومتأثرا بما نشأ فيه وترعرع عليه، وقد يكون مفتقرا لبروتوكولات تقديم الولاء، كما قد يكون مشدودا بالفطرة لمنطق التشبث بالحقوق دون القدرة على استيعاب مفهوم الواجب، في ظل أعطاب التربية على القيم.