مدينة الناظور….المرأة مدخل حاسم للإنخراط في الحداثة
عبد السلام المساوي
يمكن أن تلمس التحول المجتمعي الذي تعرفه مدينة الناظور في حضور المرأة أو غيابها ؛ فلا أحد يجادل بالأمس واليوم وغدا ، أن المرأة هي المؤشر القوي والدال على التحول المجتمعي والتغير الفكري والأخلاقي والسلوكي ، فالمرأة هي عنوان الحداثة وقاطرة التنمية ومقياس تغير العقليات …ويظهر أن المرأة بالناظور بدأت تنتفض على دونية الحريم وخسة الولايا لتعانق سمو الإنسان ورفعة المواطنة ، وهذا ما يمكن للسوسيولوجي أن يلاحظه من خلال معاينة الكثير من السلوكات التي كانت بالأمس القريب تدخل في لائحة ” الممنوعات والمحرمات ” !
زائر مدينة الناظور من أمكنة أخرى وأزمنة مختلفة ، في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وحتى في التسعينيات ، كان يعتقد أن الناظور مدينة بدون نساء ؛ لا إمرأة تجوب الشوارع ، لا إمرأة في المقاهي ، لا إمرأة في الفضاءات العامة …مدينة الذكور بعنترية ذكورية وموروث استبدادي ؛
هنا الناظور ، هنا الرجل …المرأة غائبة بالمطلق ، بل هي مغيبة قسرا وجهلوتا ، بل المرأة نفسها استبطنت الغياب والإنسحاب ، استبطنت الطاعة والسجن ؛
لا إمرأة تخرج من دار والديها أو دار زوجها ، لها خرجتان فقط وفقط ( خرجة إلى دار زوجها وخرجة إلى القبر ) وآمنا وعلى المرأة السلام ؛
الناظور بدون نساء ، استسلمن وقلن نريد أن نصبح رجالا ، نريد ناظورا بدون نساء ” بيان نساء الناظور ”
من أجل ناظور بدون نساء
نحن النساء الناظوريات الموقعات أسفله ، نخبر الرأي العام ، والسلطات المعنية ، اننا قررنا أن نصبح رجالا ، وان قرارنا هذا لا رجعة فيه .
فبعد تفكير عميق في وضعنا كنساء ، وبعد معاناة كبيرة ، وبعد صبر طويل ، خلصنا الى أن العيش كامرأة في الناظور صار صعبا ، إن لم يكن مستحيلا .
وكي لا نصطدم مع أحد ، وحفاظا على الأمن ، وعلى نعمة الاستقرار ، وكي لا نتعب رجال الشرطة بأن يظلوا دائما يراقبون بطوننا وأرحامنا ، ومن منا حامل نتيجة علاقة غير شرعية ، ومن منا تحب ، ومن قلبها يخفق ، ومن تختلي برجل ، ووعيا منا نحن النساء بأن مراقبة عذريتنا والحرص عليها عمل شاق ، ويتطلب مجهودا جبارا ، وإمكانيات كبيرة من الدولة ، وميزانية ضخمة ، وسهرا ، ومداومة ، وخلايا مشتغلة ليلا ونهارا .
من أجل هذا كله ، وتوفيرا لأموال الدولة ، وترشيدا للنفقات ، وبعد سنوات من النضال ، وبعد تضحيات كثيرة ، اكتشفنا ان لا شيء تغير ، وان كل مجهودات القوى الحداثية والتقدمية في هذا البلد ذهبت سدى ، وانه من الأفضل لنا وللجميع ان نتخلى عن جنسنا ، وعن هويتنا ، وكل شعارات الجندر ، وأوهام النسوانية ، وان تصبح كل واحدة منا رجلا ، وأي رجل ، وكيفما كان .
وربما بخطوتنا الشجاعة هذه نعفي الدولة والمجتمع والإسلاميين من أي مراجعة او تغيير للقوانين الظالمة لنا ، وفي الآن نفسه ، نتجنب إحراج الحداثيين والتقدميين ، الذين لا حيلة لهم ، في المغرب اليوم ، ولا قوة .
ومع الوقت ، وحين يصبح لكل ناظوري وناظورية شارب ، وحين ستختفي آخر امرأة في الناظور ، فإننا سنكف حينها عن الحمل ، ولن ينتفخ بطن ، وستزول القوانين المجرمة للإجهاض وللعلاقات الرضائية ، بعد ان نصبح غائبات ولا وجود لنا ، وبعد ان نتحول الى رجال ، كما أننا وبهذه الخطوة نعفيكم من اقتسام الارث معنا ، ولن نطالب به هو الآخر .
وسيصير الناظور كله رجالا ، وخاليا من الإنجاب ، ومن الحب ، ومن الحياة ، التي لكم ان تتخيلوا وجودها في ظل غيابنا عنها .”
أتذكر ، وأنا إبن الناظور معتزا ومفتخرا ، أنه في السبعينيات لا إمرة في الفضاء العام ، وكل من سولت لها نفسها التمرد على الأعراف والتقاليد فمصيرها أقسى العقوبات المعنوية والمادية ( أن تشاهد امرأة في الشارع العام فتلك الفضيحة وذلك هو العار ) ؛
في الموسم الدراسي 73 – 1974 وبثانوية عبد الكريم الخطابي كانت هناك تلميذتان وتلميذتان فقط من إقليم الناظور كله قبل أن يستقل إقليم دريوش ، تحضران لاجتياز امتحان الباكالوريا ؛ واحدة علمي والثانية أدبي !!!
زرت الناظور في الشهور الأخيرة ؛
تحول جذري ، ثقافة جديدة وسلوكات جديدة ؛ لاحظت أن المرأة الناظورية حاضرة بقوة وأخلاق ، إنسانة مواطنة ، في الشارع العام حاضرة ، في المؤسسات فاعلة ، في المجتمع رائدة …لاحظت جدات وأمهات وشابات أنيقات ومحترمات في المقاهي والمطاعم ، خصوصا مقاهي ومطاعم الكورنيش corniche ، واثقات الخطوة ومنتصبات القامة …نساء الناظور شامخات ، مواطنات ، زمن الحجر ولى !
زرت ثانويتي الكندي وعبد الكريم الخطابي ” مؤسستان عشت في أحضانهما في السبعينيات ” فسجلت أن نسبة التلميذات تعلو نسبة التلاميذ عددا وتفوقا ؛
الناظور بنسائه …بيان نساء الناظور سيعاد فيه النظر …” من أجل ناظور بنسائه ” .