نحن فعلا مرضى تدبيركم السيء!
يبدو أن هاشتاغ “أخنوش إرحل” المتداول على نطاق واسع بين المواطنين في صفحات التواصل الاجتماعي منذ يوم الخميس 14 يوليوز 2022، حقق ما لم يكن حتى صناعه يتوقعون حدوثه بهذه السرعة.
إذ أماط اللثام عن بعض الوجوه القبيحة، أخرج الكثير من الانتهازيين عن طورهم وأفقدهم السيطرة على ألسنتهم وأقلامهم، كما كشف عن عدة حقائق لم يكن من السهل الوصول إليها في زمن التعتيم والتضليل، وأظهر إلى أي حد أن التحالف الحكومي الثلاثي بات هشا خلال أقل من سنة واحدة على تشكيله.
فالهاشتاغ الذي نال شهرة كبيرة في بضعة أيام وأثار جدلا واسعا بين الفاعلين السياسيين وفي مختلف وسائل الإعلام، إذ أوقع حتى وكالة المغرب العربي للأنباء الذراع الإعلامي للدولة المغربية والمعروفة اختصارا ب”لاماب” في خطأ مهني جسيم، حين أبت إلا أن تنصب نفسها وكيلة للدفاع عن رئيس الحكومة أخنوش ومصالحه الشخصية في مقال بعنوان “عشر نقط رئيسية لفهم الحملة ضد رئيس الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي”.
والذي أدى كذلك بالقيادي البارز في حزب الاستقلال والأمين العام للنقابة التابعة له “الاتحاد العامة للشغالين بالمغرب” ورئيس مجلس المستشارين النعم ميارة إلى التعبير عن امتعاضه من الحملة، واصفا الهاشتاغات الرائجة في الفضاء الأزرق ب”الشعارات الجوفاء المجهولة المصدر” والتي لا تخدم في شيء مصلحة الوطن وتضر بالاستقرار الاقتصادي…
هو نفسه الذي أثار حفيظة رشيد الطالبي العلمي عضو المكتب السياسي بحزب “الأحرار” ورئيس مجلس النواب، وجعله يسارع في كلمة ألقاها إبان المؤتمر الوطني الجهوي بجهة سوس ماسة يوم الجمعة 22 يوليوز إلى شن هجوم شرس على أولئك الذين يقودون تلك الحملة، ناعتا إياهم ب”المرضى”، علما أن لا جريرة لهم عدا أنهم يطالبون بخفض سعر الغازوال والبنزين ورحيل رئيس الحكومة، بسبب ما تراكم لديهم من خيبات أمل وشعور بالإحباط أمام إخلاله بوعوده والتزاماته، وعجزه عن التواصل المباشر معهم ومعالجة القضايا ذات الطابع الاستعجالي، وفي مقدمتها إشكالية الغلاء الفاحش الناجم عن الارتفاع الرهيب والمطرد في أسعار المحروقات وانعكاساتها على سائر المواد الأساسية.
ورشيد الطالبي العلمي هو الشخصية الثالثة في هرم السلطة بعد ملك البلاد ورئيس الحكومة، وهو الذي لم يمر كثير من الوقت على مهاجمته الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” ورئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران، حيث أنه وفي ظل المناكفات السياسية وتصفية الحسابات الحزبية الضيقة اغتنم فرصة تناول الكلمة أثناء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الجهوي للحزب بجهة الرباط – سلا- القنيطرة المنعقد في 15 ماي 2022، للدفاع عن مالك شركة “إفريقيا – غاز” لتوزيع المحروقات ورئيس الحكومة وحزب “الحمامة”، حيث لم يتردد لحظة في وصف “ابن كيران” ب”الحلايقي” “الذي لا يتوقف عن الإساءة لأخنوش وحكومته، ويشجع على الفوضى بدل طرح البدائل الاقتصادية الناجعة والإسهام في تطور المجتمع”، وأضاف قائلا بأن “العقول الكبيرة هي تلك التي تناقش الأفكار، فيما تناقش العقول الصغيرة شؤون الناس”.
وإذا كان الطالبي العلمي يعتقد نفسه من ذوي العقول الكبيرة التي تربأ بنفسها عن الخوض في الصفقات الخاسرة والأمور الصغيرة غير المجدية، فلم سمح لنفسه بالتهجم على مواطنين بسطاء اختاروا الاحتجاج الرقمي والسلمي دفاعا عن القوت اليومي لملايين المواطنين المغاربة؟ وبماذا يفسر لنا عودة واحدة من أكبر المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية “الاتحاد العام للشغالين بالمغرب” التابعة لحزب الاستقلال الذي يشكل المكون الثالث للحكومة، لدعوتها إلى ضرورة التعجيل بضبط ومراقبة أسعار المحروقات والحد من مسلسل الغلاء الفاحش، والإعلان عن رفضها أن تظل القدرة الشرائية للمواطنين تئن تحت وطأة ضربات الزيادات الموجعة، والتشديد على التدخل العاجل لوقف ما وصفتها ب”مهزلة أسعار المحروقات”؟
إذ لو افترضنا جدلا أن المطالبين بعودة أسعار المحروقات إلى ما كانت عليه قبل الحرب الروسية الأوكرانية بعد انخفاضها في السوق الدولية ليسوا على حق، فلم سارع وزير الداخلية عبد الوفي لفتيت إلى عقد اجتماع طارئ بمسؤولي تجمع النفطيين بمقر وزارته للتداول حول تقليص هامش أرباحهم؟ ولماذا انتفض برلمانيو حزب “الأصالة والمعاصرة” المكون الثاني للحكومة في وجه وزراء حزب أخنوش خلال اجتماع لجنة المالية والتنمية الاقتصادية المنعقدة يوم الأربعاء 27 يوليوز 2022 بمجلس النواب، مطالبين الناطق الرسمي باسم الحكومة والقيادي بالحزب مصطفى بايتاس بالتواصل مع المواطنين بكل صراحة ووضوح؟ ثم ألا تعتبر اعترافا بالغلاء المتواتر دعوة رئيس الحكومة زعماء أحزاب الأغلبية الثلاثة إلى اجتماع يوم الجمعة 29 يوليوز 2022 لتدارس تداعيات ارتفاع الأسعار وردود الأفعال الغاضبة الصادرة عن بعض مكونات الأغلبية البرلمانية نفسها؟
إنه مهما حاول رئيس مجلس النواب التجمعي رشيد الطالبي العلمي الهروب إلى الأمام، سعيا إلى التملص من مسؤوليته السياسية والأخلاقية حول ما أقدم عليه من توصيف لفئة من المغاربة لا يليق بمستوى من هو في منصبه، حيث أنه نعتهم ب”المرضى” كما هو موثق بالصوت والصورة، لا لشيء سوى أنهم اختاروا التعبير عن آرائهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي في غياب مؤسسات الوساطة الحقيقية، فإننا نؤكد له أننا فعلا “مرضى” التدبير السيء ليس فقط لحكومة أخنوش، بل لعدد من الحكومات المتعاقبة التي أورثتنا سياساتها الفاشلة مرض السكري وغيره من الأمراض المزمنة، بفعل استشراء الفساد وتوالي الخيبات والانكسارات في جميع المجالات…
اسماعيل الحلوتي