صفحة جديدة تُفتح في العلاقات المغربية-الألمانية.
صفحة جديدة تُفتح في العلاقات المغربية-الألمانية.
سعيد الكحل.
يتميز المغرب بمقومات جغرافية، اقتصادية، تجارية وأمنية تجعله يحظى باهتمام الدول الكبرى والشركات الصناعية.
مقومات ما كان لها أن تكتسب ذات الأهمية الإستراتيجية لولا جهود الدولة في تطوير البنيات التحتية وإنشاء منصات الاستقطاب الصناعي، فضلا عن تأهيل الأجهزة الأمنية التي جعلت المغرب فاعلا رئيسيا في محاربة التطرف والإرهاب وشبكات التهجير والاتجار بالمخدرات. فالدور المركزي الذي بات يلعبه المغرب على مستويات عدة جعله شريكا موثوقا به من طرف الدول الصناعية الكبرى.
وقد عزز هذه الثقة، كما جاء في مجلة “ماريتيم اكسوكتيف” “الاستثمار الهائل للمغرب في قطاعي النقل والخدمات اللوجستية جعله مركزا تجاريا استراتيجيا.
من الموانئ والمجمعات الصناعية الواسعة في طنجة المتوسط في الشمال إلى البناء الجاري لميناء الداخلة الأطلسي في جنوب المغرب”. بهذه المؤهلات استطاع المغرب أن يكون جسرا للاستثمارات الغربية في إفريقيا.
حقيقة نوهت بها رسالة الرئيس الألماني إلى العاهل المغربي في يناير 2022 كالتالي”بفضل التطور الديناميكي لبلدكم، أصبح المغرب موقعا مهما للاستثمار بالنسبة للمقاولات الألمانية بإفريقيا”. فألمانيا تسعى لفتح صفحة جديدة في علاقاتها بالمغرب للاعتبارات التالية:
ـ1ـ حجم الاستثمارات الألمانية الضعيف في إفريقيا وفق ما كشفت عنه إيزابيل فيرينفيلز، رئيسة مكتب الاستخبارات الخاص بشمال إفريقيا والشرق الأوسط في المخابرات الألمانية، في تقرير لها من أن “المعاملات التجارية بين ألمانيا وإفريقيا لا تزال ضعيفة جدا، ولقد وعدت المستشارة السابقة، أنجيلا ميركل، بإنشاء صندوق بمليار أورو لدعم الاستثمارات في إفريقيا وتأمينها، لأن ألمانيا تحتل مكانة متأخرة فيما يخص الاستثمارات المباشرة فقط واحد في المائة من الاستثمارات الأجنبية الألمانية يذهب حاليا إلى إفريقيا”.
ـ2ـ إن إفريقيا تمثل سوقا استهلاكية مهمة بـ 1.3 مليار نسمة، ومصدرا للموارد الطبيعية الغنية والمتنوعة التي تغري الدول الصناعية الكبرى بالاستثمار فيها (تبلغ احتياطيات الغاز الطبيعي إجمالاً 634 تريليون قدم مكعب، توفر حوالي 80% من بلاتين العالم، وأكثر من 40% من ألماس العالم و20% من الذهب وكذلك الأمر من الكوبالت). والمغرب واحد من الدول المهمة للاستثمار الألماني اعتبارا لما يتوفر عليه من مؤهلات طبيعية وبشرية(المغرب يحتل المرتبة الثانية بين أكثر البلدان جذبا للاستثمار في إفريقيا).
فالزيارة التي قامت بها وزيرة خارجية ألمانيا للمغرب، يوم 25 غشت 2022، تكتسي أهميتها من كونها تجسد رغبة الطرفين ـ المغرب وألمانياـ في فتح صفحة جديد في العلاقة بينهما؛ الأمر الذي سيعطي دفعة قوية للمشاريع الكبرى التي تم الاتفاق عليها، في يونيو 2020، خاصة مشروع طاقة الهيدروجين الأخضر الذي سيحول المغرب إلى أكبر مصدّر “للنفط النظيف” في العالم، والذي سيلبي حوالي 25 بالمائة من احتياجات السوق الألمانية من الطاقات المتجددة.
ـ3ـ المركز التجاري الإستراتيجي الذي بات يحتله المغرب بفضل الاستثمار الكبير في قطاعي النقل والخدمات اللوجستية؛ إذ يحتل ميناء طنجة المتوسط المرتبة السادسة عالميا، وفق مؤشر صدر عن البنك الدولي ووكالة “ستاندرد أند بورز” العالمية حول أداء موانئ الحاويات عبر العالم. أما على المستوى منطقة أوربا وشمال إفريقيا، فيحتل المرتبة الأولى بمعالجة أزيد من 7 ملايين حاوية سنة 2021.
وقد أبرزت الحرب الروسيةـ الأوكرانية الأهمية الكبرى للمغرب في تثبيت سلاسل التوريد لفائدة الشركات الألمانية بعد تعطيلها بسبب الحرب.
ـ4ـ الدور المركزي الذي يحتله المغرب كقطب للسلام والاستقرار، وكذا جهوده الإقليمية والدولية في محاربة الإرهاب والهجرة السرية (مشاركته في رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وكذا في رئاسة مجموعة العمل الإفريقية للتحالف العالمي ضد “داعش”).
جهود أشاد بها الرئيس الألماني في رسالته إلى جلالة الملك كالتالي: “أشيد بالمساهمة الكبيرة لبلدكم من أجل الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة”. كما جاء الإعلان المشترك عقب الزيارة التي قامت بها وزيرة الشؤون الخارجية لألمانيا، أنالينا بربوك، يؤكد التزام البلدين “بمكافحة الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة العابرة للحدود، بما يصون أمن واستقرار المنطقة الأورو-متوسطية”.
واستطاع المغرب، بفضل يقظة أجهزته الأمنية وخبراتها الواسعة في مجال رصد تحركات وأنشطة العناصر الإرهابية، أن يجنب ألمانيا وغيرها من الدول الأوربية حمامات دم بعد الكشف عن مخططات الإرهابيين.
اعتبارا لكل ما سبق، وتفاعلا مع الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء 2021، الذي اشترط على الدول الراغبة في الاستثمار بالمغرب أن تحترم وحدته الترابية (كما نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية)؛ غيّرت ألمانيا موقفها لفائدة مقترح الحكم الذاتي في رسالة الرئيس إلى العاهل المغربي “تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي قدم في سنة 2007 بمثابة جهود جادة وذات مصداقية من قبل المغرب، وأساس جيد للتوصل الى اتفاق” لهذا النزاع الاقليمي.
إذن، تتوفر لدى الطرفين إرادة سياسية حقيقة لبدء صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين اعتبارا للمصالح المشتركة التي تجمعهما. فالمغرب يراهن على ألمانيا في جلب الاستثمارات وتطويرها، خاصة في مجال الطاقات المتجددة وصناعة السيارات الكهربائية، ثم في تعميق الشراكة مع الاتحاد الأوربي في مختلف المجالات؛ كما تراهن ألمانيا على المغرب في ضمان سد احتياجات السوق الداخلية من الطاقات المتجددة في ظل السياسة الألمانية الرامية إلى تقليص الاعتماد على الطاقات المسببة لانبعاث ثاني أوكسيد الكربون، فضلا عن توسيع الاستثمارات بالقارة الإفريقية التي لازالت محدودة. وتبرز أهمية المغرب كذلك كشريك موثوق ومورّد أساسي للفوسفاط ومشتقاته من الأسمدة إلى ألمانيا وعموم أوربا خصوصا إذا قررت روسيا توقيف تصدير الأسمدة، أو توسيع العقوبات الأوربية لتشمل هذه المادة. إذ تلبي صادرات المغرب 30 في المائة من حاجيات أوربا إلى الفوسفاط في الظروف العادية.