مسرح محمد الخامس…أنشودة الوفاء لسليمة فرجي
مسرح محمد الخامس…أنشودة الوفاء لسليمة فرجي
عبد السلام المساوي
الحدث كان عظيما ، استثنائيا ، متميزا …كان حدثا عظيما بكل المقاييس …
لم يحدث في مسرح محمد الخامس بالرباط مثل ما حدث في 7 شتنبر 2022…لم يسبق لهذا الفضاء، ان عرف تظاهرة من مستوى عظمة الحدث الذي ينشد الوفاء للمرأة المتألقة… الوفاء لنساء متألقات من بلادي …
في الفضاء – التحفة ، في الفضاء الساحر بجماله ، في المعلمة المعمارية الجذابة ؛ في مسرح محمد الخامس بالرباط ، وللمكان رمزيته….تم الاحتفاء …تم تكريم أيقونة الشرق ذ سليمة فرجي ؛ تكريم جاء بعد الوقت بوقت كثير ؛ سليمة ليست امرأة عادية ، سليمة رمز ؛ سليمة قاطرة المرأة المواطنة بالشرق ، عنوان وجدة ، نموذج يحتذى ومثال يهفى إليه …هي من أسست لكرامة المرأة في زمن كانت فيه النساء ولايا وحريم …
هذا التكريم اعتراف بمسار عسير وطويل لسليمة فرجي ، اعتراف بامرأة أعطت الكثير ولم تنتظر جزاء ولا ثوابا …من هنا كانت فرحتنا هنا في الشرق ، وصفقنا بكل الحب لأستاذتنا سليمة فرجي …
هنا في وجدة …هنا في الشرق….الكل يغرد لحن الخلود …انشودة الوفاء …
سجل يا تاريخ ! سجل السمو والشموخ …سجل الرفعة والكبرياء …سجل النضال والصمود …سجل الاصرار والتحدي …سجل صدق الايمان … …سجل الأنافة والنزاهة في معبد الشجعان ….سجل تكريم سليمة فرجي …
سجل يا تاريخ ! سجل بمداد الفخر والاعتزاز …
سجل يا تاريخ ! سجل فرحة أهل الشرق بسيدتهم وأستاذتهم سليمة فرجي …
سجل يا تاريخ ؛ سجل بعناوين بارزة ؛ سجل زمن أفول الزبونية والمحسوبية ، زمن القطع مع الإقصاء والتغييب ، سجل العودة إلى الرمز سليمة فرجي
سجل يا تاريخ ! سجل أفول الشوك والموت والظلام …
سجل يا تاريخ ! سجل في صفحات النقاء والصفاء …سجل هذا الزمن المغربي ؛ سجل واشهد ؛ هذا زمن المصالحة مع الكفاءات ، زمن سليمة فرجي….
سجل يا تاريخ ! سجل عودة الأمل الى الشرق …
سجل يا تاريخ ! سجل واشهد ؛ ان المغاربة لا يقتلون سيدتهم …هم مغاربو مخلصون وأوفياء …يواصلون النضال مستلهمين ذ سليمة فرجي ، رمزهم وقاطرتهم …
” ان الحرية قد تنفى من الواقع ومن المجتمع لكنها لا تنفى أبدا بالمرة من التاريخ ، حيث في استطاعتها دائما أن تلجأ الى الخيال ، والخيال ينخر الواقع ، يوما بعد يوم ، باستمرار بعناد ، حتى يأتي أساسه ويطيح به ، فتلج الحرية من جديد وبصخب ، حيز الواقع والمجتمع .”
عبد الله العروي ، مفهوم الحرية ، الطبعة الثانية . ص 108
صحيح ان سليمة فرجي ، وبالنظر الى تجربتها النضالية الطويلة ؛ مهنيا وسياسيا وجمعويا ؛ تقر بأن الطريق نحو الديموقراطية لا زال طويلا ، بل و تتخلله مجموعة من المعوقات ؛ تتمثل أساسا في ظاهرة استقالة المجتمع من العمل السياسي …
ان الحرية في نظر سليمة فرجي لا تختزل فقط في السياسي والجمعوي …بل تتعداها الى الجانب الانساني العاطفي …من هنا آمنت ، ولاحظنا كيف ترجمت إيمانها الى الفعل والميدان ، آمنت أن إنجاح إنصاف ، يفترض الاقتناع بحقيقتين أساسيتين : التفاؤل والحوار ؛ في مفهومه الإيجابي المحكوم بفتح القلوب قبل العقول ، والمحكوم بمنطق توسيع دائرة الانفتاح ، لا منطق الانغلاق والاقصاء ….والمحكوم بمنطق الحب لا منطق الحقد….
تنتمي سليمة فرجي الى جيل ” الحركة الديموقراطية ” الذي رسم ولا زال يرسم الى اليوم علامات وضاءة ، ليس من السهل ، كما يرى باحثون ومتتبعون ، ان يأتي الزمان بها ، فهو جيل القيمة والقوة الفاعلة الذي حقق معه المغرب الشيء الكثير ، بل إن المغرب قد ضيع فرصة الاستفادة من قوة ذلك الفريق ، على اعتبار أن حصيلة ما تحقق اليوم ، هي دون ذلك الذي كانت تعده به امكانات وقدرات تلك النخبة المناضلة…
من هذا الجيل المناضل ، الوطني والديموقراطي ، اذن ، الذي كان يضم نساء قويات ، تستمد سليمة وسائلها واغراضها وأدواتها السياسية ، فسليمة فرجي تختزل المرحلة الحرجة من تاريخ المغرب ، فهي المواطنة والوطنية والسياسية والحقوقية …تعتبر نموذجا حيا لظاهرة المرأة المناضلة…
وقفت سليمة فرجي فوق خشبة مسرح محمد الخامس وقالت ( الوفاء لا يخص شريحة معينة من النساء ،وانما يهم المرأة المغربية سواء كانت صانعة تقليدية او مربية اجيال او مزارعة في الحقل او مسيرة شركات او مستخدمة في المعامل او طبيبة او محامية او عمدة مدينة او وزيرة في الحكومة…….
واذا كانت المساواة في الكرامة الإنسانية والكرامةالوطنية، هي الشرط اللازم للمواطنة الحديثة، وهي المدخل الضروري أيضا لبناء الهوية الوطنية، المنفتحة على أفق إنساني، فقد أكد عاهل المملكة أن بناء مغرب التقدم والكرامة، ” لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية….)
تنساب الكلمات في تلقائية كأنها شلال لا ينضب نميره عن التدفق ، يتدفق الفكر رطبا على القلب في تناسق عجيب بين جمال الكلمات ، تناسق يوقظ فيك الفرح الطفولي لتنفتح الابواب تدريجيا لامرأة عانت من اختفاء الاعتراف…
سليمة بكلماتها المعبرة وهي تشدو …بألحان تفيض انوثة …ابداع فيه الكثير من الصدق بعنوان الثقة في النفس والتحدي هو سيد الميدان .
سليمة جميلة شكلا ومضمونا ، ظاهرا وباطنا ، سطحا وعمقا …انها بنية متناسقة ونسق متناغم …
عينان ضاحكتان تعبران بالابتسامة عن الحب والتفاؤل …عينان ناطقتان تخفيان الكثير من الاسرار …عينان جميلتان رغم مسحة الحنان المزمن التي ترقد فيهما…تستطيع سليمة ان تقول اشياء كثيرة ، لكن نظرة منها تعفيها من كثرة الكلام …في حضرتها تتعطل لغة الكلام….
منتصبة القامة تمشي ، مرفوعة الهامة تمشي …ممشوقة القد …حالمة وكأنها تريد ان ترتفع وتترفع ، تريد ان تعلو وتسمو ، تريد ان تحلق الى السماء ….تريد ان تتخلص من خسة الأرض وجرائمها واوساخها البشرية ، لتعانق جمال السماء بزرقته ونجومه …انها تطمح الى التحرر من الأسفل لتلتحق بالأعلى ..تحب العلا والعلياء ….
سليمة سماء تمطر حبا حينا نارا احيانا ….فحذاري من حبها ومن غضبها …
أنيقة بامتياز الذوق الرفيع ، عصرية ولكنها أصيلة …
انيقة ، ويحار كل من رآها هل اللباس يستمد حسنه وبهاءه من سليمة أم أناقة سليمة من جودة اللباس …وسرعان ما ينفك اللغز فسر الجمال من روح سليمة وجوهرها…
هنيئا لنا بأستاذتنا سليمة فرجي .