عندما يبكي الوزير الأول الجزائري!
عندما يبكي الوزير الأول الجزائري!
ليس عيبا أن يبكي الرجال في بعض اللحظات مهما اختلفت درجاتهم وعلا شأنهم، ولاسيما أن للبكاء آثارا إيجابية على الصحة النفسية للأشخاص، يساعدهم كثيرا في تجاوز الأحداث والمواقف المؤلمة وتطهير النفس من المشاعر السلبية.
لكن العيب في أن يبكي كبار المسؤولين في بلاد غنية بثرواتها المعدنية وعلى رأسها الغاز والنفط، ليس بسبب حدوث كارثة طبيعية أو فاجعة إنسانية، بل لما يعاني منه المواطنون من شظف العيش في ظل تدني قدرتهم الشرائية وندرة المواد الغذائية الأساسية من حليب وزيت وأدوية…
ويأتي حديثنا هنا عن البكاء بمناسبة ذلك المشهد البئيس، الذي بدا فيه الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمان وهو يغالب دموعه أمام نواب الشعب مع مطلع شهر أكتوبر 2022، خلال رده على أسئلة النواب حول النقص الحاد في السلع الضرورية للمواطنين وضعف قدرتهم الشرائية، مما يطرح تساؤل عريضا وحارقا بشأن ما باتت تعرفه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من تدهور صارخ في بلاد قال عنها رئيسها عبد المجيد تبون في كلمته الافتتاحية خلال أحد اللقاءات السابقة بين الحكومة والولاة: “إن الجزائر قوة ضاربة، والعالم كله يعترف بهذا الأمر إلا بعض الجزائريين”؟ !
إذ من غير المستساغ أن تعرف “القوة الضاربة” اختلالات وأمورا من هذا القبيل، فيما تكتفي الحكومات المتعاقبة والتي تتشكل على مقاس الطغمة العسكرية الفاسدة في قصر المرادية، بتوجيه الاتهام إلى المضاربين وتحميلهم مسؤولية ما يحدث من نقص حاد في المواد بالأسواق، فإلى متى ستظل هذه الحكومات ومعها النيابة العامة تتوعدهم بإجراءات صارمة والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التلاعب بقوت المواطنات والمواطنين الجزائريين؟ حيث أسهب الوزير الأول وهو يحاول حبس دموعه في شرح ما ستقدم عليه حكومته من تدابير وإجراءات لحماية القدرة الشرائية، مؤكدا على أنه لا يقصد من كلامه إعطاء تبريرات وإنما هي توضيحات ضرورية…
ويشار في هذا الإطار إلى أنها ليست هذه المرة الأولى التي يضطر فيها مسؤول حكومي من درجة وزير أول إلى ذرف دموعه أمام الملأ تحسرا إلى ما صارت عليه أحوال الجزائريين من بؤس وشقاء، بسبب تفشي الفساد وسوء التدبير وارتفاع الأسعار ومعدلات الفقر والبطالة وندرة المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك والأقصاء والتهميش، فقد سبقتها صورة أخرى أسوأ قبل عامين من الآن في فبراير 2020، عندما اختار ذات الرئيس عبد المجيد تبون في لقاء له مع الولاة ورؤساء الدوائر، عرض شريط فيديو مصور يستعرض بوضوح تام أبرز المشاكل الاجتماعية التي يتخبط في أوحالها المواطنون عبر مختلف المدن والمحافظات الجزائرية، والتي يمكن إجمالها في أزمة النقل وغياب الطرق والإنارة العمومية وقنوات الصرف الصحي وتفاقم معدلات الفقر والبطالة وانعدام المياه الصالحة للشرب وانتشار الأمراض، فضلا عما عبر عنه المواطنون من معاناة لعقود… وما إن أشرف الشريط على نهايته حتى فاضت عينا رئيس الوزراء عبد العزيز جراد آنذاك بالدموع، متأثر بتلك المشاهد المؤلمة…
فماذا تحقق للجزائريين خلال السنتين الماضيتين بعدما أصر الرئيس على عرض ذلك الشريط البائس؟ وهل يعقل أن يظل الشعب الجزائري يعاني منذ عقود طويلة ويلات الفقر والبطالة ونقص المواد الغذائية، بينما يحقق الكابرانات في قصر المرادية ومعهم الشركات الأجنبية في قطاعات المحروقات أرباحا خيالية؟
إن الجزائر تعيش للأسف الشديد ثنائية مقيتة، باعتبارها دولة غنية فيما الشعب ينخره الجوع والحرمان، وهو ما يعكس إلى أي حد باتت “العصابة” منعدمة الضمير أمام هذا التناقض الصارخ بين حكومات ذات خزائن مثخنة بملايير الدولارات وفئات عريضة من الشعب تعاني من تواصل تدني القدرة الشرائية وصعوبات في العيش الكريم، ويكشف بوضوح عن زيف الادعاء بأن الجزائر “قوة ضاربة”، والحال أنها مازالت مستعمرة ومغتصبة فيما حباها الله به من خيرات…
ترى إلى أين تذهب عائدات النفط والغاز التي تقدر بمئات الملايير من الدولارات، والشعب الجزائري يشكو العوز وضعف القدرة الشرائية وقلة المواد الغذائية؟
أليست كل تلك المداخيل والميزانيات كافية لبناء وتنمية البلاد وتوفير الرخاء والرفاهية للعباد؟ وأي مسؤول ذي حس وطني صادق ويملك ذرة من الأخلاق النبيلة، يقبل برؤية الجزائريين يتزاحمون في طوابير تكاد لا تنتهي، يستغرقون الساعات الطوال في انتظار الظفر بعلبة حليب أو قنينة زيت وغيرها، وكأن البلاد في حرب مفتوحة مع أعداء خارجيين؟
إنه لمن المؤسف حقا أن يصر النظام العسكري الجزائري الفاسد والحاقد على تبديد أموال الشعب في غير محلها، مفضلا التمادي في دعم ميليشيا البوليساريو الانفصالية والإجرامية بالمال والعتاد، وشراء ذمم ومواقف بعض ضعاف النفوس، لا لشيء سوى لمعاكسة مصالح المغرب واستفزازه ومحاولة زعزعة أمنه واستقراره، من خلال الرهان على قضية مفتعلة وخاسرة وباتت محسومة بشكل نهائي لفائدة الوحدة الترابية للملكة المغربية…
فمن الخزي والعار أن يتواصل هذا النزيف الذي كلف ميزانية الدولة أكثر من 500 مليون دولار في رعاية جمهورية الوهم، بينما الشعب الجزائري يعيش مختلف ألوان القهر والقمع والتهميش والإقصاء.
وهل يجدي الجزائريين نفعا بكاء بعض الوزراء، إذا ما كان الرئيسان عبد المجيد تبون والسعيد شنقريحة وغيرهما من أعضاء “العصابة” وأبنائهم مستمرين في نهب أموال الشعب، التي شيدوا بها ومازالوا يشيدون العمارات والمباني الفخمة ويستثمرونها في عدة مشاريع واعدة بالخارج، التي من المؤكد أنها لن تعود بالنفع إلا عليهم وعائلاتهم؟
اسماعيل الحلوتي