البرلمان ليس حديقة للحيوان!
البرلمان ليس حديقة للحيوان!
في خبر لافت وغير مسبوق، تداولته عديد الصحف والمنابر الإعلامية الأمريكية، تم الكشف من خلاله عن استضافة عائلة مغربية برلمانية لوفد من المستثمرين الإسرائيليين بدعوى تشجيع الاستثمار، وفق ما دعا إليه ملك البلاد محمد السادس في خطابه يوم الجمعة 14 أكتوبر 2022 بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان. حيث أبدى الوفد الإسرائيلي رغبته الأكيدة في إقامة مشاريع استثمارية بجهة مراكش، التي يرأس غرفتها الفلاحية رب تلك العائلة المغربية المستضيفة له.
ويتعلق الأمر هنا بالقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة المستشار البرلماني الحبيب بن الطالب، الذي إلى جانب رئاسته لغرفة الفلاحة لجهة مراكش – أسفي يرأس أيضا اتحاد الغرف الفلاحية بالمغرب، والذي نسب إليه تباهيه بما يملك من قدرة على بسط هيمنته على سير الانتخابات في مدينة مراكش واختيار الفائزين، وكيف أنه استطاع تهييء الظروف الملائمة ليس فقط لابنته وابنه في الحصول على مقعدين بمجلس النواب، بل حتى لزوجته التي تتربع على مقعدها منذ حوالي 15 سنة، وأنه بإمكانه إذا ما أراد ذلك جعل قطته هي الأخرى تحظى بمقعد نيابي معهم؟
وبصرف النظر عما أثاره الخبر من ردود فعل متباينة الذي انتشر على نطاق واسع عبر صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وعما إذا كان حقيقيا ما ورد فيه من تصريحات عديدة ومتنوعة، أم لا يعدو أن يكون تصفية حسابات ومزايدات سياسوية من قبل خصومه السياسيين، فإنه عاد لتسليط الضوء على ظاهرة غزو مجلس النواب ببعض العائلات، حيث يتمكن سياسيون من ضمان مقاعد برلمانية لأفراد من عائلاتهم وأقاربهم سواء عبر بوابة اللائحة الجهوية التي تم إقرارها قصد تعزيز تمثيلية النساء في المؤسسات الدستورية أو استعمال النفوذ الحزبي وغيره من الطرق الملتوية…
فطالما تشكلت اللوائح الانتخابية في الكثير من الدوائر الانتخابية من أفراد العائلة الواحدة، دون إتاحة الفرصة لمن هم أجدر بالترشح، حيث يلجأ بعض القياديين البارزين إلى إدراج أسماء زوجاتهم وأبنائهم وأقاربهم كوكلاء لتلك اللوائح، غير مكترثين بما يوجه لهم من انتقادات لاذعة، وهو ما يطرح سيلا من الاستفهامات حول مدى احترام معايير النزاهة والكفاءة والمنافسة الشريفة والديمقراطية الداخلية في الأحزاب، عوض اعتماد النسب والجاه والارتباط العائلي والولاءات الشخصية…
ذلك أن نشطاء شباب كثر لم ينفكوا يوجهون انتقاداتهم شديد اللهجة عبر شتى المنابر الإعلامية للطبقة السياسية كلما حلت مواسم الانتخابات، وخاصة لأولئك الذين لا يخجلون من ترشيح أبنائهم وأقاربهم بجوارهم في الانتخابات التشريعية والاستماتة من أجل الظفر بمقاعد برلمانية بمجلس النواب مهما كلفهم ذلك من ثمن، ويحرص ذات النشطاء على نشر صور النواب الفائزين عند ولوجهم مبنى البرلمان مرفوقين ببرلمانيين جدد، الذين ليسوا سوى بعض أفراد العائلة أبناء وبنات وزوجات وأشقاء وشقيقات وغيرهم… ولاسيما بعد أن ألزم النظام الانتخابي الأحزاب السياسية بتخصيص مقاعد للنساء والشباب.
ولنا في هذا الإطار عدة أمثلة لقياديين من مختلف الأحزاب السياسية تمكنوا من ضمان مقاعد نيابية لأفراد عائلاتهم بمجلس النواب دون كبير عناء، ولا داعي لذكر أسمائهم هنا بعدما أصبحوا معروفين لدى الخاص والعام.
وهو ما حول المؤسسة التشريعية إلى مجمع للعائلات، ويؤكد على انعدام الضمير والحس الوطني لدى بعض الساسة الذين جعلوا من العمل السياسي وسيلة للارتقاء الاجتماعي والاستفادة من الريع، والتوريث الذي يتعارض مع الاختيار الديمقراطي الذي يكرسه الدستور المغربي، فضلا عن أنه يفاقم ظاهرة العزوف عن الانتماء السياسي والمشاركة في الاستحقاقات الوطنية لدى الأجيال الصاعدة.
إذ رغم أن الدولة لم تفتأ تعمل على تحفيز الشباب من أجل قطع الطريق على المفسدين وسماسرة الانتخابات، فإن ذلك لم يجد نفعا أمام هذه الممارسات السيئة وغيرها من مظاهر الانتهازية والتهافت على المناصب والمكاسب، التي ساهمت بشكل وافر في نفورهم من العمل السياسي وعزوفهم عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، جراء فقدان الثقة في الأحزاب السياسية وقادتها.
إذ كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن معطيات مقلقة تفيد بأن 70 في المائة من الشباب لا يثقون كليا في جدوى العمل السياسي والانتخابات، وأن 5 في المائة يؤمنون بالعمل الحزبي، فيما أن 1 في المائة فقط هم من يزاولون الفعل السياسي من داخل أحزابهم، في وقت يشكل فيه الشباب 40 في المائة من الكتلة الناخبة…
إن ما ذهب إليه المستشار البرلماني “البامي” من قول عن إمكانية جعل قطته تحظى بمقعد نيابي متى ما أراد ذلك، يعد إهانة صريحة إذا ما ثبتت صحته ليس فقط لمجلس النواب، بل حتى لكل “نواب الأمة” بمن فيهم ابنته وابنه. مما يستوجب محاسبته على ما تلفظ به من كلام غير مسؤول. أبهكذا أسلوب استفزازي يمكن الحفاظ على صورة البرلمان وتحفيز المواطنين على الانخراط في العمل السياسي؟
من المؤسف حقا أن تضرب في العمق مثل هذه السلوكات الرعناء، كل تلك الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة من أجل تشجيع الشباب على الممارسة السياسية والمشاركة في الانتخابات كناخبين ومرشحين، علما أن دستور 2011 بوأ فئة الشباب وليس “القطط” مكانة خاصة في المشهد السياسي، وأن القوانين الداخلية للأحزاب ملزمة بإشراكهم في الهياكل التنظيمية وتفعيل الديمقراطية الداخلية، مع احترام معايير الاستقامة وصيانة الأمانة والكفاءة والمنافسة الشريفة بعيدا عن المجاملات واستعمال النفوذ بمختلف أشكاله.
اسماعيل الحلوتي