الجزائر ما بعد القمة العربية
الجزائر ما بعد القمة العربية.
سعيد الكحل
انتهت القمة العربية العادية الواحدة والثلاثون في الجزائر دون قرارات جوهرية تهم أوضاع البيت العربي الذي بات يشكو من تصدعات عميقة في أساساته.
ومنذ الإعلان عن تاريخ انعقاد القمة، قبل ثلاث سنوات، ضعُف الرهان على نتائجها لأسباب تعود إلى ضعف مقومات التضامن العربي واستفحال أسباب التنافر.
ذلك أن التحالفات التي تشكلت بين دول عربية وقوى إقليمية وسعت إلى الهيمنة وإعادة رسم خريطة العالم العربي بما يحقق أحلامها في التوسع، لم تزد الوضع العربي إلا تأزما.
ومما أفقد أمل قادة دول عربة وازنة في نجاح القمة بمدخلاتها ومخرجاتها، إصرار حكام الجزائر على تأجيج العداء ضد المغرب دون دواعي موضوعية لذلك.
إذ لم يكتف حكام الجزائر باعتماد لغة “الحرب” في مخاطبة المغرب ونعته بـ”العدو الكلاسيكي” متجاهلين كل المبادرات الملكية، وفي المناسبات الوطنية الرسمية، وكذا الرسائل الموجهة للرئيس الجزائري، من أجل الحوار وتجاوز كل الخلافات وفتح الحدود بين البلدين؛ بل اتخذوا سلسلة من القرارات العدائية ضد المغرب الغاية منها “خنقه” اقتصاديا بهدف تفجير الأوضاع الاجتماعية. وكان من أبرز تلك القرارات وأكثرها كيْدا وعداء: أ ــ وقف تدفق الغاز عبر الأنبوب المار عبر المغرب نحو إسبانيا. ب ــ إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات المغربية. ج ـ الضغط على إسبانيا لمراجعة موقفها المؤيد لمبادرة الحكم الذاتي. د ــ التآمر مع الرئيس التونسي ضد المغرب باستقباله زعيم البوليساريو استقبال الرؤساء في قمة تيكاك 8 مقابل قروض لتجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة.
هذا فضلا عن مناورات حكام الجزائر لعزل المغرب عن محيطه الإفريقي، والتي باءت بالفشل. كما انخرط حكام الجزائر في مؤامرات ضد دول عربية بعينها خلال مرحلة الأعداد للقمة العربية التي تأجلت ثلاث سنوات بسبب وباء كوفيد 19، بحيث ساندت قرار إثيوبيا في الاستحواذ على غالبية مياه النيل صد الإضرار بمصالح مصر، ثم فتحت المجال لإيران وصنيعتها حزب الله لتدريب عناصر البوليساريو وتسليحهم بغرض مهاجمة المغرب.
بل إن حكام الجزائر سمحوا لإيران بالتغلغل في المجتمع الجزائري عبر نشر المذهب الشيعي على نطاق واسع مقابل دعم البوليساريو.
ففي 2017 أوقفت السلطات الجزائرية أكثر من 400 مواطن جزائري عائدين من العراق وإيران بعد مشاركتهم فـي طقوس عاشـوراء وأربعينية الحسين بالعـراق وإيران.
وفي نوفمبر 2015، دعا زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، شيعة الجزائر إلى “عدم التقوقع وعدم الخوف من الثلة الضالة والعمل على توحيد الصف مع المعتدلين والأقليات الأخرى”، ضد ما أسماه “الثلة الضالة” في إشارة إلى المكوّن السني في الجزائر.
وأمام خطورة المد الشيعي، عمل وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق، محمد عيسى، سنة 2016، على تشكيل جهاز تفتيش يتولى مكافحة حركات التشيع في البلاد، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية.
وأكد الوزير، حينها، بأن الجزائر مستهدفة في مرجعيتها الدينية بسبب وجود “مخططات طائفية لزرع الفتنة في المجتمع الجزائري”.
رغم كل التقارير الصادرة عن جهات رسمية جزائرية حول المستويات الخطرة التي وصلها التغلغل الإيراني في المجتمع الجزائري ومؤسساته (وصول أعضاء متشيعين إلى البرلمان)، فإن حكام الجزائر الحاليين متواطئون مع إيران ضد مصالح وطنهم وضد أمن المغرب واستقرار عموم منطقة شمال إفريقيا.
تواطؤ بات مفضوحا منذ الولاية الأخيرة للرئيس بوتفليقة الذي سمح لعناصر حزب الله اللبناني بتدريب عصابات البوليساريو على حفر الأنفاق وحرب العصابات واستعمال الأسلحة المتطورة التي تزودهم بها إيران.
ومع تولي تبون رئاسة الجزائر تقوّى التواطؤ واتخذ أبعادا خطيرة تمثلت في تزويد إيران للبوليساريو بأنواع متطورة من الصواريخ وكذا الطائرات المسيرة.
إذن، العداء للوحدة الترابية للمغرب يوحد مواقف إيران والجزائر حول دعم البوليساريو عسكريا ودبلوماسيا، بحيث أكد المستشار الأول للبعثة الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة، محمد رضا سهرايي، في مارس 2021، بشكل علني، على دعم بلاده لجبهة البوليساريو، مصرحاً أن إيران تقف إلى جانب “حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير”. مقابل هذا الدعم، ناورت الجزائر، خلال القمة العربية 31، حتى لا يتضمن البيان الختامي أي إدانة عربية صريحة للتدخل الإيراني في شؤون الدول العربية.
إذ جاء البيان بعبارات عامة تدعو الدول الأعضاء في الجامعة إلى عدم السماح باستخدام أراضيها كملاذ للتحريض ودعم الإرهاب ضد دول أخرى.
الآن وقد أنهت القمة العربية أشغالها وعاد رؤساء الوفود إلى دولهم، فهل سيحترم حكام الجزائر مخرجات القمة ويلتزمون بتنفيذ توصياتها؟ لا شك أن حكام الجزائر ملزمون أخلاقيا وسياسيا، بأجرأة توصيات القمة العربية التي أرادوها “قمة لم الشمل”، وذلك بـ”ضرورة توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله وتجفيف منابع تمويله والعمل على تعبئة المجتمع الدولي ضمن مقاربة متكاملة الأبعاد تقوم على الالتزام بقواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، لا سيما فيما يتعلق بمطالبة الشركاء بعدم السماح باستخدام أراضيهم كملاذ أو منصة للتحريض أو لدعم أعمال إرهابية ضد دول أخرى” وفق نص البيان.
لكن الواقع يثبت أن الجزائر هي أول دولة تناقض مواقفُها ما تم الاتفاق عليه في بيان القمة العربية من حيث كونها تحتضن منظمة انفصالية/إرهابية وتدعمها دبلوماسيا وإعلاميا فضلا عن التسليح والتدريب.
ومادام حكام الجزائر يتبنون وتدعمون أطروحة الانفصال ضد المغرب، فإنهم لن تلتزموا بوقف التحرش بأمنه واستفزازه وذلك عبر منع استخدام “أراضيهم كملاذ أو منصة للتحريض أو لدعم أعمال إرهابية ضد دول أخرى” كما جاء في البيان الختامي.
فالعداء المقيت الذي يكنه حكام الجزائر ويظهرونه للمغرب ولوحدته الترابية، من شأنه أن يعطل “العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل وبكل أبعاده السياسية والاقتصادية والغذائية والطاقوية والمائية والبيئية، والمساهمة في حل وإنهاء الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، بما يحفظ وحدة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها وسيادتها على مواردها الطبيعية ويلبي تطلعات شعوبها في العيش الآمن الكريم”؛ لأن الالتزام بهذا التضامن يفرض على الجزائر التخلي عن دعم الانفصال والإرهاب، والانخراط، في المقابل بدعم “المساعي والجهود التي تبذلها العديد من الدول العربية، لاسيما دولة الكويت، بهدف تحقيق التضامن العربي والخليجي”.
خلاصة القول، إن عقيدة العداء المتمكّنة من حكام الجزائر تجاه المغرب لن تسمح لهم بالانضمام وتنفيذ توصيات القمة العربية أو التجاوب عمليا مع مبادرات المصالحة التي بادرت بها بعض الدول العربية لإصلاح ذات البين وطي صفحة الخلافات بين المغرب والجزائر. فالمغرب، وعلى مدى خمسة عقود، يمد يده لحكام الجزائر ويدعوهم إلى الحوار والتعاون لما فيه صالح للشعبين والدولتين.
لكن حكام الجزائر لم تزدهم دعوات المغرب هاته إلا عداء وتآمرا.
لهذا لا يراهن المغرب على نضج حكام الجزائر وتغليبهم للحكمة ولمصلحة شعوب المنطقة وأمنها، بقدر ما يراهن على تعزيز قدراته الدفاعية وتمتين تحالفاته الاستراتيجية التي ستمكّنه من اكتساب التكنولوجية الحربية وتطوير أداء آلته الحربية لمواجهة أي عدوان يستهدف ترابه وأمنه.