المُوَّاء الديمقراطي ممكن مع برلمانيين من طينة لحبيب بن الطالب
المُوَّاء الديمقراطي ممكن مع برلمانيين من طينة لحبيب بن الطالب
محمد إنفي
يبدو أن ديمقراطيتنا الفتية قد تتعزز، في المستقبل المنظور، بالمواء الديمقراطي حسب ما يُستشَفُّ من حديث البرلماني لحبيب بن الطالب في حضرة وفد إسرائيلي، استضافه في بيته بمراكش. وبما أن البرلمان المغربي لا يخلو من أمثال بن الطالب (وقد يكونون كُثرا)، الذي افتخر بقدرته على إيصال قطته إلى هذه المؤسسة، فلا غرابة إن وجدنا أنفسنا، مستقبلا، أمام فريق برلماني خاص بالقطط. فالأمر لا يتوقف إلا على الإرادة الشخصية للبرلمانيين الذين وصلوا إلى المؤسسة التشريعية بالطريقة التي وصل بها لحبيب بن الطالب وأوصل بها أبناءه؛ إذ من المؤكد أن هذا الأخير ليس الوحيد الذي له القدرة على تمكين قطته من العضوية في البرلمان.
وقد يكون لهذا الحيوان الأليف، في المستقبل، فريق بمجلس المستشارين وآخر بمجلس النواب، ليستقيم المواء التشريعي، خاصة وأن الأمر يتوقف فقط على الإرادة الشخصية للبرلمانيين أمثال لحبيب بن الطالب.
ونعتقد أن بالأغلبية البرلمانية التي تمثل “التغول”، عددا لا يستهان به من أمثال هذا الأخير، والذين وصلوا إلى المؤسسة التشريعية بالطريقة التي أوصل بها ابنته وابنه إليها.
لقد تفاخر البرلماني المذكور، العضو بمجلس المستشارين، أمام وفد إسرائيلي، استضافه في بيته بمراكش، بكونه “نجح في إيصال ابنته وابنه إلى عضوية البرلمان المغربي”، مضيفا أن بإمكانه “أن يوصل قطته لعضوية المجلس إذا أراد”. أليس هذا دليلا ساطعا على الفساد الانتخابي الذي يمارسه أصحاب المال والنفوذ؟ ألا يشكل هذا الاعتراف عنوانا صريحا على الفساد السياسي الذي ينخر جسم ديمقراطيتنا الفتية؟
إن البرلماني لحبيب بن الطالب، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، يقدم لنا نموذجا صارخا ومنتوجا “أصيلا” فاضحا للفساد الانتخابي.
إن هذه الآفة تلحق أضرارا بليغة بديمقراطيتنا الفتية.
فالقول بالقدرة على إيصال قطته إلى عضوية البرلمان، هو، من جهة، تحقير لهذه المؤسسة وإهانة لها وللمنتسبين إليها؛ ومن جهة أخرى، هو اعتراف صريح، وبعظمة لسانه، بأن لا شيء يمنعه من فعل ما يريد للوصول إليها وإيصال أحبته (الزوجة والأبناء والإخوة) كذلك، ما دام قادرا على فعل ذلك من أجل قطته.
فمن أين له بهذه القدرة إن لم يكن المال والنفوذ؟ وهذه هي العلة الأساسية التي تعاني منها ديمقراطيتنا.
لقد أهان البرلماني لحبيب بن الطالب المؤسسة التشريعية إهانة بليغة ومرَّغ في الوحل مهمة ممثل الأمة، وسفَّه، ببلادة، الوظيفة التمثيلية تسفيها حقيقيا، وعرَّى من حيث لا يدري أحد أسباب ضعف مؤسساتنا التمثيلية.
وقد فعل ذلك أمام شهود، وبمحض إرادته، مما يطرح أكثر من تساؤل.
ولمواجهة آفة الفساد الانتخابي والريع السياسي، الذي لا يخفى ضرره على البلاد والعباد، فإنه يتعين على الدولة ومؤسساتها المعنية (مؤسسات الحكامة والرقابة، وزارة الداخلية، وزارة العدل وغيرها) أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في محاربة الرشوة الانتخابية المتمثلة في الإغراء وشراء الذمم، في استغلال مكشوف للفقر والهشاشة.
لقد أصبح المال، وهذا ليس سرا، عنصرا أساسيا في إفساد الحياة الديمقراطية ببلادنا، بعد أن توارى عن الأنظار التزوير المكشوف والتلاعب المفضوح في النتائج.
لقد عوض المال الذي ينفق بسخاء تلك الممارسات السابقة، وأصبح عنصرا حاسما، بالنسبة لأصحاب المال والنفوذ، في ضمان المقعد بالبرلمان.
وهذا ما يتسبب في استمرار ضعف المؤسسات وهشاشتها.
ويكفي أن نستحضر سلوك البرلمانيين تجاه القضايا الكبرى للوطن من قبيل الاستثمار، على سبيل المثال لا الحصر.
وأحيل، هنا، على ما جاء في عمود “كسر الخاطر” للكاتب الصحافي والمحلل السياسي عبد الحميد جماهري، مدير نشر وتحرير جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، ليوم الخميس 20 أكتوبر 2022، بعنوان “الاستثمار بين خطاب الملك وسلوك البرلمان!”.
ويسجل جماهري في مطلع عموده بأن “المؤسسة الأولى التي تعطل الحماس الذي تطلقه الخطب الملكية…هي البرلمان! “، مضيفا “وقد كان كافيا أن يجد البرلمانيون أن عليهم مناقشة القانون الإطار المتعلق بالاستثمار، ليغتنموها فرصة من أجل … الغياب”، رغم أن مثل هذه المناسبة “لم تحن منذ ربع قرن مضى، في حين غاب ما يفوق الضعف عن الجلسة”.
لا أعتقد أن الأمر خاص بالبرلمان، وإن بتفاوت. فالوضع قد لا يكون مختلفا، إلا ربما فيما ندر، على مستوى الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات ما دامت الأغلبية قد مارست “التغول” حتى على هذا المستوى.
وما تعيشه جماعة مكناس، على سبيل المثال، من “بلوكاج” ما هو إلا مظهر من مظاهر الضعف والهشاشة التي ينتجها الفساد الانتخابي.
وللمسألة جذور تاريخية؛ فالتعددية الحزبية في بلادنا مصطنعة وتشكل عرقلة حقيقية للبناء الديمقراطي السليم.
وقد لعبت الدولة، عبر التجارب الانتخابية التي عرفتها بلادنا منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، دورا حاسما في تمييع الحياة السياسية المغربية من خلال تفريخ ما يعرف في القاموس السياسي المغربي بالأحزاب الإدارية أو أحزاب “الكوكوط مينوت”.
وقد لجأت الدولة إلى هذه الكائنات الحزبية المصطنعة لإضعاف الأحزاب الوطنية التي كانت متجذرة في النسيج المجتمعي المغربي، وكانت في صراع مع الدولة من أجل دمقرطة الحياة السياسية. وهذا معطى تاريخي معروف ولا حاجة للتفصيل فيه.
وأكتفي بالإحالة على مقال لي في الموضوع بعنوان “التعددية الحزبية بالمغرب بين “خطيئة” النشأة و”شرعية” الواقع” (نشر بموقع “لكم” بتاريخ 28 نوفمبر 2016).
خلاصة القول، الفساد الانتخابي، سواء بفعل الرشوة الانتخابية أو استغلال النفوذ، لا تقل خطورته على الدولة والمجتمع ومؤسساتهما عن خطورة باقي أنواع الفساد الذي تعمل الدولة على محاربته.
وإذا كانت قوة الدولة من قوة مؤسساتها، فإن المؤسسات التمثيلية لا تساير هذه القوة؛ بل تسيء إليها لضعفها وهشاشتها للأسباب التي ذكرنا.
إن ديمقراطيتنا الفتية بحاجة إلى الحماية من الفساد والمفسدين.
وعلى الدولة ومؤسساتها المختصة أن تتحمل مسؤوليتها في صون المؤسسات التمثيلية من عبث العابثين.