المرأة المغربية في عهد الملك محمد السادس
عمر ابو إلياس
*المرأة المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده*
…“إن بناء مغرب التقدم والكرامة الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة رجالا ونساء في عملية التنمية. لدى، نشدد مرة أخرى على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كل المجالات”…
خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بمناسبة الذكرى 23 لعيد العرش المجيد 30/07/2022.
إن أحد أبرز معالم عهد الملك محمد السادس حفظه الله هو المكانة التي أصبحت تحتلها المرأة المغربية في مختلف مناحي الحياة الوطنية، وهي مكانة شهدت منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس حفظه الله تحولا ومنعطفا تاريخيا، على جميع المستويات، ويحق للمرأة المغربية، بل لبلادنا اليوم أن تفخر وتعتز بهذه الرعاية الملكية السامية للمرأة المغربية ولأحوالها، وهو الأمر الذي جسدته العديد من المبادرات الملكية السامية:
1/ شكلت مدونة الأسرة التي تم التوافق حول المضامين الخلافية فيها في إطار لجنة ملكية، خطوة تاريخية نحو إنصاف المرأة المغربية التي ظلت لعقود تعاني من بعض مظاهر التحجر ورفض الاجتهاد، وهو الأمر الذي تحقق في إطار ممارسة جلالة الملك لاختصاصاته الدينية كأمير للمؤمنين وحامي حمى الملة والدين.
فإصدارها يعتبر من أبرز التحولات والإصلاحات التي شهدها المجتمع المغربي وأطلقها الملك محمد السادس نصره الله وأيده منذ توليه العرش حيث تضمنت بنودا جديدة تمت المصادقة عليها من طرف البرلمان المغربي عام 2004، من أجل حماية حقوق المرأة والطفل ووضعية الأسرة ككل.
وتتجلى أبرز هذه البنود التي جاءت بها مدونة الأسرة المغربية: رفع سن الزواج إلى 18 عاما بالنسبة للزوجين، ووضع الطلاق تحت مراقبة القضاء، واستفادة المطلقة من الأموال المكتسبة أثناء الحياة الزوجية، وعدم زواج الرجل بثانية إلا بعد موافقة كتابية من الزوجة الأولى.
كذلك اعتبار الولاية حقا للمرأة الرشيدة تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها وعدم إجبار المرأة على الزواج، وللمرأة الحرية في أن تفوض أبيها أو احد أقاربها حسب رغبتها وبذلك تم استبعاد مفهوم الوصاية في الولاية في الزواج بالنسبة للمرأة،
وهو يعتبر مكسبا قانونيا كبيرا للمرأة خاصة والأسرة عامة، نظرا لما تتضمنه من قوانين ترمي إلى الحفاظ على مصالحهم.
2/ شكل الحضور البارز للمرأة المغربية في الحقل الديني أحد مظاهر تلك العناية الملكية السامية، وهو الأمر الذي تجسد بوضوح في إلقاء العديد من الشخصيات النسائية لدروس في إطار سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، هذا علاوة على فسح المجال للمرأة المغربية لولوج مجال الوعظ والإرشاد والتأطير الديني وعضوية المجالس العلمية الإقليمية والمجلس العلمي الأعلى.
ففي خطاب يوم 30 أبريل 2004، أوصى الملك محمد السادس بضرورة إشراك المرأة المتفقهة في هيكلة هذه المجالس إنصافا لها، وتحقيقا لمبدأ مساواتها مع الرجل، واهتماما بأوضاعها وتمتيعها بكل الحقوق المستحقة، حيث تم ادماجها في المؤسسات الدينية واشراكها فيها بقوة، من خلال تكريس اسهامها في نشر مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وترسيخ قيمه السامية وتعاليمه السمحة، وكل ذلك بهدف مكافحة التطرف وتخفيض درجات الاختلال داخل المجتمع، وتحقيق النهضة الشاملة للأمة.
الشيء الذي كرس دور المرأة بوصفها نصف المجتمع، وتوأم الرجل، والركن الأساس للأسرة في التوجيه الديني السليم لمختلف شرائح المجتمع وفئاته، وخاصة في القطاع العريض من النساء.
3/ في نفس السياق جاء القرار الملكي السامي الذي تم بموجبه فسح المجال للمرأة المغربية لأول مرة بولوج خطة العدالة، إلى جانب شقيقها الرجل،الذي يأتي في إطار الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة ويشكل قيمة مضافة لهذه المهنة وإغناء للرصيد التاريخي والحضاري الذي تتميز به، وخطوة أخرى تعزز حضور المرأة المتميز في كافة المجالات المؤسساتية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقانونية والحقوقية تجسيدا لمبادئ المناصفة وتكافؤ الفرص.
4/ بالإضافة إلى هذه المجالات المرتبطة بالحقل الديني، فإن الدستور المغربي الصادر سنة 2011 الذي جاء نتيجة الخطاب الملكي السامي ليوم 9 مارس، ليشكل ثورة في مجال الحقوق والحريات وفي مقدمتها حقوق المرأة المغربية، الذي نص بوضوح على العديد من الحقوق والمبادئ والمعايير ذات الصلة بحقوق المرأة كما تضمنتها العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية،كحظر أي شكل من أشكال التمييز بسبب الجنس و ضرورة تمتع المرأة والرجل على قدم المساواة بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و البيئية تعزيزا لمبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة و مكافحة جميع أشكال التمييز، الأمر الذي فرض على المشرع المغربي مراجعة مجموعة من النصوص القانونية وملاءمتها مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب و يتعلق الأمر بمدونة الأسرة، وقانون الشغل، والمسطرة الجناية و كفالة الأطفال المهملين وغيرها من القوانين الاخرى.
5/ إن التحول الذي هم المشاركة السياسية للمرأة المغربية، يعد أيضا من مظاهر العناية الملكية السامية بالمرأة المغربية وبحقوقها، حيث عرف حضور المرأة المغربية في المؤسسة التشريعية وكذا في الهيئات السياسية والجماعات الترابية تحول مهم ما كان يتصور حدوثه لولا الإطار القانوني الذي جرى تعديله وتطويره بتوجيهات ملكية سامية بدءا من دستور 2011 الذي شكل منعطفا هاما في مسار تكريس حقوق المرأة المغربية ومشاركتها السياسية وبموجب نصوص قانونية منبثقة عن الوثيقة الدستورية، حيث تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات القانونية والمؤسساتية التي من شانها إدماج المرأة في كل مناحي الحياة السياسية وذلك بفتح باب مشاركتها وولوجها الى مؤسسات الدولة وجعلها ممتلكة للقوة والامكانيات والقدرة لتكون عنصرا فاعلا في التغيير وتعزيز قدراتها في المشاركة السياسية بصورة فعالة في كافة نشاطات المنظمات السياسية والمدنية من نقابات وأحزاب ومجتمع مدني وإيصالها الى مواقع اتخاذ القرار في المجتمع والمؤسسات.
…“لقد حرصنا منذ اعتلاءنا العرش على النهوض بوضعية المراة وفسح افاق الارتقاء لها واعطائها المكانة التي تستحقها… والامر هنا لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية وانما باعطائها حقوقها القانونية والشرعية وفي المغرب اليوم لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها، وهنا ندعو لتفعيل المؤسسة الدستورية”…
خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بمناسبة الذكرى 23 لعيد العرش المجيد 30/07/2022.
ويحرص صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، على أن تنال المرأة المغربية جميع حُقوقها على قدم المساواة بأخيها الرجل، وذلك عبر دعمه تمدرس الفتيات وتمكين المرأة من الوصول إلى مناصب صنع القرار، إضافة إلى ضمان المساواة ومكافحة جميع أشكال التمييز طبقا لمقتضيات دستور 2011.
ومن بين المُكتسبات كذلك التي حققتها المرأة في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، ما دخل من تعديلات على قانون الجنسية، إذ أصبح من الممكن للمرأة مثل الرجل أن تقوم بمنح الجنسية لزوجها وأطفالها الأجانب، عكس ما كان قائما في السابق.
وفي نفس السياق، وبقرار من صاحب الجلالة، تم السماح للمرأة المغربية سنة 2017، بولوج مهنة “العدول” التي كانت حكرا على الرجال، مما يؤكد على الدأب القويم والمستديم للملك في إنصاف النساء ومساواتهم مع الرجال.
ومن الدلالات القوية على اهتمام صاحب الجلالة بحماية حقوق النساء أيضا، إصدار وزارة الداخلية لدورية تمكن النساء السلاليات من الاستفادة من نصيبهن في أراضي الجموع على منوال الرجال.
6/ يشكل المجال الاجتماعي أيضا مساحة مهمة في إطار المجهودات الملكية الجبارة التي توخت صون كرامة المرأة المغربيةّ، وتم إعداد العديد من المقتضيات والبرامج التي استهدفت بشكل مباشر دعم النساء خصوصا اللواتي يعانين من الهشاشة.
فالاهتمام بالنهوض وحماية حقوق النساء شكل أولوية وطنية، بفضل الحرص الشخصي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على النهوض بوضعيتها الإجتماعية وحمايتها من كافة أشكال التمييز والاستغلال، وهو ما أكدته الخطب الملكية منذ تولي جلالته عرش المملكة، وكذا تعليماته السامية المتواصلة للحكومات المتعاقبة لبلورة سياسات وبرامج لتعزيز المساواة بين الجنسين، مع إيلاء أهمية كبرى للنساء في وضعية هشاشة، خاصة بالعالم القروي.
وفي هذا الإطار وضعت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، منذ إطلاقها سنة 2005، من خلال برامجها الطموحة والبراغماتية، تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للنساء، لاسيما المنحدرات من الوسط القروي، في صلب أولوياتها.
ووفقا للرؤية المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيد فإن المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تم إطلاقها في 2018، تجسد الرؤية الملكية السامية، من خلال البرنامج الجديد المتمثل في الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، الذي يؤكد أن المرأة هي العنصر الأساسي في التنمية الاقتصادية والبشرية، وهي العنصر الفاعل والأساسي القادر على إنجاح دينامية التنمية البشرية عبر الاعتناء بالطفولة المبكرة، التي تعتبر دعامة أساسية للمبادرة الوطنية، حيث لا يمكن تحقيق الأهداف دون مساهمة المرأة، سواء تعلق الأمر بالصحة، أو بالتغذية أو التعليم.
ففي ما يتعلق بالصحة، تحرص المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على إشراك أمهات المستقبل منذ المراحل الأولى للحفاظ على صحتهن وصحة أطفالهن، وذلك من خلال توفير المبادرة للنساء مراكز استقبال مخصصة، ودور الأمومة المتواجدة في ربوع المملكة، لكي تستفيد النساء من الرعاية الصحية ومن العديد من الخدمات، مثل أطقم الولادة وبرامج التوعية التي تهم الصحة والتغذية.
بالإضافة إلى النظام الصحي الجماعاتي الذي تم إنشاؤه في إطار اتفاقية ثلاثية بين وزارة الصحة والحماية الإجتماعية واليونيسيف والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لتسهيل تتبع الولادة والرعاية قبل وبعد الولادة…
كما أن وحدات التعليم الأولي الممولة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالعالم القروي، يشرف عليها طاقم بيداغوجي مكون أساسا من مربيات ينحدرن من الساكنة المحلية، حيث أن أزيد من 3 آلاف مربية تشرف على تربية وتعليم 48 ألف فتاة متمدرسة بوحدات التعليم الأولي.
و تساهم المبادرة في مجال التعليم في التقليص من الهدر المدرسي، لا سيما فئة الفتيات، من خلال تحسين ظروف التعليم وتوفير النقل المدرسي وإحداث دور الطالبة، خاصة في المناطق القروية والشبه الحضرية ( الأتار الإيجابية: النتائج المحققة في امتحانات البكالوريا)، حيث مكنت دور الطالبة من إيواء أزيد من 26 ألف فتاة.
مساهمة المبادرة في إحداث أحياء جامعية للطالبات المنحدرات من الوسط القروي ( أكادير إداوتنان نموذج).
ومن خلال البرنامج الثاني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية المتعلق بمواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة يتم دعم النساء، حيث تستفيد أزيد من 100 ألف امرأة من خدمات هذا البرنامج.
كما أن برنامج تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب مكن من إستقبال ومواكبة 30 ألف مستفيدة بمنصات الشباب بمختلف ربوع المملكة.
ويبقى الإدماج الإقتصادي للمرأة أساسيا بالنسبة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية على اعتبار دورها في خلق تحسين الظروف المادية للأسر.
و في هذا الصدد فإن العديد من التعاونيات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي التي تدعمها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الناشطة خاصة في قطاع الصناعة التقليدية أو قطاع التغذية الزراعية، تديرها أساسا نساء.
وفي إطار الحكامة فإن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تلتزم بتعزيز تمثيلية المرأة بهيئات الحكامة الترابية، حيث تمثل المرأة ربع أعضاء اللجن المحلية مما يعزز مكانتها في المشاركة في صنع القرار، وتتبع تنفيذ المشاريع في الميدان، خدمة للتنمية البشرية في بلادنا.
ونظرا الحيز الضيق فلا يمكن تعداد المبادرات الملكية السامية التي توخت إنصاف المرأة المغربية، فيكفي هذه الاخيرة فخرا أن ما تحقق لها في عهد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره ما زال حلما بعيد المنال لدى النساء في العديد من الدول.
حفظ الله مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس ودام له العز والنصر والتمكين.