السَّعُودِيّة وإِيرَان.. صِرَاعٌ جِيُوسِيَاسِيّ بِغِلَافٍ مَذْهَبِيّ !
بعد تنفيذ حكم إعدام المعارض الشيعي نمر باقر نمر برفقة 46 آخرين من المحكوم عليهم بدوافع إرهابية من قبل السلطات السعودية وذلك يوم 02 يناير 2016، الشيء الذي حدا بالسلطات الإيرانية إلى إصدار سلسلة من التهديدات من أعلى سلطة في البلاد والمتمثلة في علي الخامنئي في حق المملكة العربية السعودية متوعدا إياها بما أسماه ” العقاب الإلهي” وليس مكتفيا بمجرد انتقادات لحادث الإعدام في حق واحد من أشرس معارضي نظام الحكم في البلاد.
غير أن الأمر المثير للانتباه والاستغراب في ذات الآن، هو أن السلطات الإيرانية التي تعتبر كثاني منفذ لأحكام الإعدام في العالم بحسب إحصائيات للعديد من المنظمات الحقوقية ، والتي تتباكى الآن عن حقوق الإنسان وحادث الإعدام بحق شخص معارض يعتبر بمثابة طابور خامس لمشروعها في المملكة العربية السعودية، بغض النظر عن مدى صوابية هكذا حكم من عدمه من الناحية الحقوقية، إلا أنه يبقى شأنا سياديا و داخليا للسعودية، حيث نصبت نفسها كمدافع عن حقوق المظلومين و هي التي ما فتئت تنكل بأقليات عرقية كالأذريين وقيامها بإعدامات بالجملة وفي صمت في حق العرب الأحواز و السنة، و تعمق من مآسي شعوب بأكملها بمعية أدرعها العسكرية و ميليشياتها الطائفية في منطقة الشرق الأوسط كسوريا و العراق و اليمن، الشيء الذي يدفعنا للتساؤل عن الأسباب الكامنة وراء ذلك، هل هي لأهداف مذهبية خالصة أم للترويج لمشروعها الفارسي-الصفوي في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي مستخدمة التجييش الطائفي و نشر التشيع في سبيل ذلك؟.
إن حادث الإعدام وما واكبه من أعمال عنف وحرق في حق السفارة السعودية بطهران وقنصليتها في مشهد، في خرق سافر للاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحماية البعثات الدبلوماسية وما تلاه من ردود فعل، والتي سرعان ما تبلورت في شكل قطع تام للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كما تندر بمزيد من التطورات التي قد تلقي بظلالها على العلاقة الخليجية الإيرانية وعلى مسار الأحداث في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. غير أن هذه التطورات في مجريات الصراع ليست وليدة اليوم وإن ظلت كامنة أو غير مباشرة منذ عقود وبدأت في التسارع والتأجيج بشكل خاص منذ انهيار نظام صدام حسين الذي لطالما اعتبر كأكبر سد في وجه المشروع الفارسي-الشيعي، وحادث إعدامه بأيدي شيعية وفي أجواء لا تخلو من روح الانتقام وفي يوم عيد الأضحى من سنة 2003 وما يجسده ذلك من رمزية ودلالة لأكثر من مليار مسلم سني في العالم.
أمام انهيار نظام صدام حسين وتقديم بلاده على طبق من فضة للإيرانيين وحلفاءهم من أحزاب شيعية كحزب الدعوة والتيار الصدري، من قبل الولايات المتحدة وما تلا ذلك من حالة الفوضى، وهو ما اعتبر كأكبر خطأ استراتيجي ارتكبته الولايات المتحدة بحسب القائد السابق للجيش الأمريكي بأوروبا الجنرال الأمريكي » ويسلي كلارك « ،حيث أصبحت البلاد مسرحا مفتوحا لأعمال العنف الطائفي و التفجيرات المتعددة و العشوائية و مجالا خصبا لأنشطة العديد من التنظيمات المتطرفة التي بدأت أولاها بتنظيم الزرقاوي و القاعدة و داعش و غيرها ، في مقابل المشروع الإيراني الذي أخذ في التمدد ليشمل مناطق متعددة في المنطقة، حيث أخذ بدوره أشكالا متعددة، مباشرة أحيانا كما الحال في سوريا عبر الحرس الثوري وحلفاءه الشيعة كحزب الله اللبناني وعصائب أهل الحق العراقي و لواء أبو الفضل العباس ومليشيا جيش المهدي، أو غير مباشر كما هو واقع في اليمن عبر الدعم العسكري لحلفائها الحوثيين ضدا على خطة التسوية الأممية للسلام وضدا على الشرعية الانتخابية، أو عبردعم حلفاءها في البحرين ضد نظام الحكم بالبلاد، أو دعم حزب العمال الكردستاني PKK الانفصالي ضد الجمهورية التركية. فأمام هذا التمدد الجيوستراتيجي الذي يتوخى توسيع دائرة النفوذ في المنطقة، وجدت المملكة العربية السعودية خصوصا بعد الاتفاق النووي الإيراني من قبل الدول 5+1، نفسها مضطرة للتعامل بحسم والتصدي بشكل مباشر لهذا المشروع الذي أخذ يطرق أبوابها وأبواب البحرين واليمن المجاور الذي يعتبر بمثابة حديقتها الخلفية، أو عبر دعم وكلاءها في منطقة “الإحساء” و “القطيف” ولعل من أبرزهم نمر باقر نمر الشيء الذي أصبح يعرضها لخطر وجودي أكثر من أي وقت مضى.
• عطش الحسين وتجويع “مضايا” ..أية مفارقة؟
إن التدخل الإيراني الفج والذي ظهر بشكل واضح من خلال مجريات الصراع السوري على مدى ما يقارب الخمس سنوات وما واكبه من مآسي تمثلت في أكثر من 300.000 قتيل وأزيد من تسع ملايين لاجئ ومشرد سوري وتعريض البلاد لخطر التقسيم، يظهر بجلاء الخطورة التي يكتسيها هذا المشروع، كما يظهر زيف ادعاءات المشروع الشيعي لولاية الفقيه الذي لطالما تباكى على مظلومية الشيعة وأهل البيت ومأساة كربلاء و الإمام الحسين و عطشه متخذا من ذلك كفلسفة للترويج لمشروعه ولما يسميه مناصرة المظلومين ، إذ سرعان ما قامت الميليشيات التابعة له و المتمثلة في حزب الله اللبناني بما هو أسوأ من ذلك، و المتجسد في فرضها للحصار الخانق منذ شهر أكتوبر الماضي لحوالي 42000 شخص ببلدة “مضايا” السورية فضلا عن بلدتي “كفريا” و “الفوعة” وما تمخض عنه من كارثة إنسانية تمثلت في حالة التجويع و الهزال الشديد للعديد من الأطفال و النساء و الشيوخ بحسب تقرير Human Rights Watch ، وهو أمر لم يحدث سوى في معسكرات النازية خلال الحرب العالمية الثانية، أو حصار “سربرنيتشا “خلال حرب البوسنة و الهرسك في تسعينيات القرن الماضي، الشيء الذي سيسجله التاريخ الحديث لينضاف بذلك إلى سجل القرامطة في حق الكعبة المشرفة و التحالف مع المغول وغيرها من المواقف الصفوية التي لطالما غردت خارج السرب.
غير أن الأمر المؤسف تماما، أننا لم نسمع لحدود الساعة ولو موقفا واحدا من قبل السلطات الإيرانية يدين أو يستنكر حادث الحصار المأساوي الذي شكل بحق جريمة إنسانية ووصمة عار في جبين قادتها، بنفس القدر الذي أدانوا به حادث إعدام شخص واحد ك “النمر”؟! الشيء الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن البعد المذهبي ليس سوى مطية لتحقيق أهداف استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط والخليج وباقي الدول العربية كما أن ذلك لا يعدو أن يكون سوى وسيلة لتحقيق هذه الأهداف التوسعية.
• السيناريوهات المحتملة
مما لا شك فيه، أن حادث إعدام “النمر” وما تلاه من أحداث مؤسفة قد تلقفته السلطات الإيرانية كرسالة واضحة من قبل المملكة العربية السعودية، مفادها أنها لم تعد اللاعب الحر و الوحيد بالمنطقة كما أن مشاريعها لن تبقى بدون مجابهة، وهو ما سيجعل العلاقات بين البلدين اللدودين أو بالأحرى بين القطبين السني و الشيعي مطبوعة بمزيد من التعقيد و الضبابية ، وقد يجعل المنطقة هي الأخرى مفتوحة على جميع السيناريوهات في ظل هذه الحرب الغير مباشرة بين مشروعين متناقضين على الرغم من اعتبارهما نظامين تيوقراطيين يستمدان مشروعيتهما في الحكم من السلطة الدينية، ولعل من أبرز هذه السيناريوهات المحتملة هي إذكاء وتكثيف الحرب بالوكالة بين الادرع العسكرية لكلا الطرفين في مناطق الصراع والتوتر المشتعلة أصلا كسوريا واليمن والعراق، مع استبعاد إمكانية المواجهة المباشرة بينهما ،بالنظر لخطورتها على السلم و الأمن الدوليين و لكون المنطقة تطل على مضيق “هرمز” الاستراتيجي وما يعنيه ذلك من تهديد للمصالح وللملاحة التجارية وتدفق النفط للعديد من القوى الدولية ولقواعدها العسكرية بالمنطقة، كما قد يلعب فيها البترول و الغاز و سياسة إغراق الأسواق و تخفيض الأسعار دورا محوريا، فضلا عن سلاح المقاطعة الاقتصادية و المزيد من التسلح و المناورات العسكرية، بالإضافة إلى إنشاء محاور و استقطابات جديدة قد ترمي في عمومها إلى فرض المزيد من العزلة على إيران على أمل كف هذه الأخيرة عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، و في انتظار تسوية سياسية ترعاها القوى الكبرى التي تعتبر المستفيد الأكبر من الوضع الحالي، قد تضع حدا لمسلسل الدمار و الخراب في المنطقة، و هو ما لا يلوح في الأفق في الوقت الراهن على الأقل.
خـالد التـاج – كاتب من المغرب