الصحراء والفرحة الجماعية: جملة واحدة طائشة قد تقتل!
عبد الحميد جماهري
بعض الخفة يفسد قضايا كبرى، أحيانا تكون الأخطاء الواحدة سببا في إفساد أشياء كبيرة للغاية.
ويحدث أن تكون القضية الكبرى عرضة للتشويش بسبب جملة طائرة، إذا رافقها بعض من التجني أو الخفة واللامسؤولية، كما قد تكون غلطة فردية سببا في التنكيد على أمة بكاملها.
تابعنا ذلك في قضية الفيلم الوثائقي «زوايا الصحراء زوايا وطن»! الذي عرض في مهرجان العيون، والذي أدى إلى إلغاء الحفل الختامي للدورة السادسة لمهرجان الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني (19-25 دجنبر الجاري بالعيون). لم يكن إلغاء الحفل الختامي وحده سابقة، بل أن يتم جمع المعروضات والملصقات في ما يشبه التبرؤ من تنظيم الدورة، بعد 7 سنوات على انطلاقها.
ليست المناسبة لمحاكمة المنظمين ولا المخرجة بعد أن تنكر المركز السينمائي للعمل وتبرأ منه صاحب السيناريو، الذي تفاجأ بإدراج اسم « الباحث » الذي تكلم بجملة تساوي وزنها دما وحروبا في سياق آخر.
الموضوع في عمقه يطرح الخفة التي تكون وراء بعض المواقف والقرارات والتعريض بمكان ما زال المغرب يقاتل من أجله في سياق خِلافي مع الجيران.
الصحراء، كمكان للقدسية الوطنية لا يمكن الزج بها في أتون نزاعات ولو باسم الفن أو الثقافة أو التوثيق أو السينما… إلخ.
هذا هو الجوهر في القضية.
ولعلي قد أجازف بالقول إن الفضاء الصحراوي لا يسمح لأي أحد كان ومن أي موقع أن يجرب فيها تمارين الذاتية أو التجريبية الخرقاء.
ويكفي أن نتأمل الردود التي صاحبت ما وقع لكي نكتشف عمق الخطأ.. وعمق الجرح في الوقت ذاته. لقد كانت الحركات الارتدادية في حجم ما للصحراء من مكانة وما لقبيلة الركيبات من حضور قوي في الذاكرة الجماعية، وما للولي الصالح من رمزية تفوق المنطقة إلى الحقل الرمزي والديني المشترك للمغاربة.. وبهذا يتعزز طرحنا بالقول إن القضية الكبرى قد تضر بها هفوات مهما صغرت وتقسمت..
الفرحة أيضا أرض مقدسة: كنا نتمتع بتسللات أبو خلال وبما تقدمه قدماه الرائعتان من مراوغات تدخل السعادة على شعب بكامله، إلى أن بدا لأحدنا أن يتوجه إلى ما بداخل رأسه وقلبه من قناعات.
واكتشف بعضنا بأن الولد داعشي متنكر وسط الفريق، وأنه يجر اللاعبين إلى الرقة السورية وليس الرقة الفنية في تمريراته وتقويساته التي أغضبت البلجيكيين!
كان يكفي أن ينظر الواحد منا إلى والدته، وهي تطلق شعرها ليعلم الحرية للنساء والرجال ….والعصافير، لكي يتساءل بغرابة قليلا: يا لهذا الولد الداعشي الذي لم يفرض على أمه الخمار!!!!
وأي سلفي مجاهد هذا الذي تخرج أمه سافرة وسط العالم؟
فهل كان لا بد من الخفة لكي نفسد على الناس متعة أولادنا الذين يمشون كالكبد على الأرض وفي الملاعب.
هذا ما يقلقني شخصيا: هو أن تكون قضية مقدسة وطنيا كالصحراء عرضة للتجريب اللامسؤول في الثقافة والتوثيق، وأن تكون الفرحة الجماعية التي حصل عليها المغاربة كهدية من رب السماء ومن أولادهم في الداخل والخارج، هي أيضا عرضة للخفة في الكتابة …وفي الدعوة المبطنة إلى حداثة لم يطالب بها أحد في الملاعب!
ومن المحقق أننا نلمس نضجا من خلال المساحات الواسعة من الاستنكار، والوعي بما هو في صميم الحرية الشخصية، وما يشكل جزءا من فسيفساء اجتماعية وحضارية وإنسانية تهم المغرب، ربما عبرت عنها تلك الصورة الحضارية المبهرة لأمهات اللاعبين في القصر الملكي، بكل تجليات النبوغ المغربي، والتنوع الباذخ الذي يميزنا تحت مظلة الإمارة العليا للمؤمنين.
والواضح أيضا أننا لم نكن في حاجة إلى هذا التشويش غير المبرر، على ولد آمن بربه، مثل كل هؤلاء الشباب الذين احتضنوا وطنهم فبادلهم احتضانا باحتضان أكبر..
ولعلنا استأْنا من هذا النزوع نحو تعكير الجو باسم الحداثة حينا وباسم الثقافة حينا، وهما مفهومان يجب الكثير من الثقافة والحداثة للحديث باسمهما….
وما كان للدولة، أورجالاتها، أن تقف مكتوفة الأيدي أو تدفع نحو التشجيع على خلق فرص التوتر والنزاعات فوق أرض ما زلنا نقاتل من أجل تأمين عودتها إلى الوطن الحضن، منذ نصف قرن ونحن نواجه أكبر مؤامرة ضدنا في وحدتنا الترابية، ولا أن تسمح بالتشهير في عز الفرح والحب من ثقب باب التلصص على حداثة الناس وحرمان لاعب الكرة من تأسيس قداسته الشخصية بقدمين من ذهب!