ما لا تعرفونه عن موقف “العدالة والتنمية” من معاشات البرلمانيين والبرلمانيات
حسن حمورو
جميل أن تنبعث وسط المجتمع حاجة وإرادة في الوقت ذاته للعب دور الرقابة على السياسيين ومؤسسات الدولة، في إطار الاحترام وعلى أرضية متفق عليها مؤطرة بوثيقة تعاقدية تسودها أجواء الثقة أولا، وغايتها تعميق الممارسة الديمقراطية وربط المسؤولية بالمحاسبة وحماية المال العام وترشيد إنفاقه.
كل هذه المعاني يمكن أن تكون ما أُطلق عليه حملة المطالبة بإلغاء معاشات البرلمانيين، نموذجا ممتازا لاحتضانها، لكن ثمة خلفيات وسياقات ينبغي أن تؤطر النقاش حول هذا الموضوع، وتضعه على السكة الصحيحة، ليُثمر ويُؤتي أُكله، ويُصبح مثالا يُحتدى ويُسهل الولوج إلى توسيع مجال الرقابة الشعبية على حد تعبير القيادي الاتحادي حسن طارق.
وتتعلق هذه الخلفيات بالسياق التاريخي والسياسي، والمرتبطة أساسا بالامتيازات الممنوحة للسياسيين في نموذج الدولة الذي ارتضاه المغرب بعد الاستقلال، والقريب في جوهره من الخط الليبرالي التقليدي الذي سعى حسب “الان رونو” إلى الحفاظ على مسافة بين أغلبية أعضاء المجتمع وبين الأقلية التي تمارس السلطة، ولهذا وجب فتح النقاش حول مجمل الامتيازات التي يتحصلها كل سياسي يشغل منصبا في المؤسسات العمومية سواء بشرعية الانتخاب أو بشريعة التعيين، عندها نكون فعلا قد عبرنا عن براءة الحملة ونُبل أهدافها.
وبالطبع منذ انطلاق هذه الحملة، أو استئنافها بشكل أدق، برزت أصوات العدم التي تتقاطع بوعي أو بدونه مع أهداف السلطوية الرافضة لوجود أحزاب سياسية قوية ومستقلة في قراراتها، ناسبة كل الشرور لها ولمناضليها الذين يصل عدد منهم إلى مقاعد البرلمان بغض النظر عن طريقة الوصول، فانهالت على الأحزاب بشتى أنواع التنقيص والاحتقار وأظهرتها بمظهر المفترس الذي لا يرقب إلاّ ولا ذمة في المال العام في خلط مقصود وتعميم مدروس.
حزب العدالة والتنمية باعتباره من بين الأحزاب الأكثر استقلالية في قراراته ومواقفه، ومن بين الأحزاب الأكثر حرصا على الما ل العام وكحزب يرأس الحكومة، وبالنظر إلى تموقعه بعيدا عن السلطوية وعن العدم في الممارسة السياسية، نال نصيبه وما يزال من التشكيك وحتى التخوين في موضوع معاشات البرلمانيين، ما جعل عددا من قياداته وبرلمانييه يتفاعلون لكن للأسف من موقع الدفاع ومن موقع المتهم، لا من موقع قوةٍ ووضوحٍ تميز بهما حزبهم منذ السنوات الأولى لتواجده في البرلمان، تُجاه موضوع امتيازات البرلمانيين سواء كانت معاشات أو غيرها.
ودعونا نلقي نظرة على ما يحتفظ به التاريخ لحزب العدالة والتنمية في هذا الملف، ففي أول احتكاك للحزب مع الامتيازات المالية بالخصوص للبرلمانيين، أعلن رفضه لمقترح الزيادة في تعويضات البرلمانيين، وأصدر فريق الحزب آنذاك بيانا يوم 9 يناير 2002، ضمنه موقف الرفض والدعوة إلى التخلي عن المقترح والعمل على وضع حد لجميع الامتيازات مهما كان نوعها وحجمها، وهو ما كان بالفعل حيث تم سحب المقترح.
لكن عاد أصحاب المقترح ليطرحوه مجددا في الولاية التالية، بعد إجراء توسيع في الامتيازات همّ أربعة نقط تتعلق بالسفر عبر القطار، ونسبة تخفيض في رحلات الخطوط الملكية المغربية، والامتياز الجمركي، واضافة 1000 درهم للتقاعد عن كل سنة من الانتداب البرلماني، وهو ما توثقه مراسلة لرئيس المجلس حينها عبد الواحد الراضي لرؤساء الفرق بتاريخ 10 يونيو 2003، يشرح فيها أن هذه الامتيازات جاءت حصيلة “عدة اجتماعات مع السيد إدريس جطو الوزير الأول بحضور السيد مصطفى عكاشة رئيس مجلس المستشارين والسيد فتح الله أولعلو وزير المالية والخوصصة والسيد محمد سعد العلمي الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان”.
طبعا فريق العدالة والتنمية وفاءً منه لنهجه القائم على ترشيد الإنفاق العمومي، كان قد اقترح ربط أي امتياز لصالح البرلمانيين، بالحضور في أشغال المجلس مقابل إقرار اقتطاع من تعويضات للمتغيبين، وردّ على مراسلة الراضي برفض مجمل الامتيازات، ومنها إضافة 1000 درهم عن كل سنة في التقاعد، وإليكم ما خطه رئيس الفريق حينها الأستاذ مصطفى الرميد في مراسلة للراضي بتاريخ 26 يونيو 2003: “إن فريق العدالة و التنمية لا يرى ما يدعو إلى الرفع من معاشات النواب خاصة وأن ذلك سيؤدي إلى المس بصورة المجلس لدى عموم المواطنين فضلا عن أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية العامة للبلاد تدعو الفريق إلى التحفظ الشديد على هذا المقترح”.
إلى جانب بلاغ 2002، ومراسلة 2003، كان فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، قد صوت بالامتناع ولأول مرة على ميزانية البرلمان برسم سنة 2005 داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، بناء على قرار للأمانة العامة عممته في بلاغ وقعه الأمين العام السابق سعد الدين العثماني يوم 15 نونبر 2004 جاء فيه “عقدت الأمانة العامة يوم الاثنين 02 شوال 1425 ه موافق 15 نونبر 2004 اجتماعا خصص لمدارسة تصويت فريق العدالة والتنمية على مشروع ميزانية البرلمان لما تضمنته هذه السنة من الزيادة في تعويضات البرلمانيين، وهي التي سبق للفريق أن ربطها بالحضور في الجلسات العامة وأشغال اللجان تطبيقا لمقتضيات النظام الداخلي وطالب بالاقتطاع من تعويضات المتغيبين بدون عذر.
وحيث إن تلك المقتضيات لم يتم تفعيلها لحد الآن، وانسجاما مع موقف الحزب المبدئي والحازم من تدبير المال العام وتخليق الحياة العامة فإن الأمانة العامة قررت أن يصوت الفريق بالامتناع على ميزانية البرلمان إلى حين تفعيل المقتضيات المذكورة”.
هذا هو موقف العدالة والتنمية من الامتيازات، ومن الإضافة التي عرفها تقاعد البرلمانيين، وهذا تاريخٌ لا يمكن أن نكذب عليه، كما لا يمكن أن نُنطقه بما لم يسجله، وهو منصف على كل حال للحزب، على الرغم من التدليس والتمويه اللذان يحكمان تدافع وصراع خصومه معه.
إذن وبعد استعراض جزء من هذا التاريخ الموثق، يبقى على من يقفون خلف حملة إلغاء معاشات البرلمانيين، ومن تبعهم بحسن نية وبحماسة زائدة، أن يوضحوا أهدافهم بما يكفي لإجلاء اللبس عنها، ولتبرئة ذمتهم من أي استغلال وتوظيف.