إفريقيا …وفي البدء كانت المرأة
إفريقيا …وفي البدء كانت المرأة
عبد السلام المساوي
عندما يفكر المغرب في نفسه لا يقوم في ذلك بترتيب يجعله يتقوقع على مصلحته الوطنية الصرفة ، ويغيب الآخرين ، أو إعطاء الأولوية الحصرية لنفسه بل تكون انتماءاته الإفريقية حاضرة ومحددة بشكل عام في مبادراته .
كان ذلك عندما تم تحديد الإرهاب كمسألة ، وكتحدي أمن على افريقيا وعلى العالم ، وكان ذلك ايضا عندما طرحت القضية الصعبة ، قضية الهجرة ، واختارت افريقيا العائلة المؤسساتية للمغرب ، أن ترد التحية بأحسن منها ، فاختارت ملك البلاد رائدا لها ، وانتظرت منه تقريرا لما ستفعله في مواجهة معضلة ، كان هو السباق ، هو بلد الجنوب ان يطرح لها حلولا كما لو كان من دول الشمال !
وكان ذلك أيضا ثابتا في قضية تشغل البشرية كلها ، كما هو حال وباء كورونا ، هي قضية المناخ ، عندما انتدبته افريقيا متحدثا باسمها ومفوضا تفويضا قاريا لكي يبادر في الدفاع عنها …
وخلاصة ما سبق ، هو أن المغرب لا يرى نفسه. أبدا ، كلما اشتدت الأزمات الا في إطاره الافريقي ، ولكل سؤال صعب طرح على البشرية يحث عن جواب افريقي لإفريقيا
الآن هناك وعي لدى الأفارقة ، وبالأساس لدى الملك محمد السادس بأنه لن تفيد إفريقيا إلا إفريقيا .
لن نستطيع الحصول على مساعدات دولية وليست هناك ، أصلا ، مساعدات .
وبالتالي ، لا يمكن الاعتماد الا على الآليات والإمكانيات الذاتية .
وهذا المنطق المغربي ليس وليد اللحظة ، بل منذ عودته إلى الإتحاد الافريقي سنة 2017 . مثلا ، في خطاب أبيدجان سبق للملك التأكيد أن على افريقيا الاعتماد على قدراتها وإمكانياتها الذاتية . يجب الإقرار بأننا مررنا من تجارب المساعدات الدولية ، ومن تجارب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي …، وإلى حدود الساعة لم تقدم أي نتيجة …
المغرب الافريقي الذي راهن منذ سنوات عدة على هذا الانتماء الممتد في الأرض وفي الروح ، يستطيع ، وقد أظهر ذلك في أكثر من مناسبة ، أنه يمتلك تصورا استباقيا حكيما للأشياء ، أن يمد يده لقارته ، وأن يفاجئ الكل بقدرته رفقة أبناء القارة الآخرين على إبداع حلولنا لمشاكلنا دونما انتظار لحلول فوقية غير صادقة كثيرا آتية من دول تعودت إعطاءنا الدروس وهي في حاجة إلى أكثر من درس .
قلناها سابقا غير ما مرة ، ولا نجد غضاضة اليوم في التذكير بها لأنها قرارة إيماننا ومعتقداتنا . الدنيا ابتدأت في هاته القارة ، ومشاكل الكون كلها تفاقمت في هاته القارة ، وكل حلول عالمنا ستكون في هاته القارة .
في أغلب سياسات المغرب تجاه افريقيا خلال الأربعة عشر سنة الأخيرة ، ظل المبدأ المحدد لديبلوماسية الجولات الملكية هو الشراكة ، ومنطق رابح رابح .
لكن هناك لحظات إنسانية يتخلى فيها المغرب عن منطق اقتسام الأرباح وينتقل الى تقديم تجاربه في النجاح على سبيل الهبة ، حدث ذلك في ملف المهاجرين ، وحدث في وباء كورونا ….إفريقيا …وفي البدء كانت المرأة ، رمز الخصوبة والإبداع وعنوان المقاومة والتحدي …
إفريقيا إمرأة ، والمرأة لا تقبل المهانة والاستسلام …المرأة الإفريقية شجاعة طلقت الخوف وإلى الأبد …
المرأة الإفريقية حاضرة دوما ، حاضرة بالأمس واليوم وغدا ، حاضرة في الميدان ، حاضرة صمودا وفكرا …
تزامنا مع العيد العالمي للمرأة ، وفي المكتبة الوطنية بالرباط ، انعقد المؤتمر التأسيسي لرابطة كاتبات إفريقيا …الزمن زمن المرأة الإفريقية والمكان هو المكتبة الوطنية بالرباط ، رباط الفتح ورباط الأنوار …
ولهذا الحدث ما بعده ، كاتبات من أربعين دولة إفريقية ، اخترن المغرب …والرائدة التي تستحق ألف تحية هي بديعة الراضي…
المرأة الإفريقية تكريس للبهاء والخصوبة والثبات في وجه كل أعاصير الحيف والظلم والإقتلاع.
والمؤتمر التأسيسي لرابطة كاتبات إفريقيا بدايات مزهرة للبهاء للخصب لكل مباهج إفريقيا الحالمة برحابة الآفاق الجميلة البعيدة القريبة.
الكتابة تسائلنا في جل لحظات الحياة.
تسائلنا في صمت ناطق بغير لغة وفِي صخب دون ضجيج.
الكتابة تسائلنا في صمت التأمل في الذات وما حولها وفِي صخب مواجهة ترسبات المحيط وجنوحها وجموحها في غير ما اتجاه.
تسائلنا في افريقيا وهي تحتفي بالإبداع …بالمرأة..
الكتابة تسائلنا في المرأة سؤال الرقيب العارف، سؤال البريء من كل القيود غير قيود الجمال وما أعذبها من قيود وما أرحبها من مساحات تخترق كل القيود.
والمرأة تسائل الوجدان الإفريقي فينا، تسائل الضمائر الحية في توترها الدائم بين المسؤولية المتأصلة وبين غفوتها الآنية.
المرأة تسائل الحرية في مداها الخاص، مدى كونها حرية مكتملة الأركان أو كونها مجرد شبح هامة أسطورية مبتورة الملامح مفصولة عن واقع المرأة في بعدها التحرري العميق. في خصوبتها في إيحاءاتها اللامتناهية في ألغازها القادرة على فك كل الشفرات والألغاز، بكل اللغات على مدى الجغرافيات الإنسانية والأزمنة المفتوحة منذ الأزل إلى الأبد اللامتناهي.
أما إفريقيا فتسائل الحرية وتسائل المرأة وتسائل الضمير كما تسائل الكتابة وهي لا تني تسائل الحياة في مظاهرها المتعددة وتجلياتها الكامنة في الأعماق المشرئبة إلى الحضور.
افريقيا تسائل الحرية من خلال دعوتها إلى إدمان الانتفاضة على المستعمر في كل صيغه. وافريقيا تسائل إنسانها عن مسؤولية رعاية العهد في افريقيا.
فافريقيا هي افريقيا بإنسانها الذي يرفع راية الأنتماء ويدفع ضرائب الانتماء شعورا وذاكرة نضالا وتضحيات لا تخضع للسقوف والمساومات.
إنها افريقيا البوصلة التي لا تخطيء الهدف رغم كل غبار أعاصير التذبذب والخيانات الصغيرة والكبيرة خيانات الضمير وخيانات الفعل.