حرف الأنظار يعقد الأمور
حرف الأنظار يعقد الأمور
عبد السلام المساوي
إن سياسة حرف الأنظار عن القضايا الرئيسية خطيرة على تلك القضايا، لأن من يقومون بذلك، يمنعون عن أنفسهم إمكانية معالجتها، في الوقت المناسب، إن كانت في حاجة إلى المعالجة، فتتعقد وتستفحل مضاعفاتها، إلى درجة قد يستحيل، معها، بروز بصيص أمل في إيجاد حلول ملائمة لها.
هكذا، لن يجني من يساهم في حرف الأنظار عن المشاكل أو القضايا الحقيقية، من خلال افتعال أخرى زائفة، أو غير ذات موضوع، غير الخيبة والخسارة المحققة.
لم يفلح في الماضي هذا الأسلوب في تجاوز مشاكل الواقع، ولن يفلح في المستقبل بالتأكيد. فلِم هذا التهافت على اختلاق المشاكل؟
تتخذ القرارات المصيرية دائما في سياق إكراهات كبرى، موضوعية وذاتية.
ليس هناك شك في تأثير تلك الإكراهات في بلورة القرارات الحاسمة، غير أنها لا يمكن أن تختزلها، بحيث يمكن تبرير القرارات الخاطئة وتبرئة الذات الفاعلة من المسؤولية الأساسية بخصوصها.
إدراك هذا البعد هو الذي يمكن من المراجعة وإعادة النظر في القرارات والمسارات، بما يضمن الحد من مضاعفات الأخطاء ويسمح بإعادة توجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح.
قد نختلف في تقدير الوضع السياسي القائم في بلادنا.
وهذا أمر طبيعي، ما دامت زوايا النظر إليه ليست متماثلة، وما دامت المعطيات التي يتم الانطلاق منها غير متجانسة، في بعض الأحيان، ولا يتم إدراجها، أحيانًا أخرى، في إطار أفق موحد أو على قاعدة انطلاق مشتركة.
غير أن هذا الاختلاف، في تقدير الوضع السياسي، المرتبط بمعطيات ملموسة وتشخيص محدد لها، لا ينبغي أن يحجب عنا طبيعة المرحلة، التي يجتازها المجتمع المغربي.
ذلك أن ارتباط تقدير الوضع بما هو مباشر من معطيات، لا ينفي أن للمرحلة سماتها التي تبلور الرؤى نحو تلك المعطيات، ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، قصرها عليها.
وبما أن المرحلة أو الحقبة بمعنى ما، تاريخ وأفق، فإن سحب التباين على مستوى ما هو قائم ومباشر، على الحقبة والمرحلة التاريخية، يحول المباشر إلى قاعدة انطلاق، في حين أنه لا يتجاوز، في أحسن أحواله، مجرد نقطة ضمن مسار لا يرقى حتى إلى مستوى المحطة بمعناها التاريخي.
إن هذا التصور يضحي، من حيث يدري أو لا يدري، بالحقبة، بما هي أفق ورؤيا، ليلهث وراء اللحظة التي تظل عمياء ما لم تستلهم إضاءات المرحلة وأنوارها الدالة على الأفق وواضعة الصُوى التي تحدد معالم الطريق نحو المسقبل.
ليس ممكنًا إدارة الظهر للواقع إلى ما لا نهاية. ذلك أن هذا الأخير يصر على احتلال موقع الصدارة في نهاية المطاف. وهكذا يجده المرء منتصبًا أمامه، حيثما حل وارتحل، رغمًا من الظن الذي لازمه بأن إدارة الظهر للواقع كفيل بنفيه والتحر من قوانين جاذبيته القاهرة.
وعندما يحدث الاصطدام المحتوم بين الواقع ووعي عدم القدرة على تجاهله، تكون الغلبة للواقع على الوعي الذي دخل غمار المعركة وهو أعزل وأكثر هشاشة على تحمل صدمات المواجهة.