هل من عودة للعلاقات الجزائرية/المغربية؟!
هل من عودة للعلاقات الجزائرية/المغربية؟!
جرت العادة كما هو معلوم لدى الكثير من الخبراء والمهتمين بالشأن العربي، على أنه كلما اقترب موعد التئام فعاليات القمم العربية، إلا وبادرت بعض الدول العربية إلى التحرك في اتجاه محاولة رأب الصدع وطي صفحات الخلافات بين بعض البلدان الأعضاء في جامعة الدول العربية، كما هو الحال بالنسبة البلدين الجارين الجزائر والمغرب.
وفي هذا الإطار ونحن على بعد أسابيع قليلة جدا من حلول موعد القمة العربية المقرر انعقادها خلال شهر ماي القادم في المملكة العربية السعودية، تجدد الحديث عن وساطة مصرية/سعودية، في محاولة أخرى تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين البلدين الجارين، اللذين ما انفكت الهوة بينها تتسع والأزمة تتفاقم بشكل مقلق، ولاسيما بعد أن صرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أحد الحوارات التلفزيونية بأن علاقة بلاده مع المغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة!
فقد نقلت مصادر إعلامية أبرزها الشبكة التلفزيونية الإسرائيلية “i24news” أن هناك مساع حثيثة وحميدة تقودها كل من السعودية ومصر، سعيا منهما إلى تحقيق مصالحة بين الجزائر والمغرب خلال القمة العربية المزمع عقدها بالعاصمة الرياض في شهر ماي 2023، وأضاف ذات المصدر بأن كل المؤشرات تشير إلى أن المفاوضات جارية، قصد تذويب جليد الأزمة القائمة بين البلدين الجارين، والجلوس إلى طاولة الحوار لمناقشة القضايا العالقة، وبحث السبل الكفيلة بإرضاء الطرفين بعيدا عن التعنت والعداء.
وهي مبادرة لا يمكن لأي مواطن يجري في عروقه دم العروبة والإسلام إلا أن يثمنها، ويتمنى صادقا أن تكلل جهود طرفي هذه الوساطة بالنجاح في اتجاه عودة المياه إلى مجاريها، بما ينهي مسلسل الجفاء والعداء وتبادل الاتهامات، ويخدم بالدرجة الأولى مصالح الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي، اللذين ظلت الحدود الترابية بين بلديهما مغلقة زهاء ثلاثة عقود.
فمن المؤكد أن الوساطة المصرية/السعودية لن تجد من الجانب المغربي إلا الترحيب وسعة الصدر، خاصة أن العاهل المغربي محمد السادس لا يدع مناسبة وطنية تمر دون أن يخص الجزائر وحكامها بحيز مهم من خطبه السامية، حيث دأب على الالتزام الصادق بنهج سياسة اليد الممدودة تجاه أشقائه في قصر المرادية، معربا عن نيته في فتح صفحة جديدة وإقامة علاقات طبيعية معهم، يحذوه الأمل الكبير في تحقيق طموح الشعوب المغاربية، وفاء منه بروابط الأخوة والدين واللغة وحسن الجوار، التي تجمع على الدوام الشعبين الشقيقين، وطالما بدا متحمسا لفتح حوار مباشر مع الجزائر، يكون مفعما بالصدق والصراحة، واقترح على القيادة الجزائرية في الشهور الأخيرة تشكيل لجنة عليا مشتركة، للنظر في القضايا الخلافية بين البلدين، ووضع حد للفرقة والشقاق…
وعلى الرغم من إقدام النظام الجزائري على قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب واحد، متهما المملكة المغربية بمواصلة “الاستفزازات والممارسات العدائية”، وهي اتهامات لا تستند لأي دليل ملموس، فضلا عن إغلاق الجزائر مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية وإيقاف أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، وإصراره على صد الأبواب أمام كل الوساطات العربية والأجنبية، ولاسيما بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وتوالي فتح قنصليات أجنبية بأقاليم المغرب الجنوبية، وإشادة كل من ألمانيا وإسبانيا بالمقترح الذاتي للمغرب حول نزاع الصحراء، فإن ملك المغرب ظل دائما يبعث له برسائل الاطمئنان، ويؤكد على أن الشر لن يأتيه أبدا من المغرب، أو يسمح لأي كان بالإساءة إلى الجزائر.
كما سبق أن وجه دعوة مباشرة للرئيس عبد المجيد تبون في خطاب العرش لسنة 2021، داعيا إياه إلى العمل سويا في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها الشعبان الشقيقان عبر سنوات من الكفاح المشترك، رافضا أن تظل حدود الدولتين مغلقة منذ سنة 1994…
وفي المقابل يبدو من الصعب إقناع النظام الجزائري بالمصالحة، بعد تحويل عدائه للمغرب إلى عقيدة راسخة.
إذ يكاد لا يتوقف عن محاولة خلط الأوراق، كيل الاتهامات المجانية للمغرب والتحرشات التي تستهدف وحدة أراضيه وسيادته على الصحراء، كما تثبت ذلك الخرجات الإعلامية لرئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة، ورئيس البلاد عبد المجيد تبون الغارق في تناقضاته، والذي يحمل مسؤولية الأزمة القائمة للنظام المغربي، مدعيا أن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب جاء فقط لتفادي اشتعال فتيل الحرب، دون أن يفوته الكشف عن نية بلاده في عدم التخلي عن “القضية الصحراوية” مهما كلفها الأمر ذلك.
ولا يكف عن ترديد تلك الأسطوانة المشروخة حول “الاستفتاء”، الذي بات خيارا متجاوزا وغير مطروح في أجندة الأمم المتحدة ولدى المبعوث الخاص لأمينها العام إلى الصحراء المغربية.
فأي حرب أفظع من تلك التي يخوضها النظام الجزائري ضد المغرب منذ أزيد من خمسة عقود عبر التمادي في دعم وتمويل ميليشيات البوليساريو الانفصالية؟ ومن غيره يحاول نسف العملية السياسية والعودة بالملف إلى النقطة الصفر، لفرض توازنات جديدة تناسب مخططاته في تحقيق حلم الهيمنة على المنطقة المغاربية؟
إننا وبالنظر إلى تمسك المغرب بوحدته الترابية وتأكيده الدائم على أن مغربية الصحراء أمر غير قابل للتفاوض، وفي ظل تواصل الممارسات الاستفزازية من قبل النظام الجزائري المتعنت، الذي ما فتئ يكرس كل جهوده المادية والبشرية لاستنزاف المغرب ومحاولة تحقيق أطماعه التوسعية، جاعلا منه عدوا خارجيا لا يؤتمن جانبه، نستبعد أن تأتي المبادرة السعودية المصرية بما ينتظره الشعبان الجزائري والمغربي ومعهما جميع الشعوب العربية من نتائج طيبة، دون أن نفقد الأمل في المستقبل.
اسماعيل الحلوتي