ميارة بين النقابي والسياسي!
ميارة بين النقابي والسياسي!
عندما تحدث القيادي البارز، عضو اللجنة التنفيذية بحزب الاستقلال المشارك في التحالف الحكومي الثلاثي ورئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة، من موقعه النقابي، باعتباره الكاتب العام لإحدى المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية “الاتحاد العام للشغالين بالمغرب”، منبها الحكومة إلى ما يمكن أن يترتب عن صمتها وعدم التواصل مع المواطنين، بخصوص استفحال أزمة الغلاء في ظل تجميد الأجور وتواصل مسلسل ارتفاع أسعار المحروقات التي ألقت بظلالها على أسعار باقي المواد الأساسية من خضر وفواكه ولحوم حمراء وأسماك ومنتجات الحليب وغيرها، وأضرت كثيرا بالقدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، من تهديد للسلم الاجتماعي وانهيار الاستقرار الاجتماعي والسياسية.
إذ يذكر الكثير من المهتمين بالشأن العام حماس الرجل وهو يهاجم حكومة عزيز أخنوش في لقاء تواصلي لنقابته بقلعة السراغنة في 19 مارس 2023، إذ قال “الظروف الاقتصادية والاجتماعية لا تبشر بخير”، وزاد مصرحا: “صحيح أن الحكومة اتخذت تدابير لحماية القدرة الشرائية عبر الضبط والمراقبة: لكن أقول للحكومة: “حشومة ماطيشة كدير 2 دراهم عند الفلاح ونجدها ب”12″ درهم فالسوق، إلى كانوا هاذ المضاربين مكيحسوش أنهم مغاربة، فأنا أقول لهم هاذو ماشي مغاربة، هاذو خصهم يمشيو للحبس” وزاد قائلا: “نقول للحكومة مبغيناش ضبط الأسعار في التلفزيون، نريدها على أرض الواقع ويحسو بها المغاربة.. حضيو ريوسكم لن نستمر في الصمت، راه سكوتنا معناه أننا ضد المغاربة الذين صوتوا عليكم بأغلبية ساحقة ومنحوكم الثقة، لكن بعد تصاعد موجة الغلاء، فالصبر كيضبر.. متنساوش اللي وصلكم لمناصبكم.. راه العيب هو أن المسؤول السياسي ينسى القاعدة اللي مشات صوتا هي اللي طلعاتو”
ولم يتوقف الرجل عن هذا الحد من الهجوم على الحكومة وإدانتها، بل أضاف: “إلى حشمنا وسكتنا وكنا مزيانين داخل الاتحاد العام ووقعنا على اتفاق 30 أبريل، فالحكومة خاص تحشم على عرضها شوية.. توقيعنا على اتفاق الحوار الاجتماعي، ليس شيكا على بياض باش دير فينا ما بغات”
هي فقط مقتطفات من الخطاب الحماسي للنعم ميارة بقبعة الكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب النعم ميارة، والتي استحسنها عدد كبير من المواطنات والمواطنين المغاربة، ولاسيما أنها لم تأت من طرف أمين عام حزب سياسي معارض أو أحد البرلمانيين من فرق المعارضة، وإنما جاء على لسان رئيس مؤسسة دستورية ويعد الرجل الرابع في هرم السلطة، الذي أبى إلا أن يجهر بالحقيقة ويكشف عن الوضع المتأزم، ويمكن أن ينطبق على كلامه المثل القائل “وشهد شاهد من أهلها”
وهي الانتقادات التي أثارت جدلا واسعا وردود أفعال متباينة داخل “الأغلبية” الحكومية وبين قيادات حزب الاستقلال، وخاصة منها تلك التي قال فيها بأن “توقيع النقابات على اتفاق 30 أبريل 2022 لا يعني أننا منحنا الحكومة شيكا على بياض لتفعل بنا ما تشاء”، حيث رفض الكثيرون أن تأتي مثل هذه التصريحات من شخص يشارك حزبه في الحكومة، معتبرين أنها أقوال غير مقبولة، فيما يرى البعض الآخر من قياديي الحزب بأن ميارة تكلم بلسان النقابي ونقل فقط نبض الأجراء والمواطنين الذي يشتكون من غلاء الأسعار، وأن الكلام يلزمه وحده ولا يلزم حزب “الميزان” في شيء، رافضين استغلال المعارضة هذه التصريحات والادعاء بأن الحكومة غير متضامنة، لأن ميثاق الأغلبية لا يتحدث عن نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب مهما كانت مساندتها للحكومة من بعيد، وإنما هو ميثاق يخص ثلاثة أحزب وحسب.
بيد أنه لم يلبث أن عاد ذات الشخص ليرتدي هذه المرة قبعة السياسي، الذي يعرف من أين تؤكل الكتف والحفاظ على امتيازاته، مستغلا استضافته في لقاء من تنظيم منظمة المرأة الاستقلالية يوم السبت 8 أبريل 2023 بالرباط، ليؤكد أن تصريحاته التي أحدثت زلزالا سياسيا هز أركان الأغلبية الحكومية، بخصوص ارتفاع الأسعار ومسؤولية الحكومة في تخفيضها كان في إطار اجتماع نقابي، وأنه على العكس مما ذهب إليه البعض وأساؤوا فهمه، جاء لخدمة الحكومة حتى لا يدع للمتربصين بها وبالوطن مجالا للتلاعب بالرأي العام، ولتهدئة إخوانه النقابيين عبر الحديث عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة للمواطن المغربي وحجم معاناته، ومن ثم امتصاص غضبهم والتراجع عما كانوا يلحون عليه من ضرورة الخروج للتظاهر والاستنكار في الشارع، ومغادرة الحزب للحكومة.
وأوضح أنه لا يرى أن هناك أي إساءة للحكومة أو إضرار بمصداقيتها، ثم شدد على أن “الاتحاد العام للشغالين بالمغرب” هو الدراع النقابي لحزب الاستقلال، الذي يدعم حكومة عزيز أخنوش وتوجهاتها، وإلا ما كان ليوقع معها على الميثاق الاجتماعي ويساهم بفعالية في تنزيل مخرجاته. وأنه لا يمكن إنكار ما تقوم به من مجهودات كبيرة في اتجاه محاولة خفض الأسعار، وأنه لا يعوزها من شيء في هذه المرحلة عدا التواصل مع المواطنين.
دون أن يفوته تحميل كامل المسؤولية فيما يحدث من غلاء فاحش وارتفاع الأسعار المتواصل للسماسرة والمضاربين، داعيا البرلمان بغرفتيه إلى الانكباب على سن قوانين زجرية، للضرب بيد من حديد على المفسدين…
إن تناقضات النعم ميارة ليست سوى نموذجا للسلوك الانتهازي لدى العديد من النقابيين والسياسيين، الذين لا يبحثون سوى عن مصالحهم الذاتية، ضاربين عرض الحائط بقضايا وانشغالات المواطنات والمواطنين.
حيث صار الحقل السياسي ببلادنا يعج للأسف الشديد بنماذج لسياسيين متلونين، يمكن تدريس تهافتهم على المناصب والمكاسب في الجامعات المغربية، لعدم الثبات على المبدأ والتمسك بالقيم الأخلاقية..
اسماعيل الحلوتي