وعكة أخنوش الصحية المثيرة للجدل؟
وعكة أخنوش الصحية المثيرة للجدل؟
على إثر الحالة الصحية التي بدا عليها رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال أداء صلاة التراويح إلى جانب ملك البلاد محمد السادس بالمسجد الحسن الثاني بمدينة الدار البيضاء، وذلك بمناسبة إحياء ليلة القدر التي تصادف ليلة السابع والعشرين من الشهر الفضيل رمضان 1444 الموافق ل(17 أبريل 2023)، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو توثق لما واجهه من صعوبات على مستوى ركبته عند السجود والقعود للتشهد.
وهي المشاهد التي استأثرت باهتمام الرأي العام الوطني، وأثارت جدلا واسعا وسيلا من ردود الأفعال المتباينة، لاسيما أن الأمر يتعلق هنا بالرجل الثاني في هرم السلطة.
إذ انقسم المجتمع بين متعاطف ومتشف، حيث أن هناك من المواطنات والمواطنين من أشفقوا لحال الرجل وهو يمر بوعكة صحية تحول دون أداء الصلاة بشكل طبيعي، واعتبروا أن المسألة جد عادية وليس فيها ما يثير القلق ولا داع لإعطائها كل ذلك الحجم من الجدل، مادام أن بيوت الله تكاد لا تخلو من حالات مماثلة، وهي ما يطلق عليها “تخشب المفاصل” “ARTHOSE” ويعاني منها الكثير من المصلين.
فيما هناك فئات واسعة من المتدمرين من ضعف الأداء الحكومي، الذين لم يتأخروا في التعبير عن تشفيهم عبر منصات التواصل الاجتماعي وخارجها دون أدنى تمييز بين صفته العمومية وحالته الإنسانية، علما ألا أحد من بني البشر يمكن أن ينجو من الإصابة بوعكة من الوعكات الصحية، باعتبارها من المشاكل التي قد يتعرض لها الإنسان في أي لحظة من لحظات حياته كبيرا كان أو صغيرا، رجلا كان أو امرأة، غنيا كان أو فقيرا.
حيث تم التركيز على وضعه الصحي بنوع من الانتشاء والاستهزاء، معتبرين أن الأمر لا يعدو أن يكون عقابا من الله في هذا الشهر الفضيل، بسبب قصة 17 مليار درهم التي استفادت منها شركات المحروقات على حساب المواطنين، غلاء الأسعار ومسلسل ارتفاع أسعار المحروقات التي ألقت بظلالها على أسعار باقي المواد الغذائية، وانعكاس ذلك على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتنامي معدلات الفقر والبطالة وغيرها من الآفات الاجتماعية، ضاربين عرض الحائط بكل القيم الإنسانية الرفيعة، وهو ما يؤشر على ما بتنا نعيش على إيقاعه في السنوات الأخيرة من انحطاط أخلاقي…
وكان طبيعيا خروج بعض أعضاء الحزب قياديين وبرلمانيين للتصدي للهجمة التي يتعرض لها قائدهم، وتعيد إلى الأذهان تلك الحملة الرقمية الواسعة التي سبق أن قادها نشطاء في شبكات التواصل الاجتماعي للمطالبة برحيل أخنوش، جراء ارتفاع أسعار المحروقات وتداعياتها على القدرة الشرائية، متهمين إياه بالاستفادة المفرطة من الارتفاع المتواصل في الأسعار والإصرار على عدم تسقيفها، باعتباره واحدا من كبار ملاك شركات بيع مشتقات المحروقات ومحطات الوقود.
حيث كشف البعض من أعضاء حزب الحمامة عن حقيقة العارض الصحي، الذي ليس حسب إفادتهم سوى مشكلا بسيطا يعاني منه رئيس الحكومة على مستوى الركبة ويحول دون القدرة على طيها بصفة عادية في أوقات الصلاة وخاصة عند السجود والجلوس من أجل التشهد، وأنه ما عدا ذلك لا يشكو من أي مرض آخر مزمن يمنعه من القيام بواجباته المهنية ودراسة جميع الملفات المفتوحة بهمة ونشاط وعلى الوجه المطلوب، خلافا لما يدعيه البعض ممن سارعوا إلى استغلال وعكته الصحية لأغراض خفية، وشرعوا في مهاجمته بدون موجب حق ولا وازع ديني في شهر الصيام والقيام.
فيما يقول البعض الآخر بأنه سبق لأطبائه أن نصحوه بضرورة التقليل من الحركة والتنقلات، والخلود أحيانا ما أمكن لقسط من الراحة، غير أنه وبالنظر لما يتصف به عزيز أخنوش من حس وطني وشعور بجسامة المسؤولية، يجعلانه يستمر في تقديم التضحيات في سبيل الوطن، إن على صعيد الزيارات الميدانية لمواقع المشاريع التنموية في كل جهات وأقاليم وعمالات المملكة أو على مستوى تنزيل الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي الجديد، فضلا عن مواصلة لقاءات جولة أبريل من الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية.
بيد أن ما أثار استغراب مجموعة من المراقبين والمهتمين بالشأن العام ببلادنا، في ظل استمرار رئاسة الحكومة في التزام الصمت حول هذه الوعكة الصحية أو ما قيل عنه مرض مزمن يعاني عزيز أخنوش من تبعاته منذ مدة طويلة، هو أن يحتدم النقاش حول إمكانية إقدام ملك على إعفائه من منصبه ليس فقط بسبب وضعه الصحي المقلق إزاء ثقل المسؤولية، بل كذلك بفعل فشل حكومته في مواجهة غلاء الأسعار وندرة المواد الغذائية وغياب التواصل الإيجابي مع المواطنين، وتكليف وزير الصناعة والتجارة السابق بتشكيل حكومة جديدة في إطار مقتضيات الدستور، عوض الاكتفاء بما كان يروج له من احتمال حدوث تعديل حكومي واسع، وذلك قصد تجاوز حالة الاستياء العام وامتصاص الغضب الشعبي، خصوصا بعد صدور تقارير قاتمة عن مؤسسات دستورية كالمجلس الأعلى للحسابات والمندوبية السامية للتخطيط…
إننا وإن كنا نختلف كثيرا مع عدد من المسؤولين الحكوميين حول الأساليب المعتمدة في تدبيرهم الشأن العام، نرفض بشدة كل أشكال التشفي والتنمر والإساءة إليهم على منصات التواصل الاجتماعي، وفي ذات الوقت ندعو هؤلاء المسؤولين إلى ضرورة الاتعاظ بمثل هذه الهجمات التي يتعرضون إليها من حين لآخر، التي تعد بمثابة محرار لقياس حرارة الشارع، أو استفتاء شعبي حر يعبر المواطنون من خلاله عن مدى استيائهم وتذمرهم من الأداء الحكومي…
الحلوتي اسماعيل