الإسلام والأمازيغية
الإسلام والأمازيغية
عبد السلام المساوي
إن الذين يتعصبون للغة العربية ، ويعادون الأمازيغية وغيرها من اللغات ، لا يتورعون عن مخالفة النصوص القرآنية الصريحة والسنة النبوية الشريفة كلما أثاروا موضوع اللغات، فهم ضد الاختلاف والتنوع ، ولا يلتفتون الى الآيات العديدة التي تنص على أن الحكمة الألاهية اقتضت الاختلاف في الحياة البشرية ، واكتفي – تجنبا للإطالة – بقوله عز وجل في الموضوع: ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) سورة المائدة – الآية 50.
ومن هذا الاختلاف اختلاف ألسنة الناس ، فيغيب عن ذهنهم – او يغيبون ذلك – قوله تعالى : ( ومن آياته خلق السماوات والأرض ، واختلاف ألسنتكم والوانكم ) سورة الروم ، الآية 21
هؤلاء المتعصبون أباحوا لانفسهم ان يعطلوا سنة الله في خلقه ، وأن يركبوا الجهل ..وفي احايين كثيرة ، وانا أستمع الى بعضهم ، أقول لنفسي : هل لهؤلاء قرآن – يستمدون منه – غير القرآن الكريم الذي اعرفه ؟ وهل لهؤلاء سنة غير السنة النبوية الشريفة يعودون إليها ؟
فالذي يقره القرآن الكريم هو الاختلاف ، والتسامح ، والجدال بالحسنى ، والكلمة الطيبة والتعاون بين البشر ، ألم يأت في كلامه عز وجل ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، ان أكرمكم عند الله اتقاكم ) سورة الحجرات – الآية 13……وقوله : ( ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) سورة فصلت – الآية 33…وغير هذه الآيات ما لا يحصى عددا….
والسنة النبوية الشريفة مجال آخر غاب عن هؤلاء ، فلو قرءوها وفهموها لاستحضروا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم المليئة بالقيم الإسلامية الرائعة ، فهو المؤمن بالاختلاف بمعناه الواسع ، ومن ذلك الاختلاف اللغوي المنصوص عليه في القرآن الكريم ، فلم يثبت ان رد لهجة من لهجات اللغة العربية ، أو لغة من لغات العجم ، بل إنه شجع على تعلم اللغات – كالعبرية مثلا – وكان يتعامل مع غير المسلمين كاليهود مثلا وغيرهم من الأجناس ، أو لم يقل فيه القرآن الكريم : ( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ) سورة الانبياء – الآية 16…
نسي هؤلاء الغلاة، وهم في غمرة دفاعهم الجاهلي عن تصورات عتيقة للاسلام السياسي ، ان ملايين المسلمين في انحاء العالم بأسره لا يتحدثون اللغة العربية ولا يفقهونها ولا يعرفون عنها حرفا ، وانهم يضطرون لقراءة القران لاجل الصلاة مكتوبا بأحرف لغاتهم الأصلية ، ومع ذلك هذا الأمر لا ينقص منهم ولا من تدينهم شيئا .
ونسي هؤلاء المتعصبون أن الرسول الكريم عليه عليه افضل الصلاة والسلام أمرنا بتعلم لغة الاجانب وإتقانها لئلا نبقى في الأمية نعمه ، ولئلا نكون مثل هؤلاء ومن على شاكلتهم لا نرى ابعد من أرنبة أنوفنا ، ونختار السجن في ضيق أفق لا مثيل له .
نسي هؤلاء وهم يتطاولون على لغة المغاربة الأم ، مثلما تطاولوا على اللغة الدارجة المغربية انهم يمسوننا في لساننا المشترك ، ويفرضون علينا ان نتحدث لغة الجزيرة العربية رغم اننا لسنا من هناك ، بل نحن من هنا ونفخر بهذا الهنا أيما فخر ونعتز بهذا الانتماء المتعدد المسلم اليهودي الامازيغي العربي الاندلسي الصحراوي الافريقي أيما اعتزاز .
نقولها لفقهاء الرحلات المادية هاته الذين يعيشون معنا بأجسادهم فيما قلوبهم وعقولهم في الخارج دوما وأبدا حيث تلقوا كل أسباب العيش الرغيد ؛ ( الا معجبكومش المغرب خويوه ، وسيروا للبلدان التي كتعتقدو انها كتهضر بلغتكم ، وهنيونا ) .
ما عدا ذلك لن تجدوا من اهل هذا البلد الكريم إلا المزيد من النفور منكم ، ومن ضيق افقكم الشهير.
نطمح الى دولة مدنية ، يعود فيها رجال الدين ، يعود فيها الفقهاء الغلاة ، الى معابدهم ومقابرهم …نطمح الى تطهير هذا البلد البلد الامين ؛ بلد التسامح والدموقراطية ، بلد التعدد والاختلاف ؛ نطمح الى تطهيره من تجار الدين وتجار السياسة ؛ الذين اساؤوا الى الدين والسياسة سواء بسواء ….
نطمح الى تطهير المغرب من اعداء الأمازيغ المغاربة واليهود المغاربة …..أعداء التنوع اللغوي والثقافي …تطهيره من دعاة الانغلاق والتعصب ،زارعي الحقد والفتن ….
بقناعة الإيمان المؤسس على جوهر التدين المغربي ، وكمسلم مؤمن بالاسلام الحنيف ، هذا الدين السماوي القائم على الرحمة والحب والتسامح والتآخي …و كمناضل متشبع بالموروث الثقافي المغربي الأصيل ، ومتشبع بقيم اليسار الكونية : العقل ، الحرية ، التسامح ، الايمان بالاختلاف ، احترام المعتقدات ، الحوار….أنبذ العنف ، التعصب ، الانغلاق والانعزالية ، الحقد والكراهية ، القتل والارهاب …
إن المؤمن القوي هو فعلا أفضل بالنسبة لله من المؤمن الضعيف . والمؤمن القوي في زمننا هذا هو المؤمن الذي يمتلك سلاح المعرفة واللغات وانتاج العلم وتقديم الأشياء المفيدة لعالمنا الذي نعيش فيه .
المؤمن القابع في تلاليف ظلامه غير قادر حتى على صنع مصباح صغير لا يصلح لشيء .
المؤمن الذي لا يتقن لغات الغير ، والذي لا يتقن أحيانا حتى اللغة الأصلية التي ولد بها ، والذي يكتفي بترديد ما يقال له مثل الببغاء لا يصلح لشيء .
والمؤمن الذي لا يستطيع أن أن يدخل معترك هذا النقاش مع الغربيين بأسلحة وأدوات هؤلاء الغربيين أنفسهم هو أيضا لا يصلح لشيء.
في العصر العباسي الأول ، العصر الذهبي ، سخر الخليفة المأمون إمكانيات الدولة المادية والبشرية لنقل وترجمة علوم وفلسفة اليونان ، وأنشأ لهذا الغرض مؤسسة ” بيت الحكمة ” …وتشبع المعتزلة بالفكر العقلاني الفلسفي ، ووظفوا العقل للدفاع عن الاسلام والتصدي للفرس الذين كانوا يريدون هدم الاسلام وصولا الى إلى الإطاحة بدولة المسلمين وخلافتهم ، ولمواجهة هذا الخطر الخارجي ، لجأ المأمون الى العدو التقليدي للفرس ، فوظف الفلسفة اليونانية لمواجهة الغنوصية الفارسية ، ووظف أرسطو لمواجهة ماني وزرادتش ومزدك …وكانت مهمة علم الكلام المعتزلي هو الدفاع عن الاسلام بالأدلة العقلية والمنطقية …وهذا درس للمسلمين في كل زمان ومكان … ان مكافحة الارهاب والتطرف ليست في ساحات القتال فقط ، بل تبدأ وتنتهي في الضمائر والعقل وأيضا النوايا …!
من هنا وجب علينا أن نخوض معركة الثقافة والعلم والمعرفة ، وأن نتفوق فيها لأن المسلمين الذين كانوا قادة العالم في وقت سابق قادوه بفضل انتصارهم في هذه المعركة ، ولم يقودوه بفضل سبابهم والشتائم والتهديد بالقتل والمقاطعة وبقية التفاهات .
هذه هي المعركة الأهم : أن نصبح منتجين للمعرفة والعلم عوض أن نبقى على قارعة الطريق ، نسب الناس أو نقتلهم ، أو في حالة العجز عن ذلك نهددهم بالقتل ونعتقد أننا نحسن صنيعا ….
نعم نؤمن بأنه لا يحق اللعب بالاسلام او الاستهتار به وبرموزه وبنبيه عليه أفضل الصلاة والسلام ، ونؤمن أننا كمسلمين ، علينا أن ندين أي فكر أو عمل إرهابي مهما كان ضحاياه أو الهدف الذي ارتكب من أجله ، ونعلن رفضنا لأي فكر ارهابي متطرف …وعلينا أن ندرك ان الإساءة للأديان تحت شعار حرية التعبير هي دعوة صريحة للكراهية والارهاب ….كما يجب تفادي نشر الاسلاموفوبيا التي لا تقل خطرا عن الارهاب والتطرف .
ينطلق التكفيري من كونه مرجعا ومصدر قيم الإيمان وعدمه.
وهو لا يتساءل من اين له تلك المكانة التي تخول له توزيع صفات الإيمان والكفر، لأنها من طبيعة الأشياء، مذ قرر ان يبوء نفسه تلك المكانة من دون الناس.
ليس بإمكان الذي يكفر الناس ان يفكر، او يتخيل، ان هناك من يعتبرونه قد تجاوز، من خلال سلوكه بالذات، مواقع الإيمان للسقوط في هاوية لا تتماهى مع الإيمان في كل الأحوال.
وإلا فما معنى الإيهام بمعرفة سرائر الناس؟
إذا كان الرسول وهو صاحب رسالة الاسلام، يرى أن من نطق بالشهادتين يحرم هدر دمه، حتى في حالات من الواضح فيها ان النطق بهما يرمي الى الحفاظ على النفس اكثر مما يدل على الإيمان المباغت قبيل نزول السيف على الرقبة في ساحة من ساحات القتال، وأقول القتال وليس القتل، فبأي حق يتم تكفير ملايين المؤمنين من قبل أفراد، يظلون معدودين رغم كثرتهم هذه الأيام، نصبوا أنفسهم من تلقاء أنفسهم حماة للمعبد ومنافحين عن الإيمان عبر توزيع صكوك الكفر والمروق وغيرها من الفتاوى التي تنتهي الى نشر فكر الفتنة والقتل في المجتمعات الآمنة، قبل ان يبرز هؤلاء التكفيريون لمصادرة مختلف الحقوق والحريات الفردية والجماعية، باسم ما يزعمون انه الدين الحق والإيمان الذي لا تشوبه شائبة الزيغ والانحراف ولا يأتيه الباطل أبدا.
فهل هذا ناجم عن كونهم حفظة القرآن الكريم؟ ام هو ناجم عن المامهم الواسع بتاريخ الاسلام؟ ام هو ناجم عن تتبعهم للأحكام الفقهية عبر العصور؟ ام هو ناجم عن معرفتهم العميقة بالسنة النبوية ومختلف المذاهب والاجتهادات؟
هذا ما يقولون عادة وهذا ما يوحون إليه في نصوص فتاواهم .
وبذلك قد يؤثرون بقوة على من ليست لهم دراية كافية بطبيعة كل تلك القضايا فيعتقدون انهم منبع الحق كل الحق ومرجعية في تحديد الإيمان كما في الدلالة على الكفر.
لكن لماذا لا يقولون للناس أن كل ذلك لا يكفي لاحتكار الإيمان بالطريقة التي يعتقدونها؟ لماذا لا يقولون لهم ان كل تلك المباحث مفتوحة، تماماً، امام كل طالبيها، قديما وحديثا، دون ان يكون ذلك دليلا على الإيمان، بالمعنى الذي يروجونه؟ وهل يجهلون ان المسلم يمكن ان ينهل من تلك المباحث والعلوم، كما يمكن ذلك تماماً لغير المسلم من اتباع الديانات الاخرى؟.
بل ويمكن كل ذلك حتى لمن ينكر الأديان كافة.
من الصعب ان يعترفوا بذلك، وينشروه في الناس، لأنه سيعني ان ما يعتبرونه رأسمالهم المقدس هو مشاع بين ذوي الاختصاص من كل الأجناس والأقوام والديانات والأيديولوجيات المتباينة الى حد التناقض. وإذا كان مشاعا بطل ادعاء كل امتياز.
ومن هنا يمكن قلب مفردات المعادلة تماماً من خلال القول: ان الناس ليسوا مدعوين لإثبات إيمانهم عبر الخضوع لهرطقات التكفيريين والاستسلام لأهوائهم المتقلبة في كل المناسبات. وانما المطلوب من هؤلاء ان يبرهنوا على إيمانهم اولا وقبل كل شيء.
وهنا تكمن مشكلة التكفيريين في الواقع.
اما المجتمعات الانسانية، فانها تعيش حياتها الروحية كما يسمح لها بذلك الحس السليم والفطرة النقية التي لم يخالطها شيء من المرض التكفيري العضال.