جنوب أفريقيا من إرهاب الدولة إلى احتيال الدولة
كما أن بعض البلدان التي لا تحترم القانون الدولي، تمارس إرهاب الدولة حين تنحاز إلى الإرهاريين و تدعمهم و تؤيد أطروحاتهم العدوانية، فكذلك تمارس بلدان أخرى ، احتيال الدولة ، عندما تستغل الظروف فتقوم بتحويل السياسة المعتمدة للمنظمات التي تنتمي إليها، إلى تحقيق أجندتها المرسومة لفائدة المصالح التي تخدم السياسة المتعارضة مع القانون التي تعمل لها ، فيما يصطلح عليه بالاحتيال السياسي والاستغلال الدبلوماسي.
وهذا ما ينطبق على جمهورية جنوب أفريقيا التي احتالت على مجموعة دول بريكس المؤسسة ، وهي روسيا و الهند والصين والبرازيل، فتصرفت تصرفاً أحادياً فيما يتعلق بقمة بريكس/أفريقيا التي افتتحت أعمالها بمدينة جوهانسبرغ يوم أمس وتنتهي غداً 24 غشت الجاري، بحيث وجهت الدعوة لحضور القمة لمن يستحقها ولمن لا يستحقها، مثل الجماعة الانفصالية البوليساريو التي ترتبط بها ارتباطاً متيناً، وتعترف بالجمهورية الوهمية التي أنشأتها بدعم مطلق ومساندة أساسٍ من النظام الجزائري ، هذا فضلاً عن نشرها لأخبار مزيفة، وعلى لسان وزيرة خارجيتها ، عن طلب المملكة المغربية الانضمام إلى مجموعة بريكس ، وعن توجيه الدعوة إليها للمشاركة في قمة بريكس/ أفريقيا.
وكلها محض أكاذيب قامت جنوب أفريقيا بترويجها لغرض واضح لم يخفَ عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ، فبادرت إلى تكذيب هذه المزاعم وتأكيد أنه لم يكن وارداً، بأية حال من الأحوال، تقدم المغرب بطلب الانضمام إلى مجموعة دول بريكس ، أو لحضور قمة جوهانسبرغ.
والاحتيال المنتهك للقوانين الدولية والمتعارض مع التقاليد الدبلوماسية، الذي مارسته جمهورية جنوب أفريقيا، لا ينفصل عن السياسة العدوانية للنظام الجزائري تجاه المملكة المغربية، بل يؤكد أن ثمة اتفاقاً بين البلدين على نشر هذه الأكاذيب من جهة، وتوجيه الدعوة للجمهورية المزيفة لحضور قمة بريكس من جهة أخرى، نظراً لما يربط جنوب أفريقيا والنظام الجزائري من علاقات متعددة الأبعاد، منها البعد الانفصالي والتعاون المشترك في دعم عصابة البوليساريو، سواء داخل الاتحاد الأفريقي أو خارجه ، و هو ما يؤكد السياسة العدوانية التي تنهجها بريتوريا تجاه المملكة المغربية منذ بزوغ النزاع المفتعل من طرف الجزائر حول الصحراء المغربية وإلى يومنا هذا.
إن النظام الجزائري حاضر في جنوب أفريقيا من خلال الممارسات غير القانونية التي يقوم بها، بما في ذلك شراء ذمم بعض القيادات السياسية النافذة، والتحكم في السياسة الخارجية للدولة، وإفساد وسائل الإعلام لإرغامها على الانحياز إليها، وتعكير الأجواء السياسية في هذا البلد الأفريقي ، لتظهر الجزائر وكأنها الدولة الوسيطة للمصالحة بين الفرقاء المختلفين في الرأي حول القضايا الداخلية، بحيث يمكن القول إن النفوذ الواسع الذي تمارسه الجزائر في جنوب أفريقيا يفتح أمامها الطريق للتحكم في تحديد المسار لقمة بريكس/أفريقيا.
وكان مما يتفق وطبائع الأشياء أن تتقدم الجزائر بطلب للانضمام إلى مجموعة بريكس ، ما دامت حليفتها جنوب أفريقيا تترأس هذه القمة التي استغلتها أبشع استغلال، بعيداً عن الدول المؤسسة لهذه المجموعة ، وهي روسيا و الصين والهند والبرازيل، التي عقد أول اجتماع بين قادتها في سنة 2006، قبل أن تنضم جنوب أفريقيا إلى المجموعة في القمة الثالثة المنعقدة سنة 2011.
ويعكس هذا الاستغلال البشع لانعقاد قمة بريكس/أفريقيا في جوهانسبرغ ، الاستخفاف المشين بالأهداف الإنسانية التي حددتها الدول المؤسسة الأربع ، وللمغرب علاقات شراكة استراتيجية معها كلها ، بقدرما هو انتهاك صارخ للقاعدة التي اعتمدتها هذه الدول، وهي بناء تكتل اقتصادي يسعى لكسر هيمنة الغرب على الاقتصاد العالمي، وإنشاء كتلة جنوب/جنوب لخدمة السلام الإنساني.
ولقد تصرفت المملكة المغربية بحكمة وبمسؤولية وبروح إنسانية عالية، حين أوضحت في بيان رسمي لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أنه لم يكن وارداً أن تتقدم بطلب الانضمام إلى مجموعة بريكس وحضور قمة بريكس/أفريقيا، مع التأكيد في الوقت نفسه على العلاقات الممتازة بين المغرب والدول الأربع المؤسسة لبريكس.
وهكذا يكون المغرب قد أفسد مخطط نظام جنوب أفريقيا المتحالف مع النظام الجزائري، وأربك حساباتهما، ووجه ضربة قاصمة للسياسة العدوانية الشريرة التي يتعاملان بها مع المملكة المغربية.
عن جريدة العلم