وداعا نجاح سلام ، وداعا ( يا أغلى اسم في الوجود )
وداعا نجاح سلام ، وداعا ( يا أغلى اسم في الوجود )
عبد السلام المساوي
ونحن أطفال ، ونحن صغار ، ونحن كبار…في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات …أحببنا نجاح سلام ، المطربة الأنيقة بأغاني بسيطة وممتعة …انشودة طفولتنا …نغم حياتنا …كانت وستبقى …فأنت الخلود…
غنت فأطربت ورقصنا فرحا ؛ ” ميل يا غزيل ” ، ” برهوم حاكيني ” ، ” شب أسمر جنني ” ، ” دخل عيونك حاكينا ” ، ” عايز جوباتك ” …
غنت للوطن ، لبنانية عشقت مصر ، غنت لمصر ” يا أغلى اسم في الوجود يا مصر ” ، ” أنا النيل مقبرة للغزاة ” وغنت ” سوريا حبيبتي ” …
دخلنا قاعات السينما من باب أنها نجاح سلام …فنانة مختلفة …حسناء السينما ، أتذكر فيلم ” سر الهاربة ” مع الأسطورة سعاد حسني ….رفيقة العملاق فؤاد المهندس …كانت هرما من أهرامات الفن في الزمن الجميل …كانت فنانة بثقافة ووعي ..كانت نجاح سلام …
تنساب الكلمات في تلقائية كأنها شلال لا ينضب نميره عن التدفق ، يتدفق الصوت رطبا على القلب في تناسق عجيب بين رقصات الجسد ، تناسق يوقظ فيك الفرح الطفولي لتنفتح الابواب تدريجيا لقلب يبحث عن الجمال العفوي التلقائي.
نجاح سلام بصوتها الفاتن وهي تشدو …صوت جميل وقوي ،لكنه يفيض انوثة …صوت فيه الكثير من الصدق بعنوان البساطة والهدوء .
وانت تستمع لنجاح سلام ، وانت تنصت لها ، تتمنى ان يطول الانصات والاستماع، تتمنى الا ينقطع …تستمع الى نجاح وانت تستمع بصوت رخيم جميل ينطق جمالا وفتنة ….تستمع الى نجاح وكانك في رحاب سمفونية موسيقية فيها البساطة لكن فيها موهبة وإبداع ….وكانك تصلي في معبد النساك المتعبدين …وعندما يتوقف الإرسال تبقى مهووسا بصوتها …انغامه تسكنك وتطرد من اذنك كل صوت نشاز …هو صوت تسمعه لأول مرة فتسقط عاشقا مغرما ولهانا …فوداعا صاحبة الصوت النقي الطاهر …وعزاء لكل من اتيحت له فرصة الاستماع والاستمتاع بهذا الصوت ، صوت البلبل المغرد بالحان طبيعية بعيدا عن التكلف والتصنع .
والصوت هنا جزء من الكل …نجاح سلام جميلة صوتا وصورة ، شكلا ومضمونا ، ظاهرا وباطنا ، سطحا وعمقا …انها بنية متناسقة ونسق متناغم …وجه صبوح ، يصعب تصنيفه ، يستحيل تحديده ….فيه فسيفساء من الملامح…وانت تتأمل وجه نجاح ، وانت تقرأ محيا نجاح ، تصاب بالحيرة ، وتخرج بخلاصة مفادها ؛ جمال الكون كله حاضر في وجه نجاح…
عينان ضاحكتان تعبران بالابتسامة عن الحب والتفاؤل …عينان ناطقتان تخفيان الكثير من الاسرار …عينان جميلتان رغم مسحة الحزن المزمن التي ترقد فيهما…تستطيع نجاح ان تقول اشياء كثيرة ، لكن حركة منها تعفيها من كثرة الكلام …في حصرتها تتعطل لغة الكلام وتفسح المجال لرقصات جسدها لتخاطب العاشق والولهان …جمال صوتها ابلغ وافصح من كل لغات العالم والسنه ….في أغانيها تعلو وتسمو ، تحلق الى السماء ….تعانق جمال السماء بزرقته ونجومه …
انيقة بامتياز الذوق الرفيع ، عصرية ولكنها اصيلة …بعيدا عن العري فهي مغرية وفاتنة …جذابة باستحقاق المرأة التي لا تبدي تضاريس جسدها …وتترك حرية التخيل لكل سابح في بحر جمالها وانوثتها .
انيقة ، ويحار كل من رآها هل اللباس يستمد حسنه وبهاءه من نجاح ام اناقة نجاح من جودة اللباس …وسرعان ما ينفك اللغز فسر الجمال من روح نجاح ….
منذ بداية البدايات عشقت الفن وداعبت الوجود…عز عليها ان تسقط فتستجيب لطيور الظلام …عز عليها ان تخفي وجهها الصبوح بأقنعة قذرة …لم تطق لها سقوطا لهذا اقتحمت قطار الفن مهما غضب السيد والجلاد …أصرت على ان تبقى الراية مرفوعة والوردة مزهرة …
تعطرت بوعي فني مبكر ، وضربت في الأرض في مرحلة حرجة من تاريخ مصر …في سن مبكرة بدأ تشكل الوعي الابداعي والانخراط في الغناء والتمثيل…انخرطت في العمل الفني وهي فتاة جميلة ومغرية…
وقفت نجاح فوق خشبة الحياة وأعلنت عشقها للفن .. .
ألام المرحلة كانت حاضرة في وعيها …هي نجاح، اذن ، فنانة بامتياز إبداعي …مطربة بقناعاتها . …لم تسقط سهوا على الفن …هي فنانة ايمانا واختيارا …اكتسبت شرعية الانتماء بالقوة والفعل ، وانتزعت الاعتراف والتقدير بالصوت والابداع …
و منذ طفولتها كانت نجاح وردة ممسكة بزمام مسار حياتها ….
بعد طفولة هادئة أصطحبت ظلها لعناق الامل ، ودائما كانت تحمل في كفها موهبة وصوتا ولحنا
منذ بداية البدايات كشفت عن موهبة تمتلك قدرة النجاح ، وظلت دائما ودوما متمسكة بطموح االنجاح …
ارتشفت ثدي الفن ونهلت من حليبه ، وتشبعت بمبادئه وقيمه…
لنجاح سلام حضور فني قوي ، حضور ينشدها كل يوم ويذكرها ،بل ويغنيها ويتصاعد في تناغم مع مسار جمالي …هي اصلا تربت ضد الصمت ..تربت على الغناء والتمثيل ..وهي طفلة ، وهي تنمو ، نما فيها كره الاختفاء وراء الأقنعة …كانت مترفعة في لحظات الهرولة …كانت واثقة في زمن التيه …كانت مؤمنة بان النجاح اجتهاد وعمل…وان الفن اختيار والتزام …