باطما والتماس العفو الملكي من خارج السجن!
باطما والتماس العفو الملكي من خارج السجن!
كسائر المواطنات والمواطنين المغاربة وخاصة المهتمين بالشأن الفني ببلادنا، فوجئت بملتمس العفو الملكي الذي تقدمت به الفنانة دنيا باطما عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى عاهل البلاد محمد السادس، مباشرة بعد قرار غرفة الجنايات بمحكمة النقض بالرباط يوم الخميس 28 دجنبر 2023 الرافض لطلب الطعن في الحكم الصادر ضدها إثر متابعتها بتهم المشاركة في ولوج نظام المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال والتهديد والمساهمة في عرقلة سير هذا النظام وإحداث اضطراب فيه…
حيث أن محكمة الاستئناف بمدينة مراكش أدانتها في 21 يناير 2021 بالسجن النافذ لمدة 12 شهرا وغرامة مالية قدرها عشرة ألف درهم على خلفية متابعتها من طرف النيابة العامة في الملف الشهير بقضية حساب “حمزة مون بيبي”، الذي يتضمن بث وتوزيع أقوال أشخاص وصورهم دون موافقتهم عن طريق الأنظمة المعلوماتية، فضلا عن ترويج وقائع كاذبة بهدف المس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم.
وهو الملف الذي كانت الغرفة الجنحية التأديبية بالمحكمة الابتدائية بمدينة مراكش قد قضت في 30 يوليوز 2020 بإدانة الفنانة باطما بثمانية أشهر حبسا نافذا وغرامة قدرها عشرة آلاف درهم، مع أداء تعويض مدني قدره عشرين ألف درهم للمطالبتين بالحق المدني وهما مغنية ومصممة أزياء مغربيتان.
وهو الحكم الذي دخلت بسببه باطما في نوبة بكاء حادة على الهواء، عبر بث مباشر سجلته لمتابعيها على حسابها الموثق في إنستغرام تتحدث فيه عن كواليس مثيرة حول ملف “حمزة مون بيبي” الذي هز الرأي العام الوطني قبل حوالي أربع سنوات، مؤكدة لجمهورها بألا علاقة تربطها وشقيقتها ابتسام به، وملتمسة في ذات الوقت من صاحب الجلالة التدخل للعفو عنها خوفا من دخول السجن.
إلى هنا يبدو الأمر واضحا وأن القضاء المغربي أكد مرة أخرى أن المغاربة سواسية أمام القانون، حيث لم يعمل سوى على إنفاذ القانون بصرف النظر عن شهرة الفنانة باطما، لكن ما لا يبدو طبيعيا هو أن تسارع إلى استغلال الفضاء الأزرق وتتجرأ من خلاله على التماس العفو من جلالة الملك الذي تنطق الأحكام باسمه، في ملف قال فيه القضاء كلمته وهي مازالت خارج السجن.
فالعفو الملكي حق سيادي مخول لملك البلاد حسب الفصل 58 من الدستور، الذي ينص على أن الملك يمارس حقه السيادي في إصدار أمره السامي المطاع بالعفو عن الأشخاص المعتقلين والموجودين في حالة سراح، المحكومين من لدن المحاكم المغربية في قضايا أمن عام أو خاص من ذوي السلوك الحسن إبان فترة سجنهم، أو المحكوم عليهم بمدد سجنية قصيرة ولا يشكلون أي خطر على الأمن العام، وأن يكونوا قد قضوا نصف عقوبتهم الحبسية في السجن، وذلك خلال الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية.
فكيف سمحت الفنانة باطما لنفسها وهي التي لا تتوفر على أبسط شروط طلب العفو الملكي، القيام بذلك خارج القنوات القانونية؟ وبصرف النظر عما خلفه هذا “الاستعطاف” من ردود فعل متضاربة، يرى خبراء قانونيون ومحامون أن طلب العفو الملكي لا يوقف العقوبة السالبة للحرية، وأن قرار السجن أصبح ساري المفعول مباشرة بعد رفض محكمة النقض طلب الطعن الذي تقدم به دفاع المتهمة، وأن تنفيذ إيداع الفنانة باطما السجن ليس سوى مسألة وقت وإجراءات إدارية وقضائية وحسب، في انتظار توصل النيابة العامة بمراكش بمراسلة في الموضوع من نظيرتها بمحكمة النقض في الرباط.
ويشار في هذا السياق إلى أن قرار محكمة النقض في أي ملف يصبح بقوة القانون حكما نهائيا، وعليه سيتم لا محالة تحويل ملف باطما إلى محكمة الاستئناف بمراكش، وتبليغ النيابة العامة التي ستصدر قرار تنفيذ الحكم، غير أن توقيت ذلك يظل رهينا بالمساطر الإدارية واستدعاء المتهمة بعد تحريك مسطرة الاعتقال، أو إرسال القوة العمومية لاعتقالها في حالة رفضها الامتثال للاستدعاء.
ويمكن للقانون أن يمنحها الحق في سلك مسطرة “إعادة النظر” عند ظهور وثائق جديدة وحاسمة، لم يسبق مناقشتها سواء في المرحلة الابتدائية أو مرحلة الاستئناف والنقض…
إن الاستخدام السيء لمنصات التواصل الاجتماعي طالما كان محط انتقادات في عديد المناسبات، ولاسيما عندما يستغل البعض الفضاء الافتراضي في الانتقام، عبر ممارسة السب والقذف والتشهير والابتزاز، اعتقادا منهم أنهم سيظلون بمنأى عن المتابعات القضائية والعقوبات السجنية.
ناسين أن الفصل 48 من القانون 13.103 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، يعاقب بالحبس “سنة واحدة إلى ثلاث سنوات، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته أو دون الإشارة إلى كون هذه التركيبة مفبركة وغير حقيقية، وقام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم”
اسماعيل الحلوتي