جلالة الملك قدم الدرس ، وعلم العالم معنى المساندة الحقيقية للشعب الفلسطيني
جلالة الملك قدم الدرس ، وعلم العالم معنى المساندة الحقيقية للشعب الفلسطيني
عبد السلام المساوي
تضامنا مع ما يعيشه سكان قطاع غزة من مأساة إنسانية ، أعطى جلالة الملك محمد السادس ، رئيس لجنة القدس ، تعليماته لإطلاق عملية إنسانية تهم توجيه مساعدة غذائية ، عن طريق البر والجو ، لفائدة السكان الفلسطينيين في غزة ومدينة القدس الشريف .
إن ما قام به المغرب من مبادرة إنسانية للتخفيف من معاناة السكان الفلسطينيين ، سيما الفئات الأكثر هشاشة ، وتكفل الملك من ماله الخاص ، بجزء كبير من المساعدات المقدمة ، سيما تلك الموجهة للرضع والأطفال الصغار ، لا تعكس فقط بها الإنساني بل تجسد بالأفعال وليس الأقوال مكانة القضية الفلسطينية عند المغاربة وملكهم .
إن الالتزام المغربي تجاه القضية الفلسطينية دليل آخر على أن المغرب ملكا وشعبا ملتزم تجاه فلسطين ، وأن ما يقوم به رئيس لجنة القدس من مواقف وأعمال جليلة لا تمليه الظروف والحسابات بل هو قناعة ثابتة ودائمة .
ففي وقت استكان دعاة الممانعة ومحاربة التطبيع إلى الصمت والتنديد من بعيد ، ولغة المزايدات وتصفية الحسابات السياسية ، كثفت المملكة المغربية ، على مدى أربعة أشهر، اتصالاتها مع جميع الأصدقاء والمؤسسات والدبلوماسيات من أجل فتح منفذ في الحصار ، تدخل منه المساعدات إلى من يحتاجها من الفلسطينيين ، دون أي خلفية أخرى، غير السمو الإنساني وإجبار العدو الصهيوني على التراجع والرضوخ .
إن النجاح في إدخال 40 طنا من المساعدات المختلفة من معبر بري ، ظل مغلقا منذ عدة أشهر هو تجسيد لإيمان عميق بعدالة القضية الفلسطينية ، وانحياز مبدئي لها ، وجواب عن الادعاءات المغرضة ، التي ربطت بين مشروع إعادة الاتصال بين المغرب وإسرائيل ، واغتيال القضية .
فليس غير المغرب وحده من يستطيع فرض شروطه وسط الحصار والتعنت ، إذ في وقت ترفض تل أبيب الجلوس إلى طاولة التفاوض من أجل إقرار هدنة جديدة في القطاع ، ورفضت دعوات موجهة لها من أمريكا ذاتها ، كانت سلطات الاحتلال تعطي الإذن لفتح معبر بري من أجل مرور الشاحنات المغربية داخل التراب الفلسطيني ، وتفادي الإسقاط الجوي العشوائي .
إن ما فعله المغرب على الأرض ، في شهر فضيل ، تشرئب فيه الأعناق إلى الرحمة والغفران ، هو ما عجزت عنه الظواهر الصوتية الأخرى ، التي حولت القضية إلى أصل تجاري ، وورقة رابحة في بورصة المزايدات وتنويم الشعوب الجائعة ، التي تقدم لها فلسطين وجبة شهية للتضامن والنوم في العسل .
شكرا جلالة الملك …لقد قدمت الدرس ، وعلمت العالم أن المساندة الحقيقية للشعوب ، لا تكون وقت الرخاء ، بل أوقات المحن ، والابتلاءات الكبرى .
قدم المغرب لمحبيه دليلا إضافيا جديدا على أن تصوره لقضية فلسطين هو التصور الاستثنائي والأكثر إنسانية والأكثر قرنا للقول بالفعل من خلال إرسال مساعدات إنسانية إلى الأهل في غزة .
المغرب لم يكن أبدا بلد شعارات ، ولم يكن مثل بلدان مجاورة لنا بلدا يزايد بالقول على مأساة الفلسطينيين ويريد لها الاستمرار فقط لكي يجد ما يغنيه من الشعارات .
المغرب يعرف جيدا قيمة تلك الأرض ، ويعرف ماهيتها الأولى باعتبارها أرض سلام اختارتها العناية الربانية للديانات السماوية الثلاث لكي تكون التقاء المؤمنين على الأرض .
وفي بلاد أمير المؤمنين الكل يعرف أن الأولوية هي لوقف هدر الدم الفلسطيني ، والاولوية هي لوقف هدر دم المؤمنين من أي ديانة كانت ، والأولوية هي لعودة السلام إلى أرض السلام ، والأولوية هي مساعدة الفقراء والمحتاجين والمرضى في غزة على مواجهة هاته اللعبة الدموية بهم ، ويذهب ضحيتها الأبرياء من المدنيين هنا وهناك الذين يدفعون دماءهم ثمن هاته اللعبة القاتلة والمرعبة .
المغرب وسط كل هذا الدمار ، وكل هذا اللعب بالشعارات والأناشيد موقفه واضح : شعبه متضامن مع الأهل في غزة ، دولته تقدم المساعدات الضرورية للأهل هناك ، قلبه وعقله وتصوره مع حل الدولتين ومع السلام العادل والشامل ومع كل المبادرات الرامية لوقف القتل والعنف وسيلان الدماء في تلك الأرض الطاهرة ، وهو يترك للبلدان التي لا تعرف إلا المزايدات أن تواصل المزايدة لأنها لا تملك عداها ، ويترك للتيارات المتطرفة ان تفرح بكل ميت جديد في تلك الأرض الحزينة لأنه بلد محب للحياة ، ويترك للكاذبين على فلسطين التي أضاعوها منذ النكبة بل وقبل النكبة بوقت طويل ، أن يضيعوا مزيدا من الوقت في المظاهرات الصاخبة التي لم تعد تقنع أحدا بجديتها ، والتي كانت سببا من أسباب هذا الهوان الذي تحياه هاته القضية منذ سنوات .
باختصار المغرب مرة أخرى ، بفضل ملكه كان في مستوى اللحظة وأخرس الذين يزايدون على حب فلسطين وفي حب القدس داخل البلد الذي يرأس لجنة القدس والذي يعرف جيدا معنى عودة السلام ذات يوم إلى أرض القدس .
لا أحد يمكن أن يزايد على الدولة المغربية بخصوص القضية الفلسطينية ، كما أنه لا أحد لديه الحق لاعطاء المغرب والمغاربة دروسا في الدفاع عن القدس ، فمنذ عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني الى اليوم مع خلفهما محمد السادس ، تقدم بلادنا دعما لامشروطا لفلسطين وتجسد في كل أزمة معنى الوقوف الى جانب القدس والمقدسيين ، منذ اتفاقية كامب ديفيد ، مرورا باتفاقية اوسلو ولجنة القدس ووكالة بيت المال …. وفي ظل هذا الموقف التاريخي الثابت للدولة المغربية تجاه القضية الفلسطينية ما فتئ رموز الدولة المغربية ، سيما الملك محمد السادس يقوم بكل الجهود الممكنة لإيجاد حل عادل ودائم يحفظ لأشقائنا الفلسطينيين حقهم المشروع في إقامة دولة مستقلة .
وحتى حينما وافق المغرب على توقيع إعادة العلاقات مع اسرائيل باحتضان أمريكي ، فإن بلاغ الديوان الملكي كان واضحا لا لبس فيه ، مشددا على أن التدابير التي تقوم على استئناف الاتصالات والعلاقات الدبلوماسية والرسمية مع اسرائيل يجب أن تكون على المستوى المناسب ، بمعنى أن الاتفاق ليس شيكا على بياض ، ويمكن في أي لحظة إعادة النظر فيه ، حسب ايقاع الأطراف الأخرى ومدى احترام التزاماتها.
ولذلك أصرت البلاغات الملكية على الأقل في مناسبتين ، إحداهما موجهة إلى القيادة الفلسطينية وأخرى الى رئيس الوزراء الاسرائيلي ، التأكيد للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء على موقفنا الثابت الذي يساند الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والدفاع عن الوضع الخاص لمدينة القدس الشريف ، وحماية طابعها الإسلامي وحرمة المسجد الأقصى ، والتشبث بالحل السياسي لإنهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على أساس مفاوضات السلام المباشرة بين الطرفين ، وعلى قاعدة قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي وحل الدولتين ، وإقامة الدولة الفلسطينية والمستدامة وذات السيادة ، وعاصمتها القدس الشريف .
المغرب لا يتعامل مع القضية الفلسطينية بمنطق التكسب الدبلوماسي والاستغلال السياسي ، كما تقوم به أنظمة فاشلة بجانبنا ، بل من منطلق عقيدة دبلوماسية تؤمن بعدالة قضية الفلسطينيين والدفاع عنهم لاسترداد حقوقهم التاريخية والشرعية، بعيدا عن المواقف الظرفية أو الحسابات السياسية ذات الأبعاد الجيوسياسية .