الموزة العذراء
فنجان بدون سكر:
الموزة العذراء
بقلم عبدالهادي بريويك
شعر برغبة في مشاركة أمه هواجسه وانشغالاته، كانت تنظر إليه من بين خصلات شعرها، رأى في عينيها المخضلتين هندسة وتصميما غريبا؛ وخيل إليه أنها تعده بالنجاة وتبث فيها روحا، رفعت رأسها ببطء وإشارات إليه، إشارة خفيفة غامضة.
كان يحس بعينيه الفارغتين تبديان لها كل غباءه.
وقذ جلست عمته الحولاء في الغرفة الكبرى، فارشة تحتها هيدورتها المفضلة، مستعينة بحظها المتعثر وترملها المرير، وحكمتها المستمدة من المحبة والحرمان، من أجل أن توزع الموز على أفراد العائلة. وفق قانونها الحاد والمبهم..
ولما سألها عن سبب شغفها للموز قالت : بمنتهى البراءة …بسبب سهولته وغرابته، التي لا تكلفك سوى أن تنزع عنه قميصه الدهني، فإذا ” الموزة” أمامك عارية، كما ولدتها أمها.
رشيقة، ومكتفية ببياض جسمها الحليبي، وعسلها الشاذ.
ومن تصميمها الانتحاري الذي قد يوصلها من ارتعاشة جسدها الخفي.
إلى التردي فيه، بأكبر قدر من الدعارة والهوان. وبالاستسلام لها ..حد الانتحار.
بقدر ابتسامته المخصبة بالأسى، التي ظهرت في محياه، شعر الرجل أن لهذه الصورة وقعا خاصا عند عمته الحولاء.
أن يتمعنها لأول مرة ويفكر في معناها ويقلبها الوجه على القفا.
لينظر حقيقة عشق عمته للموز.
واعتبرها قصة من بين القصص الكثيرة التي يتناقلها الناس، ويتسامرون بها في جلسات المساء أو آخر الليل، للجناة أو بائعي أزهار الحب وللدجالين، قصص حول؛ عظمة الملوك والأمراء وفتنة السحرة والمريدين، والمطاردين، واللصوص.
وفناني النصب والاحتيال…وحفاري القبور.
وبنات الليل. وبرلمانيو الأمة والوزراء ..
خرج من البيت لعله يرى شيئا مغايرا في الحياة، ويغير من نظرة البيت و يجد ما يصفي مزاجه ويسعد أوقاته ، .
وينسيه حكاية عمته الحولاء، فتح صدره للريح ، ومضى في مسارب الحكاية، يتجول في اتجاه البحر، ليستجمع أوكسيجين نقيا بعيدا عن النفايات التي تنفثها بعض وجوه بني البشر..
كانت جالسة أمامه على ناصية كرسي طويل صوب أمواج البحر وبيدها قليل من الزريعة الكحلاء، تتأمل حظها المثقوب ..بعدما وعدها بالزواج وأخذ منها كل ما لديها وسافر وهاجر ..وانقطعت منه الأخبار. وبقيت منكسرة أمام هذا الحظ العاثر.. وأمام اغتصاب الحلم ..بين موج بحر يزغرد هياما على أغنية الطيطانيك والغرق في دوامة الانكسار.
جلس قربها يتأمل تموجات البحر، على شكل إيقاعات موسيقية ربانية منتظمة، هذا البحر الذي يبذو في محياه هادئ ولطيف ولكنه في العمق كم هو هائج ومخيف، وبعد صمت طويل سألها قالا:
وهل تراه سيعود؟
لربما ..فالغايب حجته معه؟
وهل تهتمين؟
أهتم.
كيف؟
سترين.
تحلم.
عميقا.
كيف؟
أحلم بالحلم.
تكتب؟
أصنع.
ماذا؟
أصنع حضارة من حب.
متى نبدأ؟
حين نبدأ.
أنا أيتها السيدة، كنت أجمع ما لم يقذفه البحر من محار وأهديه للأطفال..
تحب ؟
بل قولي، أتأمل.
حبي للأشياء يبدأ لما تشتعل في ذهني؛
يكتوي لحمي
تتفرع في القلب شجرة الحب والدخان
أحن إلى مالم تطأه قدم بعد
من التلال..
إلى التي الأولى كانت والأخيرة
سنديانة ممشوقة في انبساط الآتي،
عندما تكثر العشيقات
وتبقى هي الوحيدة
مملكة تطلقني في فضاء
في انعطافات صيف،
ثم تحبسني..
وترا مشدودا
فهل تمنحيني شيئا من إبداعك الحر
يا مملكتي الصغيرة ….التي لا أملك
سأبعث دورة جديدة
في أجنحة الطيور القعيدة
وانظري نظرة واحدة إلى غابة
مغموسة في البحر
تصرعها طلاسم الروح
دعيني لليل يا ابنة الاختناق النرجسي
وخذي سجود الأبالسة
وكل جمعة مباركة زوري المقابر
فوجهك بلسم شفتك السفلى
ودمعك صهيل روحك الكافر ..
ويوم لا يسجد لأنوثتك أحد
أو يوم تلتفتين إلى أصداء سعال
يشيع هواك
سافري في اتساع انحرافي
واغرقي في قرارة الانشطار
دعينا نمشي
على أرض تسبقنا أحلامنا
ونضحك لما تبقى من فصول العمر
يا سليلة كل خريف بهيم
ما لمست جسدك المكنون
وأنت رمانة الحياة
يا نصيبي من ركام الشوارع
وفردوسي فيمن يخلفني بعد الفجر
فيمن يتشكل من بصاق القارعة
دفناك عارية في السماء
وترقبنا المطر
لكن لا ماء ..لا وفاء
ولا البستان ازدهر.
لكنه ومع كل هذا الفضاء الرحب من النقاش الدافئ بينهما إلا أنه ظل منشغلا بما وصله تحليله من وراء عشق عمته الحولاء للموز، وهل التي أمامه من أي نوع من الموز تعشقه؟
فلم يتوانى حتى بادرها بالسؤال، أيهما أحب إليك التفاح أم الموز؟؟؟ فقالت: بشراهة ؛ الموز طبعا …فهو ألذ الخصام..
فانطفأت براءته وانقشعت من خلف ابتسامته الشاعرية ستار الحيرة والتساؤل.
والشك والريبة. واعتبر أن بائع الموز تاجر بالأعضاء التناسلية الطبيعية؛ الفلاحية؛ الزراعية…وأنه منحط باعتباره وسيطا من شعبة القذارة مسخرا للدعارة . وأن كل من تشتري موزا في نظره مومسا وأنها تعاني القرحة في جهاز الهضم ..
نظر إليها وقال : حد الله بيني وبين الموز وبينه وبين أهلي وبيتي وكل من جاورني بإحسان إلى يوم الدين..
ومضى دون أن يلتفت إلى الخلف مستحضرا الأغنية المغربية “..آش بكاك يا نوارة..آش خلى دمعك يسيل ..”..
وفي طريقه نحو البيت صادف شاحنة انعرجت على الطريق فانقلبت وكانت محملة بما يزيد عن ثلاث أطنان من الموز.
ملأت أركان الشارع, فأخرج بسرعة هاتفه واتصل بزوجته، وسألها السلام؟ فينك؟
أجابته في البيت،
وسألها عن البنات…
فقالت له مازلن في المدرسة:
فقال لها اتصلي بهن بسرعة ..وقولي لهن أن لا يسلكن شارع يوسف بن تاشفين فليسلكوا شارع طارق بن زياد..
علاش.
لأسباب أمنية.
الرباط في : 26 مارس2024 بعد منتصف الليل