انتهازية ابن كيران وصحبه!
انتهازية ابن كيران وصحبه!
مرة أخرى ولن تكون الأخيرة يتأكد للمواطنين بما لا يدع مجالا للشك أن رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، عبد الإله ابن كيران، لا يختلف كثيرا عن أولئك “الساسة” الذين يتخذون من العمل السياسي مطية لبلوغ أهدافهم الشخصية والحزبية، غير عابئين بانشغالات وهموم المواطنين وانتظاراتهم.
إذ أن ابن كيران عوض استنكار السياسة العامة للحكومة في عديد الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرياضية وغيرها، ويقوم مثلا بانتقاد المشاركة الباهتة للرياضيين المغاربة الذين تم اختيارهم لتمثيل المملكة المغربية، وتلك الحصيلة الكارثية التي لم تتجاوز ميداليتين، واحدة ذهبية للبطل المتألق سفيان البقالي في 3000 متر موانع، والأخرى نحاسية من نصيب المنتخب الأولمبي لكرة القدم، رغم كل ما تستنزفه الجامعات الرياضية من ميزانيات ضخمة من المال العام، أبى إلا أن يستنكر بشدة يوم الأربعاء 7 غشت 2024 عبر بلاغ للأمانة العامة لحزبه، ما وصفه بإقصاء الأشخاص المنتمين للحزب من المشاركة في عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى برسم سنة 2024، مطالبا بتدخل السلطات المعنية من أجل تدارك ما اعتبرته “خطأ”، يتعين عليها تصحيحه.
والغريب في الأمر أن استنكار الأمانة العامة لحزب “المصباح” لم يأت فقط للمطالبة بتمكين المقصيين من ممارسة حقوقهم الدستورية والمساهمة المواطنة في الورش الوطني العام كما يزعم صاحب البلاغ، بل إن الأهم من ذلك هو الاستفادة من التعويضات المالية المقررة عن المشاركة في الإحصاء، وبالتالي يستفيد أصحاب ابن كيران وخاصة المنتمين لقطاع التعليم من التفرغ طيلة شهر شتنبر 2024 لعملية الإحصاء، التي ستتزامن مع انطلاق الموسم الدراسي الجديد 2024/2025، مما سيمكنهم من ضرب عصفورين بحجر واحد، الاستفادة من تعويضات المندوبية السامية للتخطيط على المشاركة في عملية الإحصاء والراتب الشهري من خزينة الدولة. وفي هذا السياق أين نحن من مبدأ “الأجرة مقابل العمل” ؟
فليست هذه المرة الأولى التي يقوم فيها ابن كيران بهكذا استنكار وانتقادات، إذ سبق له أن انتقد في نهاية عام 2019 اللجنة المكلفة بمشروع النموذج التنموي الجديد، التي عينها ملك المغرب محمد السادس برئاسة شكيب بنموسى قبل توليه حقيبة قطاع التعليم، لا لشيء سوى أنها لا تضم أعضاء من حزبه بإمكانهم الاستفادة من التعويضات، مدعيا أنها لجنة من تيار واحد، تضم أشخاصا يشككون في الدين الإسلامي، ولا تحترم التوازن المطلوب، علما أن أعضاءها ال”35″ المنتقين بعناية ملكية يتميزون بكونهم مسؤولين كبارا في الدولة وخبراء أكاديميين وكفاءات وخبرات من خارج الطيف السياسي والحزبي المغربي، منهم من يقيم داخل البلاد ومنهم من يعيش خارجها. بيد أن “الزعيم” الذي لا يشق له غبار، كان له رأي آخر وذهب حد التعدي على اختصاصات خلفه رئيس الحكومة آنذاك سعد الدين العثماني، عندما ظل يهدد بانسحاب الحزب من الحكومة والعودة للاصطفاف في المعارضة.
ولمزيد من التأكيد على انتهازية ابن كيران وصحبه، نستحضر هنا تلك “الجذبة” التي أقامها عمدة مدينة فاس ووزير الميزانية السابق ادريس الأزمي الإدريسي، وهو يدافع بقوة عن معاشات أعضاء مجلس النواب وتعدد الأجور والتعويضات في الهيئات الترابية والمهنية المنتخبة والمؤسسات الدستورية والإدارية، مقارنا المهام الانتدابية مع مهام الولاة والعمال والموظفين العموميين عندما قال لحظتها داخل مجلس النواب وهو يخبط بقبضة يده على الطاولة: “واش بغيتو برلمانيين والحكومة والولاة والعمال والرؤساء والمدراء والموظفين يخدمو بيليكي ودون أجر، وفي نهاية الشهر ميلقاو ميوكلو ولادهم؟” دون مراعاة تداعيات الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يمر منها المغرب، جراء تفشي جائحة “كوفيد -19”.
فأي خلط أفدح وأقبح من الجمع بين الراتب الذي يتقاضاه الشخص أو الموظف مقابل عمله المرتبط بمهنته، والتعويضات التي يتحصل عليها النائب البرلماني عن المهام التي يمارسها برغبة منه وعن طواعية؟
ثم أي انتهازية أكثر من أن يعلن ابن كيران على الملأ فور خروجه من رئاسة الحكومة عن إفلاسه المادي، والشروع في البحث عن عمل يسد به رمقه، وهو الذي قضى خمس سنوات رئيسا للحكومة، وما لا يقل عن عشرين سنة نائبا برلمانيا، مع كل ما كان يحصل عليه من تعويضات وامتيازات مزجية ومغرية، فضلا عما كان له من استثمارات في التجارة والتعليم الخصوصي، حتى أن قلب ملك البلاد محمد السادس رق لحال الرجل وتكرم عليه بمعاش استثنائي بقيمة سبعين ألف درهم شهريا من الخزينة العامة؟
ليست هذه النماذج السالف ذكرها سوى غيضا من فيض الانتهازية المقيتة، التي ما انفك يتصف بها ابن كيران وصحبه ممن يتخذون من الدين تجارة مربحة في التلاعب بعقول البسطاء ودغدغة عواطفهم، سعيا منهم إلى استدرار عطف الناخبين واستقطاب أصواتهم في الاستحقاقات الانتخابية.
وإلا كيف لمن يزعم الدفاع عن مصالح المواطنين وقضاياهم الكبرى، أن يرجح مثلا مصلحة عدد من أعضاء الحزب العاملين بقطاع التربية الوطنية على حساب مصلحة تلامذتهم، حين يطالب باستفادتهم من تعويضات المندوبية السامية للتخطيط عن عملية الإحصاء العام للسكان برسم سنة 2024 التي تنطلق مع بداية الدخول المدرسي الجديد 2024/2025 وتستمر إلى غاية نهاية شهر شتنبر؟
اسماعيل الحلوتي