بطولة احترافية بمدرجات خاوية!
بطولة احترافية بمدرجات خاوية!
يحز في النفس كثيرا وبلدنا المغرب يتأهب جيدا لاحتضان فعاليات كأس أمم إفريقيا في كرة القدم برسم سنة 2025 وكأس العالم 2030 في ملف ثلاثي مشترك مع البلدين الصديقين إسبانيا والبرتغال، أن تحرم الجماهير الرياضية خلال السنوات الأخيرة من حضور منافسات البطولة الاحترافية في الملاعب الرياضية، حيث تجري عديد المباريات الهامة بمدرجات خاوية، لدواعي أمنية خالصة، وتفاديا لأحداث الشغب التي تمتد نيرانها الحارقة إلى خارج الملاعب، وتخلف الكثير من الخسائر المادية والبشرية.
ذلك أنه في ظل ما يبذل المغرب من جهود في اتجاه تطوير كرة القدم الوطنية بتعليمات ملكية سامية، على مستوى تأهيل البنيات التحتية والمنظومة الكروية ككل، مازالت ملاعبنا تعاني كثيرا من أعمال الشغب، التي أصبحت تأتي على الأخضر واليابس داخل الملاعب وخارجها، وتخلف صورا سلبية بعيدة عن الروح الرياضية والتنافس الشريف، ويتجلى ذلك فيما يحدث من ممارسات دنيئة تتمثل ليس فقط في تخريب تجهيزات الملاعب، بل كذلك في المس بالممتلكات العامة والخاصة وترويع الساكنة في محيط الملاعب، فضلا عن المشاحنات بين مناصري الفرق المتبارية والاعتداء على القوات العمومية، وما يترتب عن ذلك من إصابات خطيرة واعتقالات واسعة في أوساط المشجعين من الشباب والأطفال القاصرين.
فبالرغم من أن المغرب بذل ومازال يبذل جهودا مضنية لمواجهة ظاهرة شغب الملاعب الرياضية، ويقوم بمحاولات جادة للحد من تداعياته الخطيرة، عبر عدة إجراءات احترازية أو ردعية وعلى كافة الأصعدة، ومنها تنظيم حملات تحسيسية واسعة في أوساط الأنصار والمشجعين بهدف توعيتهم بأضرار ومخاطر هذه الظاهرة عليهم وعلى أسرهم والمجتمع برمته، اعتماد مقاربة أمنية استباقية عبر إحداث فرقة أمنية متخصصة في تأمين التظاهرات الرياضية، ترتكز بالأساس على استراتيجية محكمة لمرافقة مشجعي الأندية في تنقلاتهم نحو سائر المدن المغربية، لتجنب الاصطدامات مع أنصار الأندية المستقبلة.
كما تم العمل أيضا على إصدار نصوص قانونية بهدف مكافحة العنف المرتكب أثناء إجراء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، ويتعلق الأمر هنا بالقانون رقم 09.09 الذي تم بموجبه تعديل وتتميم القانون الجنائي، عبر إضافة الفرع الثاني مكرر، وتحديد الفصول من 308-1 إلى 308-19، لغرض ردع المتسببين في الأعمال التخريبية خلال أو بعد التظاهرات الرياضية، من خلال تجريم مجموعة من الأفعال، وسن عدد من العقوبات…
بيد أن كل تلك المجهودات والمقاربات لم تجد نفعا في الحد من أعمال الشغب بالملاعب الرياضية، لأن الظاهرة أكبر وأعمق من كل تلك الإجراءات والمحاولات، حيث أنها تكمن في غياب دور الشباب والأندية الثقافية وتراجع دور الأحزاب السياسية والجمعيات في تأطير اليافعين والشباب. ثم أين نحن من جمعيات المحبين التي كانت تقوم بأدوار مهمة في التواصل مع الأندية وتأطير الأنصار والمشجعين، بدل ظهور بعض الفصائل “الإلترات” غير المنظمة والتي من الصعب التحكم فيها؟
فالشغب الرياضي من الظواهر التي يجرمها القانون وتطرح عدة تساؤلات حول مسؤولية الأسرة والمدرسة والمجتمع والجمعيات والأندية ووسائل الإعلام، إذ صار واضحا أن ما يحدث من فوضى وانفلاتات أمنية في ملاعبنا، يضر كثيرا بصورة المغرب والرياضة الوطنية، ولا تنحصر المسؤولية في جهة بعينها دون أخرى، بل هي مسؤولية مشتركة بين الجميع، ولاسيما بعد انحراف بعض الفصائل المساندة للأندية الرياضية، التي أصبحت عناصرها أكثر ميلا للتعصب وممارسة العنف في الأحياء وترديد الشعارات المسيئة لمناصري الأندية المنافسة وأسرهم.
لكن هذا التسيب لا يشفع للجهات المسؤولة أن تحرم الجمهور العريض من حضور المنافسات الرياضية، فيما هناك حلول أخرى بديلة يمكن اللجوء إليها ولو بصفة مؤقتة، بدل اللجوء إلى “الويكلو” بإجراء مباريات البطولة الاحترافية في القسمين الأول والثاني بمدرجات خاوية، مما قد يضر بميزانيات الأندية التي تعتمد كثيرا على مداخيل بيع التذاكر، ومنها على سبيل المثال الاكتفاء فقط بمنع تنقل أنصار الفرق الزائرة وإغلاق المناطق الخاصة بهم داخل الملاعب، كما يمكن فرض شروط كاقتناء التذاكر عبر بطاقات التعريف الوطنية أو بطاقات المشجع”ة”، وبالتالي إنزال عقوبات زجرية ضد المتورطين في الشغب وحرمانهم لفترة محددة من ولوج الملاعب.
ثم لماذا لا تستفيد بلادنا ونحن مقبلون على استقبال عشرات الآلاف من مشجعي منتخبات بلدانهم في تظاهرتين رياضيتين كبيرتين (كأس إفريقيا وكأس العالم)، من تجارب بعض البلدان المتقدمة التي عرفت ظاهرة الشغب وكانت ملاعبها الكروية أكثر عنفا ودموية، ومنها بريطانيا وفرنسا والأرجنتين وإيطاليا، التي نجحت في مكافحة شغب الملاعب بفضل تضافر جهود الجميع، حيث ساهم تجند السلطات والمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني في إعطاء نتائج مرضية وصورا حضارية راقية في ملاعبها الرياضية، كما يشهد بذلك النقل التلفزيوني المباشر؟
إن المغرب الذي استطاع رفع عديد التحديات وكسب مجموعة من الرهانات، قادر كذلك على مكافحة ظاهرة الشغب في الملاعب وغيرها من الظواهر السلبية، وما على القائمين على الشأن الرياضي إلا أن يتوفروا على الإرادة القوية والإيمان بالمثل الفرنسي القائل “Quand on veut on peut” أي “عندما نريد نستطيع”، على أن تكون الإرادة جماعية ومشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع ووسائل الإعلام…
اسماعيل الحلوتي