في أفق افتتاح الدورة البرلمانية!
عبد الحميد جماهري
صعب علي عنونة المقال، صعب علي أن أكتب أن الفساد “صارت” له دولة.. لكن الرقم واضح وصريح ومستفز:
الفساد يلتهم سنويا، 50 مليار درهم، وهي الكلفة المالية نفسها التي تتطلبها التغطية الاجتماعية!
كما أن”ميزانية” الفساد، المعروف منه فقط، تبتلع ضعف ميزانية تنزيل ورش الدعم الاجتماعي التي يتطلب قدرها 25 مليار درهم؛
الحماية الاجتماعية التي أمر بها الملك محمد السادس، تبلغ 51 مليار درهم سنويا وتتضمن:
ـ تعميم التغطية بالتأمين الإجباري عن المرض بـ14 مليار درهم
ـ تعميم التعويضات العائلية بـ20 مليار درهم،
ـ توسيع قاعدة المنخرطين في نظام التقاعد
ـ تعميم الولوج إلى التعويض عن فقدان الشغل .
المستفيدون من هاته الثورة الاجتماعية، حسب فصول التعميم، 7 ملايين طفل في سن التمدرس، 22 مليون مستفيد إضافي من التأمين الأساسي على المرض … وغير ذلك مما لا تفوت الحكومة أي مناسبة للحديث عنه وعن هاته الدولة الاجتماعية، واستفادة ملايين المغاربة منها، في اجتهاد محمود يظهر انخراطها في تنزيل الورش الملكي، الذي كان سابقا عليها وتفاصيله الزمنية والمالية والتعبيرية معروفة منذ أيام محمد بنشعبون الذي علمنا من خلاله هاته التفاصيل في أبريل 2021.
لكن ما تبخل الحكومة في معطياته هو ميزانية الفساد!
الفساد الذي أثبت صموده في وجه كل الشعارات، تنامت استثماراته وأرباح بورصته وتضخمت مداخيله.وحسب رئيس الهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة، بات يبتلع ما تبتلعه الدولة الاجتماعية، وفي تواز ن مشين… إذ قدم لنا السيد البشير الراشدي، رقما رسميا، نعتقد بأنه دون ما هو في حكم الكلفة المالية للفساد. هو 50 مليار درهم سنويا!!!
إلى ذلك، ربح الفساد نقطا عديدة أخرى تنضاف إلى أرباحه المالية.
أولها: ضياع الحيوية التي سجلت في 2019، في مجال محاربة الفساد، حيث أن الفساد ومحاربة الفساد خرجت بتاتا من الأجندة الحكومية، لأن سنة 2019 هي السنة التي عرفت آخر اجتماع للجنة الوطنية لمحاربة الفساد..!( مرسوم تشكيل اللجنة ينص على اجتماعها مرتين في السنة على الأقل !).
تصوروا كيف ينتعش الفساد في ظل العطالة المؤسساتية، لأن الحكومة لم تجد الوقت لعقد اجتماع اللجنة بالرغم من أن أرقام السنتين اللتين توالتا، كانت صادمة (انظر التقرير)، ولا شك أن عملية تعطيل محاربة الفساد ترخي بظلالها طبعا على قدرات الدولة التمويلية لبرنامج الملك الاجتماعي، والفساد يلتهم من كل أطراف الدولة، والدولة الاجتماعية بالخصوص..
ففي الوقت الذي تخصص الدولة الاجتماعية لقرابة 22 مليون نسمة هذه الميزانية، نجد أن ميزانية الفساد المماثلة لها، يتولاها حفنة من الفاسدين، في الإدارات وفي المجالس وفي الشركات العمومية وفي القطاعات شبه العمومية..
حتى أننا بتنا نشكر الفقر والفقراء على سمعتنا.. وذلك أن الذي يواسينا هو أننا نحمد الله أن فقراءنا أكبر من الفاسدين بيننا!! في السياق ذاته، تراجع منسوب التخليق بتراجع ترتيب المغرب دوليا في لائحة الدول النظيفة..(ألا يمكن أن يشعر المسؤولون ببعض الغضب؟؟؟؟)..
يحدث لنا هذا التناسل في الفساد**** يحدث ما يحدث في البر الأقصى، وقد حظي قرار المملكة، متابعة إعلان مراكش في منع الفساد، بدعم واسع النطاق داخل الأمم المتحدة، وبرعاية مشتركة من قبل عدد كبير من الدول الأطراف في الاتفاقية، لاسيما الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، المملكة المتحدة وفرنسا) والاتحاد الأوربي بأعضائه الـ 27، وعدد هام من دول مجموعة الـ 77، ومن إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا ومنطقة البحر الكاريبي وأوقيانوسيا وشرق أوروبا.
والإعلان في تعريفه الدولي “قرار تأسيسي يبرز أهمية الوقاية في نظام مكافحة الفساد”.
الآثار الأخرى، لن نجد لها وصفا أفضل مما قاله ملك البلاد نفسه للقارة ولنا منذ 2018 : الفساد أكبر عقبة ووسيلة محاربته هي الصدق السياسي، وقد قالها ملك البلاد بلا لف ولا دوران وبالسيادة المملوءة بالأخلاق “الفساد يشكل أكبر عقبة، ومحاربته صميم الأولويات ووسيلة ذلك الالتزام السياسي الصادق والجهود المخلصة “.فهل من الأولويات يا سادة أن تُعَطَّل آليات محاربة الفساد مدة خمس سنوات؟
قد يكون ذلك، عندما ينقلب سلم القيم وسلم الأولويات نفسها!..
لقد أدى هذا إلى وجود تيارين:تيار مافيوزي، لا يستحي في اختراق المؤسسات والعمل على تلغيم كبريات الطموحات المشتركة بين الملك وشعبه، وتيار ديموقراطي اجتماعي (ديال بالصح) ما زال يقاتل من اجل أن يكون للمصطلحات، للمشاريع والأحلام، معني