بان كي مون “يعتذر” ويكابر
عادل بنحمزة
كل من تابع إستقبال الأمين العام للأمم المتحدة لوزير الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار، لاحظ حجم الإرتباك والغضب الذي كان ظاهرا على وجهه، لدرجة لم يستطع معها إخفاء أحاسيسه الشخصية وهو يقوم بدور يتقاضى مقابله أزيد من 37 ألف دولار شهريا..وقدم في لحظة غضب، أسوء درس للدبلوماسيين الشباب.. فعندما لا يستطيع كبير موظفي الأمم المتحدة كبت غضبه، فلا ملامة على الصغار..
كي مون وفي بلاغ أعقب لقائه لوزير الخارجية المغربي، اصدر بلاغا صحافيا ركز حول ما أسماه ” بسوء التفاهم المتعلق باستخدامه لكلمة “احتلال” كرد فعل شخصي على الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيش في ظلها الصحراويون منذ وقت طويل”، وهو اعتذار محتشم للسيد الأمين العام.. فوضع كلمة احتلال بين معقوفتين، يؤكد تراجعا عنها، كما أن إعطاء التصريح طابعا شخصيا هو عودة إلى جادة الصواب، واعتذار لمجلس الأمن، باعتبار تصريحات كي مون، قبل أن تسيء إلى المغرب أساءت للأمم المتحدة.
ما يجب أن يتم شرحه وتفسيره للأمين العام للأمم المتحدة، أنه خلال زيارته للجزائر وموريتانيا، لم يفعل ذلك بصفته مواطنا من كوريا الجنوبية، بل بصفته أمينا عاما للأمم المتحدة، والتصريحات التي أدلى بها ترتبط بصفته تلك، لهذا كان رد الفعل المغربي في حجم التجاوز الذي وقع فيه الأمين العام، زد على ذلك فكبير موظفي الأمم المتحدة، مفروض فيه أن يتعاطى مع اللغة يحذر شديد، والمصطلحات الديبلوماسية معروفة والآثار القانونية لعدد من المصطلحات معروف أيضا، أما أن نفاجأ بأمين عام للأمم المتحدة في نهاية ولايته، لا يميز بين المفاهيم التي تستعملها الأمم المتحدة لتوصيف وضع بإقليم معين عبر العالم، فهذه إهانة للقانون الدولي و مراجع عمل الأمم المتحدة.
بلاغ المكتب الاعلامي للأمين العام حاول تبرير الانزلاق اللفظي لبان كي مون بما وصفه “رد فعل شخصي على الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيش في ظلها الصحراويون منذ وقت طويل”، فما معنى أن يصدم الأمين العام وهو في نهاية ولايته بالأوضاع الانسانية في المخيمات بتندوف؟ ماذا كان يفعل الأمين العام ومبعوثه الشخصي طيلة سنوات من ولايته؟ علما أن تدخل الأمم المتحدة في النزاع يتجاوز ثلاثين سنة..
لكن في المقابل، لماذا لا يطرح الأمين العام سؤالا بسيطا، لكنه عميق ومحرج للجزائر وللمنتظم الدولي، كيف لا يتمتع المحتجزون في المخيمات بحقوق اللاجئين كما نظمتها إتفاقية جنيف؟ وكيف يستمر سكن المحتجزين في الخيام طيلة أزيد من أربعين سنة؟ في الوقت الذي كان بإمكان الجزائر وجبهة البوليساريو توفير مساكن تحفظ لهم الحد الادنى من الكرامة؟.
الأمين العام لم يدرك أن الحفاظ على المخيمات ومظاهر البؤس – علما أن قيادة الجبهة تقطن الجزائر العاصمة ومدريد – ، هو فقط لأسباب دعائية لازالت تحن إلى أساليب الدعاية السوفياتية، وأنه من المثير أن تنطلي هذه الحيل التواصلية العتيقة على رجل يشغل مهمة الأمين العام للأمم المتحدة، وقضى جزءا طويلا من حياته بين دواليبها.
رد الفعل الوحيد على تلك المأساة التي وقف عليها بان كي مون، والذي كان سيستحق عليها كل التنويه، هو إجبار الجزائر على إحصاء المحتجزين في المخيمات والإعمال الفوري لإتفاقية جنيف التي تمكن اللاجئين من وثائق تمكنهم من الاختيار بين الاستقرار في بلد اللجوء أو العودة إلى الوطن الأصلي أو الإنتقال إلى بلد ثالث.
هذه هي إلتزامات الأمم المتحدة والأمين العام، فالدولة والجبهة اللتان ترفضان مجرد إحصاء “للاجئين”، لا يحق لهما الحديث عن تقرير المصير سواء كان عبر إستفتاء أو حكم ذاتي كشكل من أشكال تقرير المصير.
جريدة “العلم” عدد الجمعة 18 مارس 2016