قراءة تحليل أحمد الشرعي بشأن الحكم الصادر عن المحكمة الدولية ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي
كتبها: فيصل مرجاني
قراءة تحليل أحمد الشرعي بشأن الحكم الصادر عن المحكمة الدولية ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي تفتح الباب لنقاش عميق حول الإشكاليات التي تحيط بمثل هذه الأحكام، خصوصاً حين تصدر ضد دولة تمارس حقها المشروع في الدفاع عن أمنها القومي وسلامة مواطنيها.
هذا القرار لا يكتفي بإغفال سياقات معقدة ومتشابكة تتعلق بالصراع، بل يثير تساؤلات أعمق حول المنطق الفلسفي والسياسي الذي تقف عليه العدالة الدولية، خاصة في زمن يتسم بتزايد التهديدات من الجماعات المسلحة والكيانات غير الدولتية.
في جوهر القضية، ينص القانون الدولي على حق الدفاع الشرعي عن النفس كركيزة أساسية في العلاقات الدولية. المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تجسد هذا الحق، حيث تتيح للدول أن ترد على أي اعتداء مسلح يهدد سيادتها أو استقرارها. ومع ذلك، فإن الحكم الصادر يتجاوز هذا المفهوم، وكأنه يفصل بين حق الدولة في الدفاع عن النفس وواجبها في حماية مواطنيها، مما يثير إشكالية فلسفية عميقة: هل يمكن أن يُفرض على دولة أن تظل مكتوفة الأيدي أمام تهديد وجودي؟ وهل يمكن لمفهوم العدالة أن يصبح أداة لتقويض الأمن القومي للدول بدل حمايته؟ هنا، يبدو أن القرار يعكس تناقضاً داخلياً بين القيم التي يدعي القانون الدولي الدفاع عنها، وبين الممارسات التي تنتج عن تفسيره بشكل ضيق أو انتقائي.
القرار كذلك يسلط الضوء على مسألة ازدواجية المعايير في النظام الدولي.
لو أن المغرب مثلاً، الذي يواجه منذ سنوات تهديدات من طرف جماعة البوليساريو المدعومة من قوى إقليمية، تعرض لهجوم مسلح على أراضيه أو مواطنيه، واتخذ إجراءات صارمة لحماية سيادته وأمنه، هل كنا سنشهد حكماً مماثلاً من المحكمة الدولية؟ التاريخ يعلمنا أن الأحكام الدولية غالباً ما تكون انعكاساً للواقع السياسي وليس فقط للقانون، حيث يُستخدم القانون أحياناً كأداة للضغط على دول معينة بينما يتم التغاضي عن ممارسات دول أخرى. هنا، يتجلى بوضوح خطر تسييس العدالة الدولية، مما يهدد بفقدانها لمصداقيتها كحارس للعدالة والسلام.
أما من الناحية الفلسفية، فإن الحكم يثير تساؤلاً جوهرياً حول مفهوم الحق والواجب.
الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط يرى أن الحق يجب أن يرتبط بواجب أخلاقي، وأن حماية الدولة لمواطنيها ليست مجرد حق، بل واجب لا يمكن التخلي عنه.
من هذا المنظور، فإن تقييد قدرة دولة ما على الدفاع عن نفسها يعني انتهاكاً لواجبها الأخلاقي تجاه شعبها. وهنا، يظهر تناقض آخر في منطق الحكم الدولي: كيف يمكن تبرير معاقبة دولة لأنها قامت بواجبها في حماية أرواح مواطنيها من تهديدات واضحة ومباشرة؟
من زاوية أخرى، يمكن الرجوع إلى أفكار الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل، الذي ركز على أهمية الحرية والحفاظ على الأمن كشرطين أساسيين لتحقيق التقدم.
ميل يرى أن أي تهديد لأمن الدولة هو تهديد للحرية التي تُبنى عليها المجتمعات.
وعليه، فإن الحكم الصادر لا يضع فقط الأمن القومي لإسرائيل على المحك، بل يفتح المجال للتشكيك في قدرة الدول الأخرى على حماية نفسها ضد تهديدات مشابهة، مما يخلق سابقة خطيرة يمكن أن تتكرر في سياقات دولية مختلفة، ومنها الحالة المغربية.
إن هذا القرار ليس مجرد مسألة قانونية بحتة، بل هو إشارة رمزية إلى مسار أكثر خطورة يتبناه النظام الدولي، حيث تتحول العدالة من أداة لتحقيق التوازن وحماية السيادة إلى سلاح يستخدم لإضعاف الدول التي تواجه تهديدات حقيقية.
إذا استمرت هذه الازدواجية، فإننا أمام نظام عالمي يقوض أسس الاستقرار والسلام بدل تعزيزها.
الدفاع عن النفس ليس فقط حقاً قانونياً، بل هو واجب وجودي يرتبط بشكل وثيق بمسؤولية الدول تجاه شعوبها، كما أنه قيمة أخلاقية ترتكز على حماية الحياة، الحرية، والكرامة الإنسانية.
في النهاية، الحكم الصادر عن المحكمة الدولية لا يعكس فقط انحرافاً عن المبادئ القانونية، بل يمثل انتهاكاً صريحاً لفلسفة العدالة ذاتها.
إذا لم يُعاد النظر في مثل هذه الأحكام، فإن خطر استخدامها لتقييد سيادة الدول سيصبح تهديداً مباشراً للنظام العالمي.
الدفاع عن النفس هو حجر الأساس لكل مجتمع ودولة، ولا يمكن لأي منظومة قانونية أو فلسفية أن تنتقص من هذا الحق دون أن تعرض السلام والأمن العالميين للخطر.
فيصل مرجاني