رسالة أحمد التوفيق إلى عبد الإله بنكيران تُعتبر بيانًا سياسيًا عميقًا يصحح المفاهيم ويضع النقاط على الحروف في موضوع العلاقة بين الدين والسياسة
فيصل مرجاني
رسالة أحمد التوفيق إلى عبد الإله بنكيران تُعتبر بيانًا سياسيًا عميقًا يصحح المفاهيم ويضع النقاط على الحروف في موضوع العلاقة بين الدين والسياسة في المغرب.
التوفيق، بخطابه العقلاني والمتزن، يقدم درسًا في الفهم العميق لخصوصية النظام السياسي المغربي، متجاوزًا التوظيف السطحي للدين الذي يعتمد عليه بنكيران في خطابه الشعبوي.
الدولة المغربية تقوم على نظام إمارة المؤمنين، الذي يضمن حماية الدين وتدبير الشأن الديني بعيدًا عن التجاذبات السياسية والصراعات الأيديولوجية. أحمد التوفيق يذكّر بنكيران بأن الدولة ليست علمانية بالمعنى الغربي المتطرف الذي يفصل الدين عن السياسة، لكنها أيضًا ليست دولة دينية تُخضع الحياة السياسية والاجتماعية لتأويلات فقهية محددة. بل هي دولة متوازنة تحمي الدين وتضمن الحريات في الوقت ذاته، وهو نموذج فريد يتجاوز ثنائية العلمانية والثيوقراطية.
عبد الإله بنكيران، في خطابه الشعبوي، يتجاهل هذه الحقائق ويُمعن في توظيف الدين كأداة سياسية، مستغلًا مشاعر الناس الدينية لتحصيل مكاسب سياسية ظرفية. لكن هذا الخطاب يفتقر إلى أي عمق معرفي أو فلسفي. كما أشار التوفيق في رسالته، بنكيران كرئيس حكومة عمل وفق قواعد الديمقراطية الحديثة، التي تستند إلى مفاهيم مستمدة من النظام الغربي العلماني. فقد تبنى قوانين وتشريعات تخدم المصلحة العامة دون أن تكون لها مرجعية دينية صريحة، وهو تناقض صارخ بين خطابه وممارساته العملية.
هذه الازدواجية تكشف أن بنكيران، رغم ادعاءاته، لا يقدم مشروعًا سياسيًا حقيقيًا.
فهو يعارض بدون رؤية، ينتقد بدون حلول، ويوظف الدين كشعار بدلًا من التعامل معه كقيمة أخلاقية وروحية.
التوفيق أشار بوضوح إلى أن الدين، كما يُمارس في المغرب، يتم حمايته من طرف الدولة من خلال إمارة المؤمنين، التي تضمن توازنًا بين الحفاظ على الدين وبين احترام الحريات الفردية والجماعية.
التوفيق ذكّر بنكيران بأن خطابه الشعبوي لا يؤدي إلا إلى إثارة الانقسامات وتغذية سوء الفهم، متجاهلًا حقيقة أن العمل السياسي يجب أن يكون مبنيًا على المعرفة والرؤية الواضحة. كما أشار الفيلسوف ميشيل فوكو، فإن السياسة ليست مجرد ممارسة للسلطة، بل هي إنتاج للحقيقة.
وبنكيران، بخطابه المتناقض، يبتعد عن إنتاج الحقيقة ليقع في فخ التضليل السياسي واستغلال الدين لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة.
رسالة التوفيق ليست مجرد رد على تصريح بنكيران، بل هي شهادة فلسفية وسياسية على أهمية الوعي بخصوصية الدولة المغربية وقدرتها على التوفيق بين الدين والسياسة في إطار من الانسجام والاستقرار. بنكيران، بخطابه الطائش، يُظهر افتقاره إلى هذا الفهم العميق، ويثبت أنه يعيش حالة من التحجر الفكري التي تتناقض مع طبيعة العصر ومتطلباته.
المغرب دولة لها خصوصيتها التاريخية والثقافية والسياسية، وهذه الخصوصية تتجلى في نظام إمارة المؤمنين الذي يشكل إطارًا جامعًا يضمن حماية الدين وتدبير الشأن الديني بعيدًا عن الصراعات السياسية.
التوفيق، في رسالته، يعيد التأكيد على هذه الخصوصية ويضع بنكيران أمام تناقضاته، مشددًا على أن الشعبوية الدينية ليست سوى أداة فارغة لا تُنتج سوى المزيد من التوتر والانقسام.
هذه الرسالة تُبرز أهمية العقلانية والوعي العميق بالواقع في الخطاب السياسي، وتُظهر أن المغرب، بقيادته الحكيمة، قادر على تجاوز التحديات وتحقيق التوازن بين الحفاظ على ثوابته واحترام متطلبات العصر.
فيصل مرجاني