*من صيدنايا إلى خيال إجبار شعب على الركوع… حين يكتب المشرق رواية عن المغرب!*
عبد المجيد الفرجي
خلال حديث على فترات متباعدة، هذا الأسبوع، مع أصدقاء عرب، اكتشفت فجأة أن المغرب يعيش فيلماً من إنتاج “المشرق الكبير”، حيث المغاربة يقضون يومهم بين “ماراثون الركوع” للملك، وجلسات مجانية في نسخة صيدنايا “VIP”!
فلنبدأ بالركوع: حكاية مضحكة وكأن الملك هو مدرب زومبا يلزم الشعب بحركات “التسبيح الفائق”! الحقيقة أبسط من ذلك، تحية الملك التي بعثها لي أحدهم على الواتساب، أشبه بتقبيل يد الجد العجوز، كما يعتقد بعض أصحابها، لطيفة بنظرهم، فهي ليست إلزامية.
هناك من يحيى الملك هكذا احتراماً، وهناك من يكتفي المصافحة العادية مقتربا من الكتف تقديراً.
لا شرطة تراقب الزوايا لتفرض “تمارين الطاعة”!
أما السجون، فهناك من يعتقد أن صيدنايا شحنت ديكورها من المغرب الحالي، حينما عرضها إلى جانب صيدانيا. الواقع؟ المغرب طوى صفحة المعتقلات الرهيبة مثل “تازمامارت” و”درب مولاي الشريف” على سبيل المثال لا الحصر، والتي كانت في وقت سابق، وحصلت فيها تجاوزات لا إنسانية.
هل وضع السجون بالمغرب وردي الآن؟ لا، لكنه بالتأكيد ليس فيلم رعب بطابع صيدنايا!
هل تعلمون يا أصدقائي أن المغاربة ينتقدون وضعهم السياسي والاقتصادي بلا خوف داخل وخارج وطنهم.. وتجدهم أنفسهم يدافعون عن بلدهم في المهجر وفي نفس الوقت يطالبون بإطلاق سراح نشطاء حراك الريف، لا يخشون أن ترفع بشأنهم تقارير أمنية، بل لأنهم ببساطة يحبون “الدار الكبيرة”/ بلدهم وحتى ملكهم.
وهناك أيضا من لا يحب الملك، بل ويحمل مشروع الخلافة الرشيدة ويدخل ويخرج عبر مطارات البلد، بفضل يقضة الشعب وجزء مهم من المسؤولين في الدولة على عدم الرجوع إلى الوراء؛ إلى عهد سنوات الرصاص.
أن تعبر في واضحة النهار دون عنف فذلك من أمن البلد وحرية التعبير التي ناضل من أجلها كثير من المناضلين المحترمين؛ أمثال إدريس بنزكري وأصدقائه ممن كانوا في سجون سيئة الذكر، ثم أخذوا المبادرة في قيادة مسلسل الإنصاف والمصالحة، والذي يمكن أن يعاد إذا كان يحتاجه المغرب من جديد، ليكون متصالحا مع أبنائه كلهم ممن لحقتهم تجاوزات في محاكمات واعتقالات رائحتها سياسية وانتهت بعفو ملكي (على سبيل المثال لا الحصر: إقرار الملك محمد السادس في حوار سابق له مع جريدة “إلباييس” الإسبانية سنة 2005، بأن ملف “16 ماي” عرف تجاوزات في التعامل مع معتقلين بسبب الأحداث الإرهابية التي عرفها المغرب بداية الألفية الثالثة).
ورغم كل ذلك فإن الطموح نحو القطع مع الاعتقال السياسي مطلب دائم من طرف الحقوقيين المغاربة مع العلم أن الدولة تنفي الإعتقال بسبب الرأي السياسي (وإن كان العفو الملكي خلال الصيف الماضي على سجناء ومتابعين قد أضفت عليهم الحركة الحقوقية طابع معتقلي الرأي).. وهو ما يعني أن هناك تجاذبا وتفاعلا وتدافعا سياسيا بين القاعدة والقمة نحو ما ينفع المغرب وأبناء، رغم الأخطاء التي قد تقع بين الحين والآخر..
في الطريق تقع حوادث سير لا يمكن نكرانها، لكن التخفيف منها والمضي نحو عدم وقوعها هو المأمول والمنشود والذي يعمل على تحقيقه المغربي الوطني (ليس الشوفيني).. كل من موقعه داخل وخارج المغرب دون مقارنة مع الدول الشقيقة العربية؛ ليس تعاليا ولا تواضعا بل هي الخصوصية المحلية وربما حتى الجغرافية وسيرورة/صيرورة التاريخ؛ هذا لا يعني نزع المشترك الثقافي من الخليج إلى المحيط، والذي هو بالمناسبة حاصل حتى مع جيراننا في الشمال: إسبانيا والبرتغال شركاء المغرب في مونديال 2030
كلما أراد مغاربة أن يضربوا مثالا يحتدى به في التقدم السريع يستدعون إسم إسبانيا وكيف أنها تطورت في حالة من الطفرة بعد تنظيمها المونديال 1982، فينظرون إلى بلدهم قويا إذا ما أصبح عادلا بين أبنائه؛ هذا هو الحوار والنقاش الدائر بين مغاربة في الداخل والخارج، أي تقوية الجبهة الداخلية ملكا وشعبا بتحقيق الكرامة والعدالة والحرية، فهذا الأمر أضحى مدخلا يؤمن به كثيرون في مواقع مختلفة في الدولة المغربية وبين أفراد من الشعب المغربي؛ لمواجهة أي مخاطر خارجية قد تتربص بالبلد، أو تبتزه بالورقة الحقوقية في ضوء التحولات الدولية المتسارعة.. المغرب ليس جنة لكنه ليس أيضا في “المشرق” بل في “المغرب” (دون شوفينية).
إسقاط المشهد السياسي المشرقي على المغرب يشبه محاولة استبدال الطاجين بالكبسة (التي أعشقها): النتيجة ليست سيئة، بل لكل طبق ذوق وتميز محلي ولذة خاصة! لكل بلد خلطة خاصة، فلا نجعل الكليشيهات دليل سياحي لعقول العامة.