الأساتذة المتدربون.. المعركة العادلة
عادل بنحمزة
يخوض الأساتذة المتدربون منذ حوالي خمسة أشهر بمختلف المراكز الجهوية للتربية و التكوين معركة عادلة ،جزء منها ذاتي يرتبط بتحقيق أمنية التدريس وعبرها الشغل، والجزء الآخر يعكس معركة مجتمعية تختزل في الصراع بين رؤتين، الأولى تؤمن بالمرفق العمومي وأهمية حضور الدولة في قطاع استراتيجي كالتعليم، وتنظر بعين مقارنة للدول الصاعدة والتي تؤكد جميعها على استحالة تحقيق الإلتحاق بها، دون تعليم قوي تلعب فيه الدولة دورا حاسما.
في مقابل وجهة النظر هاته هناك توجه حكومي يسعى بجدية كبيرة ، إلى تسريع خروج الدولة من كل المرافق الاجتماعية وتخليها عن مسوؤليتها السياسية و الأخلاقية عبر التطبيق الحرفي لتعليمات الموسسات المالية الدولية، التي تنظر من جهة الى القطاعات الاجتماعية في الدول الفقيرة و الدول السائرة في طريق النمو نظرة محاسباتية، ومن جهة أخرى نظرة تستند الى رؤية إيديولوحية قائمة على اقتصاد االسوق المتوحش وعلى الحد الأدنى من الدولة .
الغريب هو أن حكومة السيد عبد الاله بنكيران عندما تنخرط في الحرب على المرفق العمومي و الخدمة العمومية سواء في قطاع التعليم أو الصحة أو غيرها، فإنها تفتقد الى الشرعية البرنامجية، سواء تعلق الأمر بالبرنامج الانتخابي لحزب العدالة و التنمية الذي يقود الحكومة أو لباقي الأحزاب التي تشكل الحكومة ، نفس الشيء ينطبق على البرنامج الحكومي.. فاذا كانت البرامج الحكومية تجسد تعاقدا مع الشعب والبرنامج الحكومي تعاقدا مع البرلمان كسلطة تشريعية لفترة الولاية الحكومية ، فإن الخروج عن هذه التعاقدات يعتبر إنقلابا على شرعية صناديق الاقتراع ، ومثل هكذا إنقلاب يدخل الممارسة الديمقراطية في نفق مظلم ، ويطرح سؤالا مفزعا عن جدوى الانتخابات و التداول على السلطة و الديمقراطية التمثيلية؟ اذا لم تكن صناديق الاقتراع ضامنة للتعاقدات و آلية لتنفيدها عند حيازة السلطة .
يبدو أن المعركة التي دخلها الأساتذة المتدربون بنفس طويل ، تزعج كثيرين ممن هم في مواقع السلطة، ليس فقط لأنها معركة عادلة وترتبط بقطاع حيوي وهو قطاع التعليم ، بل وبصفة أساسية لقدرتها على الممانعة و استعصائها على الشيطنة أو التوظيف وقدرتها على أن تجدد قوة الحركة الاجتماعية و الاحتجاجية في الشارع، فالمسيرات الاستثنائية التي نظمتها في عدد كبير من المدن، و خاصة المسيرتين الكبيرتين بكل من الرباط و الدار البيضاء ، تؤكد على فشل آليات الضبط التي سعت منذ سنوات الى تدجين كل الحركات الاحتجاجية و الرهان على الزمن في تفتيتها ونشر اليأس في عدالة مطالبها واستنزافها بهدف القضاء عليها كليا.
هذا ما تعرضت له بالضبط الحركة النقابية وحركة المعطلين، إن هذه الحركة التي يقودها الأساتذة المتدربون.. ورغم عدم إلتفات الإعلام إليها بشكل كافي، فإنها لازالت صامدة و قادرة على أن تفرض نفسها في النقاش العمومي خاصة عندما يتعلق الأمر بالمدرسة العمومية .. وهذه هي المعىكة الحقيقية.
هنا يجب على الجميع أن يتحمل مسؤوليته، إذ ليس من المعقول أن يحمل المجتمع شبابا قي مقتبل العمر، معركة كبيرة من المفروض أن يخوضها المجتمع عبر قواه الحية السياسية و النقابية و المدنية،وذلك بدل إدمان الفرجة على مأساة جيل ينخره اليأس من وطن يأكل ابنائه، ومجتمع سقط في فخ المعارك الفئوية و الحلول الفردية .
هناك في الضفة الشمالية..في فرنسا التي تغرينا عندما نشاء ونتجاهلها عندما تشعرنا بالحرج، هناك يخوض التلاميذ والطلبة والعمال والسياسيين والنقابيين والاعلاميين معركة واحدة جنبا إلى جنب، ضد التعديلات على قانون الشغل التي جاءت به حكومة مانويل فالس..
إنها المعارك العادلة التي يخوضها الجميع من أجل الجميع ولا مكان فيها للجمهور…