التنمية البشرية كسياسة عمومية في إطار الجهوية المتقدمة
التنمية البشرية كسياسة عمومية في إطار الجهوية المتقدمة.
عمر المصادي
تعتبر التنمية البشرية أحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات، سواء الإقتصادية أو الإجتماعية أو الثقافية. والتي جاءت تنفيذا للتوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره، حيث تشكل التنمية البشرية عنصرا محوريا في استراتيجيات الحكومة، خصوصا في إطار التوجه العام للجهوية المتقدمة.
ويهدف هذا النموذج من التوجه إلى تحقيق تنمية متوازنة بين مختلف الجهات، والحد من التفاوتات الجهوية، وضمان تعزيز المشاركة المحلية في اتخاذ القرارات التي تؤثر على التنمية.
أولاً: الجهوية المتقدمة كمقاربة جديدة في السياسة العامة.
تعرف الجهوية المتقدمة بأنها نظام لا مركزي يهدف إلى تعزيز السلطات المحلية من خلال إحداث مؤسسات جهوية تتمتع بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ قرارات محلية تتماشى مع خصوصيات كل جهة، هذا التوجه جاء بموجب الدستور المغربي لسنة 2011، والذي ركز على تعزيز الديمقراطية المحلية واللامركزية كسبيل لتحقيق تنمية شاملة ومتكاملة.
ومن خلال ذلك، يمكن القول إن الجهوية المتقدمة تهدف إلى تحسين الأداء التنموي على مستوى الجهات، وتقوية التنسيق بين الحكومة المركزية والمجالس الجهوية، وتوجيه السياسات العمومية بما يتناسب مع حاجيات كل منطقة.
ثانيًا: التنمية البشرية كسياسة عمومية.
تعتبر التنمية البشرية من أهم السياسات العمومية التي يتبناها المغرب في سياق تحقيق التنمية المستدامة، يشمل هذا المفهوم تحسين الوضع الإجتماعي والإقتصادي للمواطنين من خلال توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم، والصحة، والسكن، والولوج إلى فرص الشغل، وتتمثل أهمية التنمية البشرية في كونها لا تقتصر على تحسين المؤشرات الإقتصادية بل تركز كذلك على تمكين الأفراد من تحسين مستوى حياتهم ورفع قدراتهم.
وفي هذا السياق، يشكل “المخطط الوطني للتنمية البشرية”، أحد المبادرات الكبرى التي أطلقها المغرب، والذي يهدف إلى الحد من الفقر والهشاشة، وتحقيق العدالة الإجتماعية، وضمان تحسين مستوى عيش المواطنين.
ثالثا: التكامل بين الجهوية المتقدمة والتنمية البشرية
يتجلى التكامل بين الجهوية المتقدمة والتنمية البشرية من خلال عدة جوانب:
1.التخصيص الفعال للموارد: تساعد الجهوية المتقدمة على تخصيص الموارد المالية والبشرية وفقا للاحتياجات الخاصة بكل جهة، مما يسمح بتوجيه الإستثمارات بشكل فعال نحو المشاريع التي تساهم في تحسين حياة المواطنين.
2.تحقيق العدالة المجالية: تساهم الجهوية في تقليص الفوارق التنموية بين المناطق المختلفة، خاصة بين المناطق الحضرية والقروية، من خلال تعزيز دور الجهات في اتخاذ قرارات تنموية تراعي خصوصيات المنطقة.
3.تعزيز المشاركة المجتمعية: يعزز النظام الجهوي المتقدم من فرص المشاركة المحلية في اتخاذ القرارات، حيث يصبح المواطنون أكثر قدرة على التأثير في السياسات التنموية التي تخصهم، وهو ما يعزز فعالية سياسة التنمية البشرية.
4.الشراكات بين القطاعين العام والخاص: تتيح الجهوية المتقدمة المجال لتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وهو ما يسهم في تطوير المشاريع التنموية التي تساهم في تحسين الظروف الإجتماعية والإقتصادية للمواطنين.
رابعا: التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من الأهمية الكبيرة التي تحتلها التنمية البشرية في إطار الجهوية المتقدمة، فإن هناك عدة تحديات قد تواجه تحقيق الأهداف المرجوة. ومن أهم هذه التحديات:
1.الاختلالات في توزيع الموارد: ما زالت بعض الجهات تعاني من نقص حاد في الموارد المالية والبشرية، مما يعيق قدرة هذه الجهات على تنفيذ مشاريع تنموية فعالة.
2.الجمود الإداري والتشريعي: قد تواجه الجهوية المتقدمة صعوبة في التفعيل الكامل بسبب بعض الثغرات في المنظومة القانونية والإدارية.
3.التمويل المستدام: بالرغم من الجهود المبذولة، يبقى تمويل البرامج والمشاريع التنموية البشرية أحد أبرز التحديات التي تواجه تنفيذ السياسات في العديد من الجهات.
إن ربط التنمية البشرية بالجهوية المتقدمة في المغرب يمثل خطوة هامة نحو تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة في جميع مناطق المملكة. ورغم التحديات، فإن العزيمة والإرادة السياسية تظل أساسية لتحقيق الأهداف التنموية، خصوصا إذا تم تكامل السياسات العمومية مع الواقع المحلي واحتياجات المواطنين. لذا، يبقى التنسيق بين الفاعلين المحليين والجهويين والمركزيين أحد المفاتيح الرئيسية لضمان نجاح هذا النموذج التنموي في المستقبل.
عمر المصادي