غانا تسحب اعترافها بالبوليساريو : السياقات و الدلالات

غانا تسحب اعترافها بالبوليساريو : السياقات و الدلالات

بقلم : البراق شادي عبد السلام 

 

القرار التاريخي لجمهورية غانا بسحب إعترافها بالكيان الوهمي لميليشيا البوليساريو الإرهابية و دعمها لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد و نهائي للنزاع الإقليمي المفتعل في الأقاليم الجنوبية يأتي بعد عمل ميداني كبير و مجهودات سياسية جبارة يقوم بها الجهاز الديبلوماسي المغربي في الرباط و مختلف العواصم الإفريقية من أجل التنزيل السليم للرؤية الملكية المتبصرة للسياسة الخارجية المغربية المرتكزة على عقيدة ديبلوماسية عريقة و رصينة و فاعلة و مندمجة بمسارات متعددة و متداخلة يشكل فيها البعد الإفريقي مسارا محوريا من خلال الإنفتاح على القارة الإفريقية كخيار إستراتيجي يكرس إلتزام المغرب بتعزيز التعاون الإنمائي وتعميق الروابط السياسية و الاقتصادية و الثقافية مع مختلف الدول الإفريقية ،حيث أكدت الشواهد أن هذه الجهود لا تساهم فقط في تعزيز مكانة المملكة المغربية على الساحة الدولية و القارية ، بل تساهم أيضًا في تحقيق التنمية المستدامة و تعزيز الاستقرار الإقليمي.

قوة القرار الغاني تتمثل في مصداقيته و موثوقيته حيث أنه يأتي في يوم تنصيب الرئيس الغاني السيد جون دراماني ماهاما مرشح التغيير في غانا و ممثل المعارضة الغانية بعد فترة رئاسية صعبة قضتها البلاد تحت حكم الرئيس السابق السيد نانا أكوفو أدو و التي أدت سياساته الإقتصادية و الإجتماعية إلى صعوبات كبرى يعيشها ثاني اقتصاد في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بعد نيجيريا ؛ الرئيس ماهاما أكد في خطاب التنصيب على أن غانا مقبلة على تحولات متعددة في المستوى السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي ،حيث تُعتبر غانا إستثناء ديمقراطياً في منطقة غرب أفريقيا،و تتميز بالإنتقال السلمي للسلطة في نظامها السياسي على عكس العديد من الدول الإفريقية المجاورة التي عانت و تعاني من الانقلابات العسكرية والتحديات الدستورية ؛ هذه الانتخابات، التي تُعد التاسعة منذ إستعادة نظام التعددية الحزبية في أوائل التسعينات، تبرز قدرة البلاد على تنظيم إنتخابات تنافسية وشفافة، مما يعزز من سمعتها في تحقيق التحولات الرئاسية المبنية على قواعد ديمقراطية عادلة بقرارات قوية و فاعلة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ، مما يُعطي الأمل في مستقبل سياسي مستقر.

 

القرار الذي أبلغته وزارة الشؤون الخارجية والإندماج الإقليمي في جمهورية غانا إلى حكومة المملكة المغربية عبر وزارة الشؤون الخارجية و التعاون الإفريقي و المغاربة المقيمين بالخارج في الرباط و إلى الإتحاد الإفريقي في أديس أبابا ومنظمة الأمم المتحدة بنيويورك المتعلق بسحب الإعتراف بجمهورية البوليساريو الوهمية و المؤيد لمقترح الحكم الذاتي كحل نهائي للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية و الداعم لجهود المملكة المغربية في الإستقرار الإقليمي و القاري يأتي بعد أشهر قليلة من زيارة الرئيس الغاني السابق السيد نانا أكوفو إلى جنوب إفريقيا برسم اللجنة الإستراتيجية العليا الغانية – الجنوب إفريقية المنعقدة بجنوب إفريقيا في مارس 2024 حيث أعلنت كل من غانا و جنوب إفريقيا في البند العاشر من الإعلان الختامي للزيارة على دعم الحكومتين لجبهة البوليساريو من أجل تقرير المصير والحرية والعدالة !!! و هو القرار الغريب الذي شكل إنزياحا كبيرا عن الموقف الغاني التقليدي السابق المرتبط بالحياد الإيجابي بل أن غانا كانت من بين الدول 28 التي وقعت في يوليوز 2016 على رسالة تدعو رئاسة الاتحاد الإفريقي إلى تجميد عضوية الكيان الوهمي في تندوف داخل هياكل الإتحاد الإفريقي ، بالإضافة إلى موقف سابق أكده الرئيس الغاني ، الذي بدا داعما لمغربية الصحراء خلال الزيارة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس إلى غانا سنة 2017 .

 

اليوم القرار الغاني يؤكد حقيقة واحدة أنه نتيجة طبيعية لعمل دؤوب و مجهود إستثنائي تقوم بها الديبلوماسية المغربية في مختلف ساحات إفريقيا من خلال الترافع الجدي و المسؤول عن القضايا العادلة للوطن مرتكزة على الجاذبية الكبرى للمبادرات الملكية التي تهدف إلى تحويل الصحراء المغربية إلى جسر حضاري بين مختلف دول العالم من خلال تنزيل مشاريع كبرى رائدة ستغير وجه المنطقة كمشروع أنبوب الغاز الأطلسي – الأفريقي، والمبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي و مسلسل الرباط للدول الأفريقية الأطلسية الطموحة والرائدة و التي تهدف إلى تحقيق إختراقات ديبلوماسية في المعاقل التقليدية للأطروحة الإنفصالية و بشكل خاص في غرب إفريقيا التي كانت إلى عهد قريب بسبب سياقات تاريخية و سياسية و إيديولوجية معينة أحد أهم المجالات التي تنشط فيها دعاية الكذب و التضليل الإنفصالية عن طريق المواجهة السياسية و الديبلوماسية الرصينة متسلحة بصوابية و عقلانية المقترح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد و نهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل ، حيث تؤكد حقيقة واحدة أن المغرب منذ سنوات يقوم بعملية جيوسياسية كبرى تستهدف التطويق الإستراتيجي لميليشيا البوليساريو و صانعتها الجزائر في مطاردة ديبلوماسية هادئة و دقيقة ليس في المحافل الدولية و المؤسسات القارية و الهيئات الدولية بل العمل على إستهداف نقط الإرتكاز العملياتية التي تعتمد عليها آلة التضليل للترويج للأطاريح الإنفصالية خاصة في الدول التي كانت تعرف تعاطفا كبيرا و تاريخيا معها في إفريقيا كغانا و نيجيريا و زيمبابوي وموزمبيق وأوغندا وأنغولا و جنوب إفريقيا ،حيث إستطاعت المملكة المغربية إقناع عشرات الدول بعدالة موقفها إعتمادا على نجاح نهج

 ” ديبلوماسية القنصليات ” التي تلتزم به المملكة وفق إستراتيجية ديبلوماسية متكاملة ترنو لفرض واقع سياسي و ديبلوماسي جديد في الأقاليم الجنوبية يتناسب و حجم الإنجازات التنموية الكبرى و الأوراش الإجتماعية و الإقتصادية العملاقة التي أطلقتها الرباط في الصحراء المغربية و ينهي الوضعية الرمادية لشركاء المغرب التقليديين و الجدد في مايخص الموقف من سيادة المغرب على الصحراء المغربية .

 

في نفس السياق الكيان الديبلوماسي المغربي في غانا إشتغل بفلسفة واضحة تعبر عن الأداء المهني المتسم بروح وطنية خالصة و بمسؤولية و إلتزام ،هناك عمل كبير قامت به الديبلوماسية المغربية و المصالح الخارجية بأكرا تحت الإشراف المباشر للسفيرة المغربية في غانا السيدة إيمان واعديل من خلال لقاءات رفيعة المستوى مع مختلف القوى الفاعلة في المشهد الغاني طوال السنوات السابقة سياسيا و إقتصاديا و إعلاميا بشكل تراكمي و نوعي و تصريحات من مختلف القوى السياسية الفاعلة في أكرا المثمنة للصداقة المغربية – الغانية إنتهت بموقف سياسي و ديبلوماسي شجاع أسقط أحد المواقع المتقدمة الكبرى للدعاية الأنفصالية في إفريقيا الغربية ، اليوم الديبلوماسية البرلمانية و الموازية و مجموعات التفكير الإستراتيجي مدعوة أكثر إلى تحصين الموقف الغاني الجديد و دعمه من خلال العمل على تشبيك أكثر للعلاقات الثنائية و فتح مسارات جديدة للتعاون و التكامل بإستثمار التغيرات السياسية الإيجابية التي عرفتها غانا بعد الإنتخابات و التي ستؤثر بشكل كبير على العلاقات الثنائية بين البلدين التي يطمح الجانبان في الأشهر المقبلة للإرتقاء بها لمستوى شراكة إستراتيجية.

 

قرار جمهورية غانا المتعلق بقضية الصحراء المغربية له أهميته و راهنيته و إستراتيجيته حيث أن جمهورية غانا تاريخيا من أهم الدول المؤثرة في الوضع الجيوسياسي بغرب إفريقيا و حاليا لها حضور فاعل و مؤثر في مجموعة من المنظمات الإقليمية و الدولية سواء الإتحاد الإفريقي أو المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ( إيكواس ) حيث يلعب الجيش الغاني دورا محوريا في مجموعة المراقبة التابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أو في مبادرة إنشاء القوة الإقليمية لمكافحة الأرهاب في دول إيكواس في منطقة تعيش وضعا أمنيا بالغ التعقيد بسبب تنامي الفواعل المؤثرة في عملية صناعة الإستقرار سواء بالساحل الإفريقي أو خليج غينيا ، حيث أن المملكة المغربية من خلال رؤيتها الأطلسية الذي تم إنضاج شروطها الذاتية و الموضوعية وفق رؤية تنموية صرفة من خلال العمل على جعل ضفتي المحيط الأطلسي أحد المجالات الإقتصادية المهمة عالميا و التي توفر إمكانيات هائلة للتبادل الحضاري بين الضفتين و الذي سينتقل بعد قرون من الإستغلال المقيت لمقدرات الشعوب بنكهة إستعمارية خدمة للميتروبول الكولونيالي من خلال الإنهاك البشع لثروات الشعوب الإفريقية إلى علاقات بنكهة الشراكات الإستراتيجية الفاعلة في إطار تعاون محور شمال – جنوب و جنوب – جنوب و بمبدأ رابح – رابح ،قلنا أن المملكة المغربية من خلال بنك المشاريع الذي قام العقل الإستراتيجي المغربي بصياغتها في إطار مقاربة مغربية شاملة تقدم حلولا إفريقية للمشاكل الإفريقية بسواعد الإنسان الإفريقي وفق رؤية ملكية مستنيرة تشكل الإطار المرجعي لتحركات الديبلوماسية المغربية و تحدد بدقة مساراتها في إطار المسؤولية و الشفافية و الهدوء الإستراتيجي و الثبات الإنفعالي بعيدا عن ردود الأفعال الغير مضبوطة النتائج و الغير مؤسسة على مواقف راسخة.

 

و من هذا المنطلق فإن المملكة تشجع مبدأ التكامل الإقليمي في إفريقيا الذي سيشكل حجر الزاوية في إستراتيجية الإستقرار المستدام التي يطمح لها المغرب مع باقي شركاءه الأفارقة لإنشاء فضاءات إقليمية مستدامة بأبعاد إقتصادية تلبي التطلعات المشروعة للشعوب الإفريقية من حيث حرية الحركة والازدهار المشترك في إستراتيجية سياسية متكاملة و مندمجة بأبعاد إقتصادية و إنسانية تعتمد عليها المملكة المغربية بذكاء لتعزيز تواجدها في القارة الإفريقية .

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*