القمع الجزائري العابر للحدود!
خلافا للمغرب الذي يحرص على أن ينعم مواطنوه بمن فيهم انفصاليو الداخل من الأقاليم الجنوبية بالحرية، والإدلاء بآرائهم في أهم القضايا الوطنية، وتنظيم الوقفات الاحتجاجية والإضرابات دفاعا عن حقوقهم ومطالبهم المشروعة، دون أي تدخل غير مشروع لمنعهم أو التعرض للقمع والترهيب والمساءلة.
حيث يعتبر الحق في حرية الرأي والتعبير من الحقوق الأساسية التي تحميها المواثيق الدولية، وهو حق كوني لجميع المواطنين بصرف النظر عن جنسهم ولونهم وحدودهم الجغرافية، كما تنص على ذلك المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، بالإضافة إلى ما ينص عليه الدستور المغربي في الفصلين 25 و28، من حرية الرأي والفكر والتعبير بكل أشكالها، والحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء.
فإن السلطات الجزائرية تأبى إلا أن تشدد الخناق على المواطنين وتكتم أنفاسهم وخاصة المعارضين منهم للنظام، حيث ليس هناك من لغة سائدة عدا لغة القمع والترهيب وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات، ولا تتوانى عن مطاردة المعارضين في بلدان المهجر. كما أفادت منظمة “DAWN” الحقوقية الكائن مقرها في العاصمة الأمريكية واشنطن، في أحد تقاريرها منبهة إلى استشراء ظاهرة العنف الممارس من طرف حكام الجزائر على معارضيهم ما وراء الحدود الجغرافية، حيث قالت: “ليس هناك من ملاذ آمن في العالم، للمعارضين الجزائريين من قمع وتسلط النظام العسكري الذي يمارس استبدادا عابرا للحدود”
لذلك لن نستغرب من إقدام السلطات الفرنسية مع مطلع السنة الميلادية الجديدة 2025 على توقيف عدد من “المؤثرين” الجزائريين المسخرين من لدن المخابرات الجزائرية، واتهامهم بالتحريض عبر شبكات التواصل الاجتماعي على ارتكاب جرائم فوق التراب الفرنسي، من خلال الدعوة إلى تصفية المعارضين الجزائريين للنظام العسكري الجزائري، لاسيما بعد خطاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أمام البرلمان، الذي جاء عقب إطلاق نشطاء من الداخل حملة رقمية واسعة النطاق تحت شعار “مانيش راضي” للتعبير عن مدى سخط المواطنين الجزائريين عما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من ترد صارخ، والمطالبة بإسقاط حكم العسكر المجحف وغير المنصف، وقيام دولة مدنية ديمقراطية.
فالنظام العسكري الجزائري يكاد لا يتوقف عن مطاردة معارضي سياساته والمعترضين على مواقفه، لذلك لا يتوانى عن إطلاق حملات القمع والترهيب ضدهم حتى خارج حدود البلاد، لدرجة لم تعد فرنسا الحليف الأكبر للجزائر تسلم هي الأخرى من مناوراته وعدائه لها، جراء موقفها الأخير الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية، مما جعله يعطي الإشارة لأبواقه الإعلامية وذبابه الإلكتروني بالانخراط في بث الرعب وتكريس خطاب العنف والكراهية في أوساط الجالية الجزائرية هناك، وإرسال تهديدات بالقتل للنشطاء السياسيين من الذين يواصلون انتقاداتهم لسياساته الفاشلة على جميع الأصعدة، والمناهضين لمواقفه العدائية تجاه المغرب وفرنسا كذلك.
ونستحضر هنا في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر اختطاف السلطات الجزائرية الناشط الأمازيغي سليمان بوحفص في غشت 2021 من قلب تونس، وإدخاله قسرا وبتواطؤ مع السلطات التونسية إلى الجزائر، حيث وجهت إليه اتهامات باطلة بدعوى نشر معلومات زائفة والإضرار بوحدة الجزائر الترابية، ناهيكم عما تعرض إليه من تعذيب ومحاكمة غير عادلة، إثر الحكم عليه ظلما بالسجن النافذ لمدة ثلاث سنوات.
وما قضية بوحفص إلا نموذجا بسيطا لسياسة الحكومة الجزائرية التي تستهدف قمع الناشطين الجزائريين المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين حتى خارج الحدود، إذ هناك عشرات الحالات التي شملت المقيمين في الخارج، ولعل أحدثها تلك الفضيحة المتعلقة بالكاتب الفرنسي/الجزائري بوعلام صنصال، الذي اعتقل بشكل تعسفي فور ملامسة أقدامه أرض مطار “هواري بومدين” في العاصمة الجزائر يوم 16 نونبر 2024 بنفس التهم الجاهزة، وعلى رأسها التخابر والإضرار بوحدة التراب الوطني.
فمنذ انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر عام 2019 والنظام العسكري الجزائري يقود حملة ممنهجة بلغت مستويات قياسية من الترهيب والقمع والمحاكمات ضد معارضيه وخاصة أولئك المتواجدين خارج الحدود.
وقد ازدادت حدتها خلال عام 2021 حيث لم يعد هناك من مكان على وجه البسيطة يصعب عليه الوصول إليه واختطاف معارضيه أو اغتيالهم بشتى الأساليب القذرة، لأنه يرفض بقوة المطالبة بإسقاطه وإقامة نظام سياسي بديل عنه، إذ أنه يعتبر نفسه خلق لإدارة شؤون الجزائر واستغلال ثرواتها ومواردها الطبيعية، وأن الجزائر لم تخلق إلا للعيش في أحضانه وتحت إمرته وحده.
إن الجزائر وحسب ما كشفت وتكشف عنه عديد التقارير الدولية، أصبحت من البلدان الرائدة في الاستبداد وتوظيف القمع العابر للحدود الوطنية، بهدف إسكات الأصوات الداعية إلى التغيير والمنددة بالسياسات اللاشعبية للنظام العسكري الجزائري، الذي يفرض رقابة صارمة على خطاب المعارضة والسيطرة عليه، ولا يتوقف عن مطاردة النشطاء والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ليس فقط داخل البلاد، بل حتى خارجها في البلدان الديمقراطية، ممن يتمتعون بهامش من الحرية في التعبير عن آرائهم دون قيود، والقدرة على انتقاد الحكم العسكري وممارساته القمعية البائدة…
اسماعيل الحلوتي