الكوميديا الانتخابية و لعبة التحالفات: خصام تراكتور و حمامة و ميزان

 الكوميديا الانتخابية و لعبة التحالفات:

خصام تراكتور و حمامة و ميزان

إدريس الأندلسي

قال القدماء و الحكماء و أصحاب الحنكة بالتجربة بأن ” ما بني على باطل، فهو باطل “.

قرر حميد شباط ،أمين حزب الاستقلال السابق، و لا ندري كيف قرر و لماذا، أن ينسحب من حكومة كان يدبرها إلى جانب حزب العدالة و التنمية.

و انفرط عقد حلفاء شباط داخل الأسرة الاستقلالية و إنتهى مؤتمر بمعركة الصحون، غير الضارة، بوصول قيادة جديدة، توشك أن تصبح قديمة، تدبر أمر حزب كبير لن تنال منه عاديات الزمن الانتخابي ما نالت من إخوان بن كيران من جراء دهاء أكبر من شاركه في الحكومة.

أعطى بن كيران كل شيء لأخنوش و لأصدقائه و تحولوا إلى أشد من اطاحوا به و بحزبه. و لأن التاريخ يعيد نفسه ،فلقد عاد حزب تجمع الأحرار لعادته القديمة في تهديد محالفيه .

و هكذا يعاد إنتاج قواعد ممارسة أحزاب ” الإدارة ” للسياسة. ويظل الأهم في الموضوع السياسي هو تعويم قيمة الممارسة في سوق تجارة و عقار و مراكمة للمال بكل الأشكال.

و يجب ترديد ما قاله عالم التاريخ و مؤسسي علم الإجتماع و التعمير، الفقيه و العارف بشؤون الدنيا، إبن خلدون، أن فساد السياسة سببه اختلاطها بممارسة التجارة.

و يصبح فساد التجارة و السياسة في ارتباطهما و تشابك السلطة بالمال في علاقاتها.

تظهر كافة الصور التي تبثها مختلف آليات التدبير الحكومي أن البلاد ليست في أيدي أمينة حكوميا و برلمانيا ، و حتى داخل الجماعات الترابية. تكثفت مكونات الخطاب ” السياسي ” لدى الأغلبية لتؤكد أن اللعبة الانتخابية بدأت مبكرا و بشكل يؤكد عمق و حقيقة الأغلبية المسيطرة حاليا ، و التي لا تجمعها سوى أدوات توزيع المناصب و تحقيق المكاسب.

و وجب التأكيد أن انفراط عقد هذه الأغلبية منفرط لا محالة.

. قال رئيس مجلس النواب ” الخالد في منصب كبير” و هو العلمي التطواني، و المطالب بتسوية وضعيته الضريبية منذ سنين، أن حزب رئيسه اخنوش سيظل مسيطرا على الأغلبية إلى غاية 2032. اجابه الوزير، صاحب الحقائب المتعددة و القيادي الحامل ” للتراكتور” كشعار و ليس كقدرة على حمل الأثقال، أن حزبه قادر على المواجهة و أن الرد سيكون قويا إذا فتحت المعركة على مصراعيها . سكت حزب الاستقلال، و هذا يحسب عليه، رغم تاريخه و ما يحمل من ثقافة سياسية، لا تسمح له مبدئيا، بالاصطفاف مع ” أحزاب ” لن تستطيع أبدأ بالقبول بها كفاعلة سياسية تحمل “علامة صنع في الإدارة “، كما صنعت أحزاب منذ 1963.

ما تم صنعه في حاضنة داخل ماكينة إدارية سيظل مفتقدا للمشروعية مدى الحياة. و هكذا تهاوت كل آليات الحضور و الغياب بعد تراجع حضور ” شخصيات ” تم تكليفها بقيادة مركبات دستورية و أخرى بإسم الأحرار و قبلها بإسم جبهة للدفاع عن المؤسسات الدستورية.

تم إخلاء الساحة السياسية بكثير من الدهاء و لم يصل هذا المستوى إلى شيء من الذكاء.

غاب عن الوجود اؤلئك الذين كانوا يحاورون الدولة بكثير من المسؤولية التاريخية ، و لا يختارون نهج أساليب انتهازية تعكس مستوى ضعفهم ، و لم تكن لهم تجارة يحمونها من داخل احزابهم، أو موقعا في دنيا المال و الأعمال. بدأ الخصام من أجل السيطرة على القرار و تحصين مواقع و حماية من يمول الحزب في صيغته القبلية و الطائفية و الطبقية و الجهوية و العنصرية.

دخلت بلادنا معتركا سياساويا قد يضعف موقعها الجيواستراتيجي و يجعلها عرضة لخطاب يمس من حصانتها التاريخية.

يستحق المواطنون المغاربة طبقة سياسية أحسن و أكبر بكثير من هذه الفئة التي توجد في و على رأس مؤسسات البلاد.

و لا يمكن أن نتخلص من عاهات هذه النخبة ما دام نهج صنعها هو تبخيس العمل السياسي و تمكين الوصوليين من مراكز القرار.

و لنا في ضعف الكفاءات داخل البرلمان و الحكومة ذلك البرهان الكبير على أننا نعيش أسوأ مراحل تدبير السياسة و الشأن العام ببلادنا.

فضحت كل معطيات تدبير الشأن العام ما يتستر عليه جهابذة الخطاب السياسي.

أظهرت تقارير المجلس الأعلى للحسابات و المندوبية السامية للتخطيط و بنك المغرب و المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي و مجلس محاربة الرشوة أننا نعيش تراجعا رهيبا في مجال التدبير العمومي. و لا زال تضارب المصالح يلقي بظلاله على تدبير الإقتصاد.

و لا زالت أساليب التعبير السياسي تهين المواطن بشكل يومي.

أصبح استهجان الممارسة السياسية يسكن المواطن و النخبة و حتى ذلك الكائن الانتخابي الذي يبيع صوته لأنه لا يؤمن بفعل التصويت في واقع مغربي يستعصي على التغيير و الإصلاح.

حين يكفر المثقف و الإطار العلمي و الإقتصادي و كثير من الكفاءات بالعمل السياسي، و حين تدخل كائنات غريبة إلى البرلمان و مجالس المدن و الأقاليم و الجهات بمباركة سياسية، فلنعلم جميعا أننا نخلف موعدا مع المستقبل الذي يضمن كرامة الوطن و المواطن.

و سيستمر ملئ مقاعد المجالس الترابية و البرلمانية بالأخ ، و الأخت، و الابن ، و البنت ، و زوجة الابن، و زوج البنت، و غيرهم من ذوي القربى من غير المساكين و أبناء السبيل و المناضلين و المناضلات. أحب المسرح كفن راق و ذو حمولة ثقافية عميقة المعاني، لكني أكره كل من يعتلي مسرح السياسي ليمتهن الكذب السياسي و يغتني دون سبب.

و لن نصل إلى مستوى النمو المتقدم إذا ظلت مؤسساتنا لا توقف نزيف الثقة في وجودها و قدرتها على الفعل و التغيير. و سيظل سؤال “أين الثروة” حاضرا في قلب تضارب المصالح.

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*